حكايات| من المجوهرات للسباكة.. سورية بـ«100 راجل» في شوارع الأردن 
حكايات| من المجوهرات للسباكة.. سورية بـ«100 راجل» في شوارع الأردن 


حكايات| من المجوهرات للسباكة.. سورية بـ«100 راجل» في شوارع الأردن 

منةالله يوسف

الثلاثاء، 05 فبراير 2019 - 06:04 م

 حين قذفتها أمواج الحرب السورية إلى شواطئ عمل لم تعتد عليه، تخيلت أن عقارب حياتها توقفت، وأن الغرق في مستنقع الأزمات على وشك ابتلاعها، غير أن «صفاء سكرية» وجدت كحال مئات الآلاف من أبناء وطنها وضعًا مغايرًا وأن الحياة تفتح أبوابها لها من جديد.

 

في أحد محال المجوهرات بدمشق، لمع اسم «صفاء» بين الدمشقيين الماهرين في التصميمات والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة؛ لكن الأيام حولت الأيدي الناعمة إلى شقوق تعرف جيدًا كيف تمسك بأدوات السباكة في دورات المياه، محطمة كافة القيود من أجل «لقمة عيش».


أصدقاء «الحمامات»

 

صعبة الحياة حين يتحول الأصدقاء إلى «مفتاح إنجليزي، ومِتر، ومقبض» مع رحلة جديدة على أرض الأردن، لتصبح «سكرية» أول سورية تعمل في هذا المجال.

 

 

بنفس عميق، تستجمع السيدة السورية قواها قبل البدء في عملها، وبنظرة ثاقبة تحاصرها البساطة تتصدى تلك السيدة الأربعينية لـ«أجدعها حنفية» بعد أن كانت صاحبة معمل مجوهرات.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| من المقلب للعالمية.. مصري يحول «الزبالة» إلى موسيقى

 

تمتلك «صفاء» أنامل ذهبية تستطيع من خلالها العمل في السباكة أو ما يعرف في الأردن بـ«الصيانة المنزلية»، وبمرور الأيام، أثبتت جدارة غير عادية بعدما استطاعت إصلاح خلاطات و«حنفيات» في دورات المياه بالمنازل. 

 

وداعًا سباكة الذهب

 

وكأنها سخرية القدر تلعب مع صفاء لعبة ولا في الأحلام، أو بالمصري «هم يضحك وهم يبكي».. تقول «سكرية»:  «كنت أمتلك معمل خاص بي يُدعى ريماس للمجوهرات التقليدية في دمشق، ولظروف خارجة عن إرادتي وعدم استقرار الوضع بالبلد، كان لا مفر من السفر، فرحلت إلى الأردن وبدأت أبحث عن دورات في مجال المجوهرات لأكمل مشواري وبالفعل قدمت في دورة للسباكة وكنت أعتقد أنها سباكة ذهب؛ لكن بعدها أدركت أن المقصود بالسباكة (الصيانة المنزلية) ولتشابه الأسماء اختلط عليّ الأمر.. فأصبحت سباكة بالصدفة».

 

 

 

لم تيأس «صفاء» بعدما اكتشفت حقيقة الدورة التدريبية، بالعكس استمرت فيها لمدة شهرين وتأقلمت مع الوضع الجديد، واستغنت عن عشقها وشغفها بالمجوهرات لعدم توفير المواد الخام اللازمة في الأردن. 

 

اقرأ للمحرر أيضًا| علي الغندور.. أستاذ جامعي «كفيف» بعيون تكنولوجية

 

مرت شهور لكن لا تستطيع صفاء إخفاء حبها للمجوهرات والسباكة.. «المجوهرات فن والسباكة أيضًا فن وكلاهما يحتاجان إلى الأيدي الناعمة».

 

سخرية السيدات

 

مريلة وقفاز وحذاء سيفتي ونظارة.. ملابس كانت تستغربها صفاء عن ارتدائها في بداية مشوارها مع السباكة، لكن بمرور الوقت صارت مجموعة أصدقاء جدد لها، والآن صارت ذكريات أول يوم عمل لا تُنسى، وتحديدًا مع تصليح «حوض حمام» لإحدى السيدات استغرق إصلاحه يومًا كاملًا، واليوم تصلح سكرية الأشياء بسرعة البرق. 

 

 

أسست صفاء لنفسها شركة للسباكة تحمل اسمها، لتثبت جدارتها وكفاءتها في العمل، بعدما واجهت سخرية وعنصرية من قبل السيدات وعدم تصديقهن أنها تصلح لهن «الصنابير» وتنفذ أعمال الصيانة المنزلية، ولم تكتف بهذا القدر بل أخذت تدرب السيدات والفتيات على مشكلاتهن مع السباكة.

 

أين السباك؟

 

«اتصل بي زوج إحدى الأردنيات طالبا مني الذهاب إلى منزله لإصلاح السباكة بشقته فذهبت إلى العنوان المذكور، وطرقت الباب ففتحت لي سيدة وعندما أبلغتها بأنني المسئولة عن السباكة لم تقتنع وطلبت مني أن أطلب لها سباكًا رجلًا وبصعوبة بالغة أقنعتها بأنني أستطيع القيام بجميع أعمال السباكة بكفاءة بالغة».. كلمات تمر بصعوبة على لسان صفاء كلما تذكرت الموقف.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| «فتافيت السكر».. كوكيز «إرادة» على طريقة متلازمة «داون»

 

لم تقتنع صاحبة المنزل بقدرة سكرية على إصلاح العطل.. «اتفقت معها أنني إذا أفسدت لها السباكة سأحضر لها سباكا آخر يصلح لها على نفقتي الخاصة، وفور الانتهاء من عملي أعجبت بي بشدة».. بهذه الكلمات واصلت السيدة السورية حديثها.

 

 

استغلال ربات البيوت 

 

من أكبر المشكلات التي تواجه صفاء- والكلام على لسانها- عدم تقبل الزبون فكرة الإصلاح نفسها؛ لكن بسبب «أمانتي» نجحت نوعًا ما في تغيير هذه الصورة.

 

تقول صفاء: «كنت أخفي طبيعة عملي عن أسرتي، ولكن بعدها اعترفت لهم بالسر، بطبيعة الحال رفضوا في البداية لكنني أقنعتهم وتقبلوا الفكرة والمهنة وباتوا يشجعونني الآن». 

 

أما حلم السورية صفاء سكرية، فتح شركة حول الوطن العربي لتدريب الفتيات والسيدات أصول المهنة، مناشدة إياهن بتعلمها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة