الشقق المفروشة..قنابل موقوتة
الشقق المفروشة..قنابل موقوتة


«الشقق المفروشة»..قنابل موقوتة

محمد قنديل

الأربعاء، 13 فبراير 2019 - 11:16 م

- 85 % من العمليات الإرهابية تم تخطيطها وتجهيزها داخلها

- التأجير بدون ورق إثبات هوية..وطمع السماسرة يحكم السوق

- البرلمان : خطر داهم ..ومشروع قانون يلزم بكشف هوية ساكنيها


«شقة مفروشة».. بمجرد ذكرها يتبادر إلى الأذهان تلك الأفعال الخارجة عن القانون نظرًا للسجل السيئ لتاريخ هذا النوع من السكن، فهى غالبًا ما تكون مأوى للهاربين و«مرتعًا» للأعمال المنافية للآداب مثل الدعارة والمخدرات وغيرها، كما تستخدم أحيانًا وكرًا للإرهابيين

 فى ظل جشع بعض الملاك الذين يكتفون بالأموال بعيدًا عن التأكد من بيانات وهوية المستأجرين، كما أن هناك من يستخدمها للنصب على المواطنين من خلال فتحها مكاتب لشركات وهمية ثم يتركونها بعد الحصول على أموال المواطنين والهرب بها.. هذه الشقق تمثل خطراً كبيراً فى ظل انتشارها الواسع، ففى تقرير سابق للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، أكد أن هناك حوالى 10 ملايين شقة مغلقة على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى ملايين الشقق المؤجرة دون إحصاء رسمى، خاصة فى المناطق الشعبية المكتظة، خبراء الأمن أكدوا أن تحريات الأجهزة الأمنية منذ ثورة 30 يونيو، توصلت إلى أن 85% من جرائم الإرهاب، تحدث باستغلال الشقق المفروشة؛ بغرض مراقبة الضحايا قبل العمليات، هذا الأمر جعل البرلمان يدق ناقوس الخطر ويتقدم أحد النواب بمشروع قانون لإحكام السيطرة على هذه الشقق وإجبار المالك والمستأجر على الإدلاء بهوية ساكنيها للجهات الأمنية، حتى لا تكون هذه الوحدات السكنية قنابل موقوتة فى وجه المجتمع.

«الأخبار» تجولت فى مغامرة بعدد من المناطق لاستئجار شقة مفروشة وكشف المخالفات وعدم التأكد من اشتراطات الأمن وتطبيق القانون، كما نناقش المسئولين والخبراء لمعرفة كيفية التصدى للأزمة ووضع حلول مناسبة لها.

وقائع سابقة
هناك سجل أسود من الوقائع السابقة التى تدل على خطورة الشقق المفروشة من حيث استخدامها فى الأعمال الإجرامية والإرهابية، ناهيك عن الأعمال المنافية للآداب وغيرها، ولعل أبرز هذه الوقائع فى 1 يوليو 2015 تمت تصفية 9 من العناصر الإرهابية فى عملية أمنية داخل «شقة مفروشة» بمنطقة البشاير بـ 6 أكتوبر.

وفى 26 يوليو 2016، داهمت قوات الأمن شقة مفروشة، تابعة لدائرة قسم شرطة ثان أكتوبر، يقيم بها 4 عناصر إرهابية، وبعد تبادل لإطلاق الرصاص تم قتل الإرهابيين.

وفى 3 فبراير 2017 اقتحمت الشرطة شقة فى المعادى اختبأ بها اثنان من العناصر الإرهابية، وتم ضبط عدد من الأسلحة، «آر بى جى»، و3 قذائف، وحزام ناسف، و5 قنابل، وبندقية آلية، وطبنجة، وكمية كبيرة من الذخيرة.. ومن أشهر الوقائع التى حدثت فى 10 سبتمبر 2017 بمنطقة الطريق الأبيض وشارع عبده خصطاب، فى أرض اللواء حيث تمكنت قوات الشرطة من قتل 10 من الإرهابيين كانوا يتخذون من شقتين مفروشتين بالمنطقة وكراً لهم.

مأوى للخارجين

البداية كانت بمنطقة أرض اللواء، محافظة الجيزة، تلك المنطقة الشعبية التى تعد المكان المناسب للخارجين عن القانون، الباحثين عن شقة سكنية تؤويهم بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية، فاختيار تلك المناطق للاختباء فيها، ليس عشوائيا أو بالصدفة، ولكن عتاة الإجرام يلجأون إليها لاعتبارات عديدة، من بينها صعوبة اكتشافهم وسط الزحام، وصعوبة تعامل قوات الأمن معهم فى حالة اكتشافهم، وسهولة استئجار الشقق المفروشة، فضلا عن انشغال أهالى المنطقة بمشكلات الحياة اليومية وعدم الاهتمام بظهور غرباء فيها.

دخلنا شوارع المنطقة المكتظة بالمارة، تحيطنا منازل قديمة تحكم المشهد مثل باقى المناطق الشعبية، الجميع يهتم بشئونه الخاصة وعمله.. انطلقنا باحثين عن فرصة لتأجير شقة مفروشة، لم نستغرق الكثير من الوقت حتى وجدنا إعلانا لمكتب «أ» لتأجير العقارات، يقع المكتب فى الطابق الثانى لأحد المنازل القديمة، بعد طرق الباب خرج إلينا شاب فى مقتبل العمر، يبدو على ملامحه الإرهاق وقلة النوم، وبمجرد الدخول تفاجأنا بوجود عدة أشخاص يفترشون غرفة المعيشة «الصالة» ويغطون فى النوم على الرغم من أن الوقت تعدى الثانية عشرة ظهرا.

استقبلنا الشاب فى إحدى الغرف التى تضم مكتباً، وبدأ بالسؤال عما نحتاج.. بدون مقدمات طلبنا استئجار شقة مفروشة، تكفى حوالى 5 أشخاص قادمين من محافظة المنيا للعمل فى القاهرة لمدة شهر أو أقل فى إحدى شركات المقاولات، لم يتردد الشاب الذى يدعى مصطفى فى إخبارنا بوجود إحدى الشقق جاهزة للسكن مباشرة، بمبلغ 1700 جنيه فقط بالشهر، وفى حالة الرغبة باستئجار السكن بالنظام اليومى فسيتكلف اليوم الواحد مائة وخمسين جنيها.

بدون أوراق

تفاجأنا بالمبلغ المناسب الذى يلائم الجميع، فسألنا عن الأوراق المطلوبة لإتمام عملية الاستئجار، فأجاب: «محتاجين صورة بطاقة لأى شخص منكم بس».

لم نكتف بهذا القدر فحاولنا الاتفاق على تأجير الشقة بدون صورة البطاقة التى تحدث عنها «مصطفى»، فأجاب أنه سيحاول مع مالك العقار إقناعه بهذا الأمر.. الغريب أن الشاب حاول إقناعنا بأن صورة البطاقة الشخصية تظل كضمان فقط مع المالك ولن يقدمها إلى أى جهة، فى محاولة منه لتسيير الأمور لإتمام عملية التأجير، وكأنه لم يأت فى خاطره كوننا مجرد خارجين عن القانون وتقلقنا مسألة تقديم صورة من بطاقة إثبات الهوية.

أنهينا الاتفاق على تأجير الشقة بمقابل 1700 جنيه، وتوقف الأمر فقط على معاينة السكن فى صباح اليوم التالى.. بعدها تجولنا أكثر فى المنطقة فى محاولة لإيجاد شقة أخرى نستطيع تأجيرها بدون أوراق إثبات الهوية، وبعد محاولات كثيرة التقينا بأحد حارسى العقارات يدعى «ش.م»، والذى أكد لنا على وجود إحدى الشقق المفروشة جاهزة للسكن بمقابل 1700 جنيه فى الشهر، وبعد موافقتنا على المبلغ أجرى حارس العقار عدة اتصالات مع مالك السكن، ومن ثم اصطحبنا إلى موقع الشقة لمعاينتها.. وخلال طريقنا سألنا هذا الرجل عن الأوراق المطلوبة لتأجير الشقة، فكانت الإجابة الصادمة: «مفيش ورق»، وتابع بأن الأمر يقتصر على دفع القيمة المادية فقط وقضاء المدة المتفق عليها، ثم تنتهى العلاقة ببساطة بين المستأجر ومالك السكن.

أوصلنا حارس العقار إلى مالك الشقة، الذى أصر على التواجد معنا أثناء تفحص السكن.. وبالفعل وصلنا إلى شارع ضيق يتسم بالهدوء، مدخل العقار فى حالة جيدة على الرغم من تهالك درجات السلم، فى الطابق الثالث تقع الشقة المتفق عليها، بمجرد الدخول من باب المنزل وجدنا غرفة المعيشة تحتوى فقط على تلفاز صغير يبدو فى حالة يرثى لها، ويغطى أرضية المكان قطعة من السجاد القديم، مع بضعة مقاعد صغيرة فى شقة لا تتعدى مساحتها الـ 60 مترا مربعا، وبالفعل انهينا الاتفاق مع مالك الشقة مقابل 1700 جنيه، على أن يحصل حارس العقار «السمسار» على مبلغ 600 جنيه.

إعلان ملصق

لم نكتف بمنطقة أرض اللواء، انتقلنا إلى حى فيصل، لم يختلف الأمر كثيرا كونها منطقة شعبية، فور خروجنا من محطة مترو الأنفاق، لفت انتباهنا إعلان ملصق على سور المحطة، يفيد بوجود شقق مفروشة للإيجار بمبلغ 1200 جنيه، وغرفة مفروشة بـ 400 جنيه فقط، حاولنا التواصل مع رقم الهاتف المدون على الإعلان إلا أنه لم يجب.

انطلقنا مجددا باحثين عن شقة مفروشة ولكن هذا المرة باعتبارنا طلابا قادمين من محافظة الإسكندرية لحضور ندوة علمية بإحدى الجامعات فى القاهرة.. التقينا بحارس عقار أكد أن هناك شخصا يدعى «ع.ع» يؤجر الشقق المفروشة، وبعد عدة دقائق من السير وصلنا إلى منزل «ع.ع»، عقار مكون من 5 طوابق.. فى الطابق الثالث يسكن «ع.ع» وبعد عدة طرقات على الباب خرج إلينا شاب يدعى «أ» نجل مالك العقار، فقال إن والده ليس بالمنزل لكنه جاهز لتلبية طلبنا.

طلبنا من الشاب الجامعى توفير شقة تكفى خمسة أشخاص، لمدة شهر أو أقل، إلا أنه أكد على انشغال جميع الشقق المفروشة التى يمتلكونها، مع وجود غرفتين منفصلتين فقط يمكننا استئجارهما.

وافقنا على استئجار الغرفتين واصطحبنا الشاب لمعاينتها ثم أجرى الشاب اتصالا هاتفيا بوالده ليخبرنا بتفاصيل التعاقد، تواصل معنا مالك العقار من خلال الهاتف وأكد أن سعر الغرفة الواحدة 1000 جنيه شهرياً، والأوراق المطلوبة مجرد صورة لبطاقة شخصية خاصة بأحد المستأجرين، وهو فقط إجراء روتينى.

بعدها وخلال حديثنا المطول مع نجل مالك العقار، أثار دهشتنا عندما أكد أنه يمكن أن يؤجر الشقة أو الغرفة بنظام اليوم الواحد، ويكون التعامل ومكان السكن بناءً على حالة المستأجر، بمعنى أنه فى حالة كونه ميسور الحال ويبدو عليه علامات الاحترام يتم إعطاؤه السكن فى موقع مميز، أما فى حالة كونه خارجا عن القانون «بلطجى» أو هارب من أحكام أو ثأر خاصة من محافظات الصعيد فهناك أماكن خاصة لهذه الفئة تكون حالتها سيئة وبعيدة عن الأنظار، تفاجأنا أن الشاب لم يجد أى أزمة فى الاعتراف أمامنا أنه يمكن تأجير هذه الشقق أو الغرف لأى شخص حتى فى حال كونه خارجا عن القانون، فالأهم هو دفع الإيجار المتفق عليه.

إخطار أمنى

قررنا خوض المغامرة فى مكان آخر.. وهذه المرة بمنطقة حدائق الأهرام، تلك المدينة الجديدة التابعة لمحافظة الجيزة، تتسم بالهدوء، وهى الأخرى يمكن أن تكون مطمعا للخارجين عن القانون لتكون مأوى لهم.

تبدو مهمة الحصول على شقة مفروشة ليست بالصعبة، كون المدينة لازالت حديثة الإنشاء واحتواءها على الكثير من العقارات الفارغة التى تبحث عن مستأجر.. إلا أننا اصطدمنا بعقبة كبرى حيث تبتعد المكاتب العقارية والسماسرة فى هذه المنقطة عن تأجير الشقق المفروشة بسبب السمعة السيئة التى يتمتع بها هذا النوع من الشقق فى مدينة حدائق الأهرام.

توصلنا إلى «عم أنور» حارس عقار، والذى رفض نهائيا فكرة الحديث عن الشقق المفروشة مؤكدا أن جميع السماسرة فى هذه المنطقة ابتعدوا عن العمل فى هذا النوع من الشقق، وبالتواصل مع أكثر من سمسار بالمنطقة اكتشفنا وجود شقق مفروشة يمكن استئجارها، ولكن المبالغ تتراوح من 3500 جنيه، حتى 4000 جنيه، وهناك من أكد أن فكرة استئجار الشقة بدون أوراق إثبات الهوية واردة على حسب تفكير مالك العقار.

تواصلنا مع أحد أصحاب مكاتب التسويق العقارى فى منطقة حدائق الأهرام، ولكن هذه المرة بهويتنا الصحفية، لمعرفة رده على تأجير الشقق المفروشة بدون ضوابط واشتراطات، فيقول حسن إنه لا يقوم بتأجير شقق مفروشة إلا بعد إخطار الجهات الأمنية ببيانات المستأجر وفقا للتعليمات الأمنية التى تتلقاها مكاتب السماسرة، إلا أن جشع وطمع بعض السماسرة والملاك يمكن أن يتغاضوا بسهولة عن التعليمات والاشتراطات الأمنية مقابل الحصول على الأموال.

مأوى للإرهابيين

ويقول د.محمد الذهبى أستاذ القانون الدستورى، أنه يوجد قانون قائم ينص على ضرورة إبلاغ الوحدات المحلية التابع لها العقار المؤجر لكن هذا القانون غير مستخدم أو غير مفعل..ويشير الذهبى إلى أن الشقق المفروشة باتت مأوى للإرهابيين والمجرمين والأعمال غير المشروعة التى تهدد أمن الدولة، فقد أصبحت تستخدم فى التخطيط والتنفيذات الإرهابية التى نعانى منها، ولذلك تعد هذه الوحدات السكنية من أخطر الأماكن لانطلاق الإرهاب فى مصر.
ويعلق أحمد الأحمر، الخبير القانونى، أن القانون ينظم تأجير الشقق المفروشة فى المادة 41 من القانون 49 لسنة 1977، والتى تنص على أنه فيما عدا الفنادق والنزل يجب على كل من أجر مكاناً مفروشاً أو جزءاً منه أو آوى أو أسكن أى أجنبى أو مصرى، أن يخطر قسم الشرطة الذى يتبعه المكان باسم الشاغل للمكان وجنسيته ورقم جواز سفره إن كان أجنبياً ورقم ومكان وتاريخ صدور بطاقته الشخصية أو العائلية إن كان مصرياً، ومدة الإيجار أو الإشغال والغرض منه وتاريخ بداية هذه المدة ونهايتها، وذلك خلال ثلاثة أيام من تاريخ تأجير أو شغل المكان أيهما أسبق.
ويضيف أن عقوبة المخالفين لهذه المادة هى الحبـس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وهى بالطبع عقوبة غير رادعة على الإطلاق ولابد من تعديل القانون وتشديدها، لأن هناك بعض الملاك لا يبلغون عن بيانات المستأجر خوفا من دفع ضرائب على قيمة الإيجار.

الموافقة الأمنية

مع التأكيد على ضرورة تعديل القانون وتشديد العقوبات، يأتى دور مجلس النواب كونه المسئول عن هذا الأمر.. فيقول اللواء يحيى كدوانى، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان، إنه تقدم بمقترح قانون ينص على إبلاغ الجهات الأمنية بهوية من يستأجر الشقق المفروشة، وذلك للحفاظ على أمن المواطنين، وخاصة بعد استخدام هذه الوحدات فى الأعمال الإرهابية.. بحيث يقوم المستأجر الذى يرغب فى استئجار وحدة سكنية مفروشة بضرورة الحصول على تصريح أمنى لاستئجار الوحدة، من قسم الشرطة المسئول عن المنطقة وتقديم بياناته الشخصية بالإضافة إلى بيانات شركائه فى السكن إن وجدوا، فيكون جميع ساكنى الوحدة المفروشة معروفون لدى جهات الأمن، وتصبح هناك قاعدة بيانات واضحة لكل المستأجرين والمؤجرين لهم فى كافة المناطق.. ويكون على مالك الوحدة الالتزام بعدم إتمام التأجير إلا من خلال الموافقة الأمنية التى يحصل عليها المستأجر، ولكن هذا التعديل المقترح مازال محل دراسة.

ويؤكد كدوانى أن الوحدات السكنية المفروشة أصبحت تستخدم الآن وكرًا للجماعات الإرهابية ومخبأ لهم وأماكن اجتماعاتهم، وإعداد المواد المتفجرة، وهو ما يهدد بأمن المجتمع ، كما أن المالك أحيانا يخشى من الإبلاغ عن بيانات المستأجر والعقد حتى لا يدفع الضرائب المقررة عليه، كما أن بعضهم يمكنه الاستغناء عن الحصول على بيانات المستأجر وأوراق إثبات الهوية مقابل الأموال، وضرورة وضع عقوبة رادعة لكل مالك عقار أو مستأجر لم يتقدم بتقديم هذه المعلومات لقسم الشرطة والجهات الأمنية.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة