الكتاب الصحفي عمرو الخياط
الكتاب الصحفي عمرو الخياط


‎ عمرو الخياط يكتب| المشروع القومي لمكافحة الإهمال

عمرو الخياط

الجمعة، 01 مارس 2019 - 11:06 م

سألني أحد القراء بعد حادث محطة مصر أيهما أخطر الإرهاب أم الإهمال؟، وجدت نفسي أجيبه بأن الإرهاب يقتل الإنسانية ثم يتباهي بحصد الأرواح باعتبار أن ما فعله جهاد مزعوم أو عمل له قيمة في ذهنية كل إرهابي، أما الإهمال فإنه يتعامل مع الإنسانية باعتبارها بلا قيمة.
‎الإرهاب يتخفي ويتلون ليطل علينا بين حين وآخر، الإهمال يعيش بيننا ويفرض نفسه علينا جزءا من السلوك الاجتماعي اليومي، يطل بوجه مكشوف دون اكتراث.
الإرهاب يجد من يموله ويدعمه سراً وهو يدرك أنه يرتكب سلوكا إجراميا، الإهمال يجد الدعم المعنوي اليومي من محيط اجتماعي مشارك أو صامت أو مبرر أو غير مكترث.
الإرهاب يجد منظومة قانونية وأمنية صارمة تواجهه، الإهمال يتخذ أشكالا تحول دون تحديد المسئوليات أو تحديد آلية المحاسبة، الإرهاب يحدد أهدافه أما الإهمال فإنه يتخذ من كل مصري ومن كل مؤسسة هدفا عشوائيا له.
الإهمال ليس سلوكا فرديا بل تنظيما متكاملا يعيش بيننا بلا استحياء يتخذ من الهزل والجد أشكالا له علي حد السواء، لا يكف عن محاولات تطبيع نفسه جزءا من السلوك اليومي للمجتمع.
الإهمال منظومة متكاملة ترتكز علي قواعدها التالية:
  أشخاص غير مدربين وغير مؤهلين.
  مسئوليات غير محددة.
  مسئولون غير مكترثين.
  مسئولون لا يمتلكون آليات المحاسبة أو غير قادرين علي تفعيلها.
  مرؤوسون أمنوا العقاب.
  مبررون للإهمال.
  متعاطفون مع المهملين.
  قواعد إدارية مغيبة.
  حملات اغتيال معنوي للمسئولين الجادين الملتزمين بالانضباط.
  التعامل مع التساهل في الإهمال باعتباره سلوكا حميدا ونوعا من التسامح.
منظومة متكاملة تهاجم المجتمع يوميا بلا هوادة وسط حالة خطيرة من اعتياد الإهمال وألفته.
في مواجهة هذه الحالة فإن الدولة باتت ملزمة بإطلاق مشروعها القومي لمكافحة الإهمال اتساقا مع دعوة السيد الرئيس لبناء الإنسان المصري.
إذا كانت الدولة تكافح الفساد المالي علي قدم وساق فإن الفساد الإداري هو المورد الرئيسي لكل أصناف الفساد.
الإهمال هو الأب الشرعي للفساد، الإهمال يستبيح الإنسان المصري فيسلبه حقه أو يمنعه من الحصول عليه أو يمكن من لا يستحق من الاستيلاء علي ما لا يستحق.
الإهمال يفرض منظومته التي تهدم المجتمع مرتكزة علي ما يلي:
  إهدار قيمة القانون.
  إهدار قيمة العمل.
  إهدار قيمة العدل.
  إهدار قواعد الإتقان.
  إهدار قيمة الجدية.
الإهمال يغتال هيبة الدولة فتتآكل ثقة المواطن في وطنه.
بقوة القانون وحده يمكن مواجهة الإهمال بصرامة، فإذا كانت مكافحة الإرهاب هي فعل في مواجهة سلوك شاذ عن المجتمع المصري، فإن مكافحة الإهمال هي مواجهة لسلوك اجتماعي بات متجذرا داخل العديد من المؤسسات والنفوس.
المشروع القومي لمكافحة الفساد هو فرض عين حال علي الدولة المصرية وعلي كل مواطن مصري.
الآن نحن في مواجهة الحقيقة التي تقول إن الفساد يغتال الإنسان المصري في كل لحظة، الحقيقة تقول إن الفعل المادي لارتكاب الفساد يساوي تماما الفعل السلبي للتقاعس عن التصدي له.
الواقع يقول إن الفساد لا يعرف حدودا ولا يتوقف عن مطامعه، والفاسد لا يتوقف عن سلوكه الإجرامي ولا يكف عن التغول علي حقوق المصريين يوميا، الفاسد لا يتوقف عن فساده طالما لم يجد من يواجهه فيتحول إلي شخص مفسد لكل ما حوله ولكل من حوله بل يستمتع بقدرته علي الإفساد ويعلنها علي الملأ باعتبارها تضيف له حيثية مجتمعية متميزة.
لا نتجاوز إذا قلنا إن الفساد يهدر القيم الدينية ويخلق حالة من الازدواجية البغيضة،  ففي الوقت الذي تجد فيه من يدعي التدين ويعلنه فإن هذا الشخص نفسه تجده ممارسا للفساد أو مبررا له أو متساهلا معه أو مستفيدا منه، بل تجد من يذهب إلي أن يسبغ عليه شرعية مزيفة طالما لم يطله منه ضرر.
الفساد خطر حقيقي علي السلام الاجتماعي بعدما يتسبب في نوع من الطبقية التي تتغلغل في المجتمع بسبب طائفة من ممارسي الفساد أو المستفيدين منه دون حساب أو مساءلة وبالتالي يتولد في ذهنية المجتمع أن هناك طبقة فوق الحساب وفوق المساءلة.
حالة طبقية بغيضة يصنعها الفساد فيخلق مساحة اغتراب بين المواطن ووطنه تسمح جدا بتمدد الفكر المتطرف أو الطائفي في الذهنية العامة.
الدول لا تترك لضمائر الأفراد ولكن القانون يهذب ويقوم تلك الضمائر.
مكافحة الإهمال لن تتم إلا بقوة القانون وعلانيته وشفافيته، مكافحة الإهمال جزء من بنيان الدولة.
بقوة دولة ٣٠ يونيو وعزمها يجب أن ينطلق المشروع القومي لمكافحة الإهمال.
بناء الإنسان المصري لن يتم إلا بمواجهة حقيقية لهذا الإهمال.
بناء الإنسان المصري لن يستقيم مع أجيال ناشئة وسط حالة مجتمعية تألف وتستبيح الإهمال.
الآن الجميع أمام مسئولياته أفراد وإعلام ومؤسسات.
الإهمال والدولة لا يجتمعان، إما الدولة وإما الإهمال.
دولة ٣٠ يونيو التي استطاعت أن تهزم الإرهاب لا يمكن أن تستكين للإهمال.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة