الرئيس عبد الفتاح السيسي
الرئيس عبد الفتاح السيسي


نكشف كواليس أول قمة عربية - أوروبية

أسامة عجاج

الثلاثاء، 26 فبراير 2019 - 10:14 م

- إدارة ناجحة للرئيس السيسى فى تقريب الرؤى بين العرب والأوروبيين

- أزمات ليبيا واليمن وسوريا والقضية الفلسطينية مثلت قمة التوافق بين الجانبين


عوامل كثيرة ساهمت فى النجاح لأول قمة عربية أوروبية عقدت فى شرم الشيخ، فى مقدمتها الإدارة المتميزة للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذى بذل جهداً كبيراً فى  توفيق الرؤى التى كانت تبدو متباينة  بين الجانبين العربى والأوروبي، بالإضافة إلى جهد كافة المسئولين المصريين فى الإعداد للقمة، وتوفير كافة الامكانيات اللوجستية التى وفرت أجواء مناسبة لأعمال القمة، واللقاءات الثنائية التى حرص رؤساء الوفود من الجانبين على عقدها.


عامل آخر لنجاح القمة هو الحرص الشديد من كافة الأطراف على المشاركة الجدية فى المناقشات والمداولات التى دارت فى الجلسات المغلقة، وهو مايعكس رغبة منهم فى التوصل إلى التوافق حول القضايا التى تمثل هموم وتحديات وشواغل الطرفين العربى والأوروبى، ولعل صدور البيان الختامى بالإجماع يمثل أحد السمات المميزة للقمة الأو لى ، يضاف إلى ذلك اتفاق الطرفين على استمرارية التشاور عبر آليات مختلفة منها اجتماعات كبار المسئولين والحوار العربى الأوروبى على مستوى وزراء الخارجية ، وعقد القمة الثانية فى بروكسل بعد ثلاث سنوات أى عام 2022.


الجلسات المغلقة
وتكشف «الأخبار» مادار فى الجلسات المغلقة والرؤى التى تم طرحها فى القمة التى استمرت على مدار يومين.. 


فقد كانت أحد مؤشرات نجاح القمة قبل بدايتها بأيام  التوجه الأوروبى لرفع مستوى التمثيل الذى بدا لافتاً ومتميزاً، فقد شارك فيها 28من قادة أوروبا من بينهم 20 رئيس وزراء، ومستشاران هما ألمانيا والنمسا، ورئيس رومانيا، الأمر الذى يشير إلى رغبة أوروبية على انفتاح أكبر على الجوار العربى وتعزيز العلاقات التجارية والأمنية، ووضع خطط لمواجهة القضايا التى تهم الجانبين وأبرزها مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية ،وكان الحضور العربى أيضاً على نفس المستوى ، حيث شارك 12زعيما كان أبرزهم العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وملك البحرين حمد بن عيسي، والرئيس العراقى برهم صالح، والرئيس التونسى الباجى قايد السبسى.


إهتمامات عربية
ومثلت الشواغل والاهتمامات العربية بمجموعة القضايا الأربعة  التى تمثل تحديا وتهديدا للاستقرار والأمن فى المنطقة، جزءاً مهماً من المناقشات والمداولات فى اعمال القمة، وهى الوضع فى سوريا واليمن وليبيا والقضية الفلسطينية، وتناولت سبل إحراز تقدم حول المصالحة والتوصل لتسويات سياسية مستدامة بموجب قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضى واستقلال هذه الدول والتأكيد على الالتزام المشترك  بالجهود التى تقودها الأمم المتحدة وعلى الدعم الكامل للمبعوثين الخاصين للأمم المتحدة لسوريا واليمن والممثل الخاص للأمم المتحدة فى ليبيا ورغم وجود تباين فى الموقف تجاه الوضع فى سوريا حيث تمثل مخاطر التدخلات  الإقليمية من ايران عبر وجود مليشيات شيعية تابعة للحرس الثورى وحزب الله، مقدمة هموم ال عالم العربي، ويضيف إليها مسعى تركيا للسيطرة على شمال العراق والحرص العربى على عدم تقسيم سوريا والحفاظ على مؤسسات الدولة، فإن أوروبا تشهد تراجعاً فى التأثير على الملف السورى لصالح روسيا بصفة أساسية وأمريكا، فقد توافق الطرفان  أن أى تسوية مستدامة تتطلب عملية انتقال سياسية حقيقية وفقا لإعلان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة قرار رقم 2254 ، مع ادانة  كافة الأعمال الإرهابية وانتهاكات حقوق الإنسان التى تم ارتكابها فى حق الشعب السورى أيا كان مرتكبوها ، والتشديد على ضرورة محاسبة كافة المسئولين عنها  مع إمكانية  تطوير السياسات المشتركة  تجاه سوريا وفقا للتقدم الملموس المحرز نحو التوصل إلى تسوية سلمية سياسية للأزمة السورية.


وتمثل الازمة الليبية أحد النقاط المشتركة بين المجموعة الأوروبية والدول العربية، فقد كان لحلف الناتو الدور الأبرز  فى انهاء حكم «القذافي» عن طريق التدخل العسكري، كما أن الانسحاب السريع للحلف ساهم فى حالة الفوضى  وعدم الاستقرار وانتشار الميلشيات المسلحة وحالة الانقسام بين الشرق والغرب، وقد تم التوافق بين الجانبين فى القمة على دعم الجهود الأممية وتنفيذ الاتفاق السياسى الليبى لعام 2015، ومطالبة كافة الليبيين بالانخراط بحسن نية فى الجهود التى تقودها الأمم المتحدة والرامية إلى الوصول بعملية التحول الديمقراطى لنتيجة ناجحة ، وبالامتناع عن أى إجراء من شأنه تصعيد التوتر والاخلال بالأمن وتقويض الاستقرار ، ودعم خطة عمل ممثل الأمم المتحدة الخاص فى ليبيا.


التحالف العربى
وقد جمع البيان الختامى للقمة بين الرؤية العربية والاوروبية تجاه الأزمة اليمنية خاصة اهتمام التحالف العربى بقضية عودة الشرعية ومقاومة خروج جماعة الحوثى عنها، وبين الاهتمام الأوروبى بالوضع الإنسانى هناك، وكان من اللافت للنظر تعهد  رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بمنح 200 مليون جنيه استرلينى (262 مليون دولار) لمساعدة ضحايا الحرب فى اليمن، وطالبت  بإنهاء الأزمة والمعاناة الناجمة عن الحرب.

 

وقالت ماى على هامش مشاركتها فى القمة:  «يجب التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة فى اليمن، فهناك طريق واحد لإنهاء تلك الأزمة والمعاناة» وأضافت:  «تم إحراز تقدم حقيقى للتوصل إلى حل سياسي، لكن النوافذ تغلق أمام الفرصة السانحة، لذلك يجب الاستفادة من زخم محادثات ستوكهولم لتحويل الاتفاقيات الحالية إلى سلام دائم»، وتابعت:  «علينا تكثيف جهودنا لاستكمال التقدم الذى أحرزناه وتنفيذ اتفاقيات ستوكهولم بالكامل، ويجب الضغط على جميع أطراف الصراع لإنهاء الأزمة».

 

وقد رحب الطرفان الأوروبى والعربى  باتفاق استوكهولم  خاصة فيما يتصل بوقف إطلاق النار فى الحديدة وقرارات مجلس الأمن رقم 2216 و2451 و2452، وأعرب الطرفان عن  قلقهما بشأن الوضع الانسانى الخطير الذى ينعكس على الملايين من المواطنين ،مع ضمان تدفق الإمدادات الإنسانية والتجارية لمن يحتاجونها ، وتنقل العاملين فى المجال الإنسانى بدون عراقيل، ومطالبة كل الأطراف المعنية بالعمل البناء بهدف تحقيق تسوية سياسية دائمة وجامعة تحقيقا لمصلحة الشعب اليمني.


وقد جاء التوافق حول القضية الفلسطينية مفأجاة القمة، خاصة بعد تسريبات تحدثت عن وجود تغيير فى المواقف الأوروبية فى ظل بروز قوة التيار الشعبوى على صعيد اكثر من دولة أوروبية وليس له نفس المواقف التاريخية والثابتة على مر السنين تجاه القضية الفلسطينية، حيث تم التأكيد على المواقف المشتركة من عملية السلام فى الشرق الأوسط بما فى ذلك بشأن وضع القدس وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وفقا للقانون الدولى والالتزام  بالتوصل إلى حل الدولتين وفقا لكل قرارات الأمم المتحدة، بوصفه السبيل الواقعى الوحيد لإنهاء الاحتلال الذى بدأ عام 1967، والذى يشمل: القدس الشرقية والتوصل إلى سلام عادل ودائم وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف تتناول كل قضايا الحل النهائى مع أهمية الحفاظ على الوضع التاريخى القائم فى الأماكن المقدسة بالقدس بما فى ذلك ما يتصل بالوصاية الهاشمية.


 تدخلات  إيران
وكانت قضية إيران وتدخلاتها فى الشئون الداخلية العربية أحد أبرز التباينات التى ظهرت مابين الطرفين العربى والأوروبى فى ظل موقف عربى موحد من إدانة التدخلات الإيرانية والتركية فى ملفات عربية مهمة بدعمهم الحوثيين فى اليمن وحزب الله فى لبنان وبعض الميليشيات الشيعية فى العراق والتدخل السافر فى مجريات الأمور فى سوريا وكذلك تهديد تركيا لوحدة سوريا من خلال تدخلها فى بعض مناطق الشمال السوري، واستمر الخلاف منذ الاجتماع الوزارى فى 4 فبراير فى بروكسل بين وزراء خارجية الجانبين، واستمر حتى الساعات الأخيرة من إعداد البيان الختامى أول أمس، فى ظل تقديم كل من السعودية والإمارات والبحرين بنداً يطالب بإدانة التدخلات الإيرانية فى الشئون العربية ،وسيطرة الخلافات حول تباين الرؤية العربية والأوروبية فى الجلسات الثنائية بين قادة الجانبين ، وهى كثيرة ومتعددة والتى تمت على هامش القمة.


ومثلت القمة فرصة ممتازة لتحقيق المزيد من التعاون التجارى والاقتصادي، وتدعيم العلاقات التجارية والاقتصادية العربية والأوروبية، وقد تم التوافق على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادى بين الجانبين وإرساء شراكة قوية مبنية على الاستثمار والتنمية المستدامة والالتزام  بتطوير برنامج عمل تعاونى إيجابى خاصة فى مجالات التجارة والطاقة بما فيها أمن الطاقة والعلوم والبحث والتكنولوجيا والسياحة ومصائد الأسماك والزراعة والمجالات الأخرى التى تحقق المصلحة المشتركة، وكل ذلك بهدف زيادة الثروة ومعدلات التنمية وخفض البطالة استجابة لاحتياجات شعوبنا.


الهجرة واللاجئين
وقد شكلت الهجرة أحد البنود المهمة على جدول أعمال القمة  ومناقشات القادة خاصة وأنها تمثل تحدياً كبيراً لكل من الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء فى الجامعة العربية، حيث  تشكل نسبة الوافدين منها إلى أوروبا ما يقارب الثلث وفقاً للمجلس الأوروبي.. كما أن بعض الدول الاعضاء فى الجامعة العربية تستضيف نسبة كبيرة من اللاجئين الذين جرى النقاش حول كيفية حمايتهم ودعمهم وفقاً للقوانين الدولية، وتعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية وشبكات مهرّبى البشر، خاصة وأن العالم العربى سبق له أن رفض مقترحا أوروبيًا بإنشاء معسكرات فى عدد من الدول العربية خاصة دول شمال أفريقيا لإقامة مئات الألوف من المهاجرين الأفارقة،  ومن المعروف أن هناك تباينا ببن الدول الأوروبية فى التعامل مع هذا الملف مابين الرفض الكامل أو القبول بشرط استضافة أعداد من اللاجئين.

 

ويبدو أن هناك اتفاقاً بين الجانبين العربى والأوروبى حول دور لخفر السواحل للدول العربية فى إعادة المهاجرين الشرعيين، وقد حظى الدور المصرى بهذا الخصوص، بإشادة قبل أيام من المؤتمر  من رئيس وكالة الحدود وخفر السواحل التابعة للاتحاد الأوروبى (فرونتكس)  لمنعها أى مهاجر من الخروج إلى أوروبا عبر السواحل المصرية منذ عام ٢٠١٦.. وتطرح الدول العربية مقترحاً بضرورة مساهمة المجموعة الأوروبية فى دعم الاقتصاد  العربى للدول المطلة على البحر المتوسط، والذى يساهم إيجابياً فى تخفيض الهجرة من هذه الدول الى أوروبا.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة