شارع كلوت بك - صورة مجمعة
شارع كلوت بك - صورة مجمعة


صور| البنسيونات التاريخية بـ«كلوت بك».. من بائعات الهوى في زمن البغاء لـ«العشوائية»

أسامة حمدي

السبت، 23 فبراير 2019 - 05:15 م

- البنسيونات التاريخية آيلة للسقوط ويحاصرها الإهمال والعشوائية ودار عليها الزمان

- «صعايدة وزوار أهل البيت وأفارقة وطلاب وراغبي العلاج واستخراج الأوراق الرسمية».. أبرز الرواد

- تكلفة الإقامة للنزيل 50 جنيها نظير سرير وحمامات مشتركة.. وأهالى الشارع: احذر السرقة

- 30 بنسيونا بالشارع.. وقربها من محطة مصر جعلها قِبلة الوافدين من الأقاليم

- الشارع كان عنوانا للبغاء وشرب الخمور منذ «محمد على» وحتى 1949

- الفدائيون استهدفوا ضباطَ وجنود الاحتلال الذين ارتادوا الشارع بشكل دائم

 

عند وصولك إلى شارع «كلوت بك» بمنطقة رمسيس في القاهرة، تجد البنسيونات التاريخية التي تعود نشأتها لعام 1860، وتم بناؤها إما بهدف إقامة الأجانب من ذوي الجنسيات المختلفة التي شاركت في أعمال حفر قناة السويس والتي بدأت في ذلك العام، أو لممارسة البغاء والدعارة مع بائعات الهوى اللاتي سمحت لهن الحكومة بممارسة النشاط للابتعاد عن «بنات البلد».

 

وقد بدا على تلك البنسيونات؛ الإهمال وباتت آيلة للسقوط ودار عليها الزمان، وتساقط الدهان من على جدرانها وتساقطت نوافذها وشرفاتها ويحاصرها الإهمال، رغم أنها صُممت بطراز معماري فريد ذات طابع يوناني أصيل حتى في أثاث الغرف والدرج والشرفات والنوافذ.

 

 

«رواد البنسيونات»

 

أما عن رواد وزبائن تلك البنسيونات فقد تغير الوضع الآن، بعد أن كان روادها ضباط الاحتلال الإنجليزي والتجار المصريين وراغبى ممارسة البغاء، لكن أغلب الزبائن حاليا – بسبب قرب الشارع من محطة رمسيس للسكك الحديدية - هم الصعايدة،  والفلاحين، وزوار لأهل البيت والحسين، وموظفون صغار، وطلاب لفظتهم مدنهم الجامعية لأسباب عديدة كالسن والتقدير والتوزيع الجغرافي، ووافدين من الأفارقة مثل السودانيين والصوماليين وغيرهم.

وكذلك مواطنون بسطاء من الأقاليم اضطرتهم رحلة علاج أو مطاردة ورقة رسمية في وزارة أو سفارة أو هيئة أو مجمع التحرير إلى المبيت في العاصمة لليلة واحدة وأخيرة، تلك هي النوعية التي تمتلئ بها عشرات البنسيونات بالشارع التاريخي من الطبقة الاجتماعية التي لا تستطيع تحمل تكاليف المبيت لليلة واحدة في فنادق الخمس نجوم والثلاث نجوم، حيث لكل بنسيون  بشارع «كلوت بك» قصة عجيبة ولكل نزيل قصة أعجب.

 

 

تكاليف الإقامة

 

وعند سؤالك أصحاب البنسيونات عن تكاليف الإقامة بها تكاد تأتى إجاباتهم متشابهة جميعا من حيث الأسعار التي لا تتخطى 50 جنيه للنزيل الواحد في غرفة يتوافر بها سرير وحمامات مشتركة، ودائما تكون غير آدمية بالمرة، وإذا أردت غرفة مشتركة تكون التكلفة أقل من 40 جنيه للنزيل الواحد، أما لو أردت غرفة لأسرة مكونة من أربعة أفراد كزوج وزوجته وطفلين تكون التكلفة 180 جنيها، وهكذا....

 

ضوابط الإقامة

أما ضوابط قبول أي زبون فلا تختلف في كل الفنادق‏،‏ وهي الاطلاع على البطاقة الشخصية، والدفع مقدما، أما البنات فاستضافتهن بمفردهن ممنوعة إلا إذا كان معها أبوها أو أخوها وطبعا ما يثبت صلة القرابة.

وبسؤالك أصحاب المحلات المجاورة للبنسيونات وسكان الشارع عن أفضل البنسيونات تجد إجاباتهم تأتي: «كلها شبه بعض سرير واحد وحمامات مشتركة بـ 50 جنيه للزبون الواحد، بس المهم تخلى بالك من فلوسك علشان السرقة منتشرة ودائما بتحصل خناقات».

 

 

أشهر البنسيونات

 

وأشهر البنسيونات الموجودة بالشارع «لوكاندة سوهاج، لوكاندة سند الكبرى، كوكب الشرق، العهد الجديد، الدار البيضاء، لوكاندة ذاهب، لوكاندة عباس الكبرى، لوكاندة النهر الخالد، لوكاندة رمسيس الجديدة، فندق وادي النيل، لوكاندة سوهاج الكبرى، فندق النسيم، فندق محطة مصر الكبرى، لوكاندة الشرق الكبرى، لوكاندة المغربي».

 

وتشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة إلى أنه يوجد 30 فندقا وبنسيونا صغيرا بشارع كلوت بك الذي يمتد من ميدان رمسيس وحتى منطقة العتبة.

 

مباحث الأزبكية

وبداخل تلك البنسيونات يلفت انتباهك أرقم تليفونات رئيس مباحث ومعاون مباحث قسم الأزبكية، والذي يبدو أن رقمه مهم جدا في حياة الفنادق‏، فالرقم موجود في كل فندق،‏ وبسؤال أصحاب البنسيونات أوضحوا أنها ‏لخدمة النزيل إذا تعرض لأي مضايقات، وكذلك لخدمتنا إذا حدث أي شيء مريب أو غير سليم‏، مؤكدين أنهم يقدمون لقسم شرطة الأزبكية الذي يتبعونه دفتر النزلاء مرتين في اليوم صباحا ومساءا لمعرفة كل النزلاء بصفة دورية‏ والكشف عن بياناتهم.

 

سبب تسمية الشارع

 

وتعود تسمية الشارع إلى «أنتوني كلوت» مؤسس أول مدرسة للطب في مصر عام 1827، وكان مؤرخاً ومستشاراً لمحمد علي باشا، وخلال إقامته في مصر بين عامي 1825 و1868، رصد حياة أهل البلد وسماتهم في كتاب «لمحة عامة عن مصر».

 

وأول من أطلق اسم «كلوت بك» على الشارع الخديوي إسماعيل حفيد محمد علي باشا خلال تقسيم القاهرة الخديوية عام 1875 تخليداً لذكراه، وكان الشارع موجوداً قبل التسمية لكنه كان سوقاً عشوائية لبيع الحبوب والخضر والفاكهة خلال الحملة الفرنسية على مصر.

 

ترخيص البغاء

وعندما تضاعف الوجود الأجنبي في مصر بشكل عام منذ عصر محمد علي باشا، بدأت الحكومة تسمح بمحال الخمور وبيوت البغاء بوجه خاص، ظناً من النظام آنذاك أنها وسيلة لحماية بنات البلد المصريات من الأجانب، وأن هذه البيوت ستصرف أنظارهم عن التعرض للمصريات، وفي الوقت نفسه كانت وسيلة مُثلى لجمع ضرائب من هذه المهنة.

وفي عام 1882 بعد احتلال بريطانيا لمصر، تمركز جنود الاحتلال حول الشارع الواقع على أطراف المدينة، بما ساعد في انتشار بائعات الهوى في حانات «كلوت بك» وفنادقه لتلبية رغباتهم.

تقنين البغاء

لكن الأمر بدأ يتقنن تدريجيا، وبدأت محاولات تنظيم ممارسة البغاء داخل مصر خلال تلك الفترة، وظهر أول قانون لإلزام بائعات الهوى بالكشف الطبي في نوفمبر 1882، وذلك بعد شهر وبضعة أيام من دخول 13 ألف جندي بريطاني مصر.

ثم صدرت لائحة التفتيش على بائعات الهوى عام 1885، وألزمتهن بتسجيل أسمائهن وأماكن عملهن وفرض إجراء الفحص الطبي في مستشفى «الحوض المرصود» بمنطقة الدرب الأحمر في القاهرة، ودفع الضرائب وإلا عوقبن.

والسبب في ذلك أن الاحتلال البريطاني حضّ الحكومة المصرية على تقنين الدعارة، خوفاً من انتقال الأمراض الجنسية إلى جنوده، ومن ثم نقلها إلى بلدهم عند عودتهم.

 

الشارع عنوان للبغاء والهوى

وساعدت التصاميم المعمارية لشارع كلوت بك، في جعله مكاناً مناسباً للمهنة، فالغالبية العظمى من مبانيه اقتصرت على فنادق وبنسيونات وشقق، ما جعل المكان صالحاً لممارسة الحب خلف أبواب مغلقة، وقد استفادت الأنظمة التي حكمت مصر من هذا العمل فى جمع الضرائب.

وفي سنوات الاحتلال الإنجليزي صار الشارع الأشهر لبائعات الهوى وممارسة البغاء والراغبين في المتعة المرخصة من الحكومة، حيث كان الشارع ممتلئ بالمقاهي والحانات وبائعي الخمور حتى عام 1949، ولا تزال بقايا هذه المقاهي التي كانت تسقى روادها خمرا قائما حتى الآن، كما لا تزال البنسيونات التي كانت تكتظ ببائعات الهوى وطالبي المتعة موجودة حتى يومنا هذا.

كما ساعد على رواج البغاء بالشارع استقرار جاليات أجنبية كثيرة فى مصر من أرمينيا، وبريطانيا، والنمسا، واليونان، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، واليونان، وقبرص، وغيرهم الكثير سواء للعيش أو للعمل.

 

 

العمليات الفدائية

وليس غريبا أن يُستهدف الشارع من قبل الفدائيين من أبناء الحركة الوطنية على امتداد تاريخها منذ بداية الاحتلال الإنجليزي حتى جلاءه عن القاهرة، حيث كانوا يستهدفون قادة الاحتلال البارزين وجنودهم وبعض الخونة والمعادين للحركة الوطنية، حيث كان الشارع أرضا غصبه لتنفيذ العمليات الفدائية.

 

هجرة أهالي المنطقة

ويقول «المقريزي» و«الجبرتي» إن الأحرار والشرفاء هجروا المنطقة، عندما تحولت لبؤرة بغايا، بالتالي أصبح الشارع مقتصراً على الحانات والفنادق المشبوهة والمقاهي.

 

 

إلغاء الدعارة

وكتب مثقفون كثر في ذلك الوقت عن ضرورة محاربة هذا النوع من "الجريمة المرخّصة"، وألغيت في النهاية نتيجة ضغط اجتماعي كبير عام 1949.

 

الشارع يصبح قِبلة المثقفين

ثم حدث حريق القاهرة في 26 يناير 1952 والذي قضى على أماكن اللهو في هذا الشارع، وبعدها شهد الشارع تحولات كبيرة؛ حيث أصبحت المنطقة كلها ومن ضمنها شارع كلوت بك ملتقى ثقافي مهم بعد إنشاء العديد من دور النشر والمطابع، وحتى مقاهيها كانت مسرحًا للقاءات المثقفين والمفكرين الكبار في مصر، كما لامتداد الشارع الذي ينتهي في منطقة الفجالة ـ القريبة من ميدان رمسيس ـ قد حفل بالعديد من المقاهي الثقافية.

 

البنسيونات شاهدة على ذكريات 

لكن الآن بات شارع «كلوت بك» مفعماً بحركة بيع الأجهزة الكهربائية والملابس وقطع الغيار ومحلات المأكولات والمشروبات والمقاهي وتتناثر بعض الكراسي والبضاعة على الأرصفة، وتعلو أصوات الباعة الجائلين بالشارع، كما لا تزال البنسيونات شاهدة على عصر لا يُمحى من الذاكرة التاريخية المصرية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة