صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


- تصاعد جرائم القتل الأسرى بشكل مقلق.. و92% منها بسبب الشك والشائعات

«الدم بقى ميه».. ثلث الجرائم في مصر «أسرية»

محمد قنديل

الأربعاء، 06 مارس 2019 - 04:02 ص

 

- الخبراء: الفصام والوسواس القهرى والضغط العصبى أبرز الأسباب.. والتأهيل النفسى حل مناسب
- لا ترتبط بالطبقة الاجتماعية.. ويجب الاهتمام بالتوعية الثقافية والدينية
- نعانى من غياب ثقافة العلاج النفسى.. والإعلام والدراما فى قفص الاتهام


أب يقتل نجله، أخ يقتل شقيقه، زوج يذبح زوجته، وآخر يسمم أطفاله ثم ينتحر، زوجة تتخلص من زوجها.. كلها عناوين لحوادث نسمع عنها باستمرار فى الآونة الأخيرة، فعندما يتجرد الإنسان من مشاعر الرحمة والشفقة يصبح القتل وإراقة الدماء سهلاً، جرائم القتل داخل الأسرة أصبحت تهدد المجتمع المصرى المعروف بتماسكه وترابطه، وتشير الإحصائيات والتقارير إلى ارتفاع مخيف فى نسبة الجرائم فى النطاق العائلي، فوفقا لآخر تصنيف لقاعدة البيانات العالمية «نامبيو»، الخاص بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة بها، جاءت مصر فى المرتبة الثالثة عربيا، والـ24 عالمياً.

 

وكشفت دراسات أخرى أن جرائم القتل الأسرى فى مصر تشكل من ربع إلى ثلث إجمالى جرائم القتل وهو معدل ضخم للغاية.. وفى دراسة سابقة للمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أكدت أن نسبة 92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات.. «الأخبار» تتناول فى هذا التحقيق ظاهرة القتل الأسرى، وتناقش الخبراء والمسئولين حول الأسباب والحلول المقترحة لمعالجة الأزمة.

 


تجرد من مشاعر الإنسانية، انتزعت الرحمة والشفقة من قلبه، لم تؤثر فيه مشاعر الأبوة وسنوات العشرة الطويلة مع زوجته، صراخ أطفاله الصغار لم يردعه عن جريمته التى يقشعر لها الأبدان، الطبيب «أ. ع. ذ.»، 42 عاما، الذى حول منزله بمدينة كفر الشيخ إلى بركة من الدماء بعد أن قام بذبح زوجته « م.ف»، طبيبة تحاليل، وأطفاله عبد الله، 8 سنوات، وعمر 6 سنوات، وليلى 4 سنوات.. حجج واهية تفوه بها الجانى بعد اعترافه بارتكاب الجريمة وسط صدمة وذهول الجميع، فادعى أنه أقبل على الجريمة بسبب خلافات مع زوجته منذ 6 أشهر، وقد عقد العزم على تنفيذ عملته البشعة بعد أن تأكد من استحالة الحياة بينهما مما جعله يفقد صوابه ويتجرد من ضميره، ويتخلص من زوجته وأطفاله أيضاً بحجة مصيرهم المجهول بعد قتل الأم ودخوله السجن.
فى يوم يبدو تقليدياً وأثناء عملها فى ديوان محافظة كفر الشيخ، غافلة عما حدث لابنتها وأحفادها، تلقت «و. أ. ش» والدة المجنى عليها، اتصالا هاتفيا من زوج ابنتها، وبصوت ملىء بالتوتر والخوف قال : « الحقينى يا ماما (م) اتقتلت هى والأولاد».. دخلت الأم المسكينة فى حالة هستيرية من البكاء والصراخ حتى ساعدها زملاؤها على الخروج من العمل والذهاب لبيت ابنتها.


تروى الأم المكلومة بصوت يملؤه الحسرة والحزن، أنه لم يكن هناك خلافات بين ابنتها وزوجها تستدعى ارتكاب هذه الجريمة، وإنما كانت مجرد خلافات بسيطة تحدث فى كل بيت، وتتابع قائلة إنها لم تستوعب فى البداية ان زوج ابنتها هو من قام بارتكاب الجريمة حتى ثبتت الأدلة واعترف بفعلته البشعة. تضيف الأم ولايزال الجرح غائرا لم يندمل بعد، أن ابنتها كانت من المتفوقات فى دراستها ثم عملها، وأحبت زوجها كثيرا وتحملت معه الصعاب، ودعمته فى كل أمور الحياة، وبعد زواجهما مباشرة سافرت معه إلى السعودية لمدة 10 سنوات لظروف عمله، وتحملت معه الغربة بحلوها ومرها، فهى بالتأكيد لا تستحق ما فعله بها فى النهاية.. واختتمت حديثها : « حسبى الله ونعم الوكيل ، قلبى محروق عليهم، ربنا ينتقم منه فى الدنيا والآخرة».


إراقة الدماء
لم يكن « و. ع» يدرى أن نهايته المأساوية ستكون على يد أشقائه، الذين ضربوا برباط الأخوة عرض الحائط فاستسهلوا القتل وإراقة الدماء فدفع شقيقهم ثمن الطمع وانعدام الضمير والرحمة بسبب خلافات الميراث.


فى منقطة الوراق بمحافظة الجيزة، وداخل منزل بسيط عاش وترعرع فيه أربعة إخوة، « م.ع» ، و«و.ع»، و«ه.ع» ، و«ث.ع».. شهد المنزل شجارا حادا بين المجنى عليه «و.ع» وأشقائه بسبب رغبته فى بيع منزل والدهم والحصول على نصيبه من الميراث، احتدمت المشاجرة حتى قام «ث.ع» بالتوجه إلى غرفته وأحضر سلاحا أبيض فسدد للمجنى عليه طعنة برقبته، أعقبها بطعنة أخرى بمنطقة الصدر أردته قتيلا، بعدها وقف الإخوة بدم بارد يخططون للتخلص من جثة شقيقهم، فوضعوه على دراجة بخارية وتوجهوا إلى منطقة نائية وألقوا بجثمانه بإحدى الزراعات لإخفاء معالم فعلتهم النكراء.


الابن العاق
عجوز تخطى الـ60 عاما، نالت منه الشيخوخة فتخلى عن عمله «منجد» ليجلس فى منزله بمدينة السلام فى محافظة القاهرة معتمدا على معاشه البسيط، ومع مرور الوقت أصبح قعيدا على كرسى متحرك لا حول له ولا قوة، عاقبه القدر بابن عاق لايجيد فى الحياة سوى اللهو وتعاطى المخدرات، وفى أحد الأيام طلب الابن سيئ السمعة الأموال من والده المريض، إلا أنه رفض ووبخه على أفعاله وتصرفاته المشينة، فاستشاط الابن غضبا واستل سكينا من المطبخ وطعن والده المسن بطعنتين واحدة فى الصدر والأخرى بالبطن ليفارق الحياة.. لم يكن يدرى العجوز أنه يربى ذئباً بشرياً فى بيته، ليأتى الوقت الذى يفقد فيه حياته على يد فلذة كبده، بدلا من الوقوف بجواره ومراعاته فى عجزه.


جرائم القتل داخل الأسرة لا تتوقف، والنماذج كثيرة منها فى 17 يناير 2019 حينما لقيت فتاة مصرعها فى قرية أبو شتيت بمحافظة قنا على يد نجل عمها، بسبب هوايتها الفنية ورغبتها فى التمثيل بالأفلام السينمائية.. وفى 26 يناير لقى عامل زراعى مصرعه على يد شقيقه بمدينة تلا بمحافظة المنوفية، إثر مشاجرة نشبت بينهما لخلافات بسبب زوجتيهما، والواقعة الشهيرة التى تعود إلى شهر أكتوبر 2018، حينما قام رجل بقتل طفليه بميت سلسيل بمحافظة الدقهلية، وغيرها من الحوادث التى لا تنتهي.


ذروة العنف
العامل النفسى يلعب دورا هاما فى ارتكاب جرائم القتل خاصة فى نطاق الأسرة، فما هى الدوافع النفسية التى تتسبب فى مثل هذه الجرائم ؟ تجيب د. سوسن الفايد، أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن جرائم القتل الأسرى لها عدة أسباب أهمها ضغوط وصعوبات الحياة التى تؤدى إلى ظهور المرض النفسى بسهولة وتجعله فى تفاقم مستمر، وللأسف يعتبر المريض النفسى الذهاب للطبيب وصمة مشينة، ومع غياب ثقافة العلاج النفسي، واعتقاد المحيطين بالمريض أن هذه حالة طبيعة ستتحسن مع الوقت، تزداد حالة المرض النفسى حتى تصل إلى الفصام والشك القهرى والهلاوس السمعية والبصرية، وتشتبك كل تلك الحالات أو تسيطر عليه حالة واحدة فى الوقت الذى يشاهد فيه الدراما التى تعرض الانحرافات والجرائم، فيستقر فى وجدانه فتراوده فكرة العنف حتى يصل إلى مرحلة ارتكاب الجريمة.


وتشير الفايد إلى أن الجانب النفسى له تأثير كبير حيث إن بعض الذين يقوموا بتلك الجرائم يعانون من مرض الفصام العقلى الذى يجعل فكرة الخلاص من الدنيا والذهاب إلى الآخرة والجنة هو الحل الأمثل، ويمكن علاج تلك الظاهرة عن طريق الاعتراف بثقافة العلاج النفسى وإيجاد حلول للمشكلات بطريقة عقلانية لتحقيق الاستقرار، إلى جانب أن للإعلام دورا هاما لمواجهة تلك الظاهرة وذلك من خلال انتقاء المؤسسة الإعلامية لبرامج ثقافية تقوم بتوعية المواطنين، وعدم عرض تفاصيل الجريمة بالكامل وكيف تم ارتكابها؛ لأن الذى يعانى من الأمراض النفسية سيقتبس تلك التفاصيل وتظل الفكرة تراوده لتنفيذ مثلها.


تأهيل نفسي
وفى نفس السياق يوضح د. علاء الغندور، استشارى العلاج النفسى السلوكي، أن ضعف الحالة الاقتصادية أحد أهم العوامل التى تساعد على تأجيج المشكلات الأسرية، بالإضافة إلى المشاكل بين الزوج والزوجة من حيث اختلاف مستوى التفكير والمستوى الاجتماعى والثقافى والتجارب الحياتية، فهناك أسباب إذا حدثت لابد من حدوث كارثة مثل لوم الذات والغيرة الشديدة بين الطرفين، والشك والخوف الذى يؤدى إلى الإصابة بالأمراض النفسية، فضلًا عن مرض الوسواس القهرى الذى يسيطر على صاحبه ويجعله دائم الشك فى كل شيئ.


ويشير الغندور إلى أن الحل يكمن فى وجود برامج تأهيل نفسى لكل مشاكل الحياة ودورات تدريبية لكل الأسر من خلال التليفزيون، وضرورة وجود إعلام قوى يوجه بشكل تربوى، كما يجب إعادة النظر إلى الدراما عن طريق التصدى لجميع المسلسلات والأفلام الداعمة للعنف والجريمة، ومن الناحية القانونية ضرورة وجود قوانين حاسمة يتم تنفيذها، والأهم من ذلك لابد من أن نزرع بداخلنا التسامح والتراحم بين الجميع.


تفادى المعاناة
لكونها ظاهرة اجتماعية خطيرة، فكيف يفسرها علم الاجتماع، وما هى الحلول المقترحة للتصدى لهذه المشكلة.. يوضح د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن القتل الأسرى فى بعض الأحيان يحدث بسبب أزمة اقتصادية فيرغب الأب بأن يحمى عائلته من الكارثة التى ستحدث ويعتقد أن أفضل وسيلة لحمايتهم هى قتلهم لتفادى المعاناة، أو قد تحدث تلك الجرائم بسبب المشاكل التى تدور بين أطراف الأسرة، بالإضافة إلى الأسباب النفسية التى تؤثر على العقل الباطن فيقرر الشخص الانتقام للتخلص من تلك الأفكار، ولايرى أى حلول أخرى.


وتابع صادق أن من الأسباب أيضًا وجود ميول فى المجتمع إلى العنف وذلك منتشر فى جميع الطبقات ليست الفقيرة فقط بل إن هناك الكثير من جرائم القتل الأسرى تحدث فى الطبقات المتوسطة والراقية.


دور الأسرة
من جانبه يقول د. فتحى قناوى، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن السبب الرئيسى فى انتشار الجرائم الاسرية يرجع إلى غياب دور الأسرة، وعدم التكوين الجيد لها، وبعض المشاكل التى تصل فى لحظة الغضب إلى التحطم النفسى وارتكاب جريمة، بالإضافة إلى العوامل الخارجية مثل تناول المخدرات واختلاف الظروف من حالة لأخرى.


ويؤكد قناوى أن للإعلام والدراما دورا هاما، فالبعض يقوم بتقليد ما يشاهده، فيوجد ما يسمى بفوبيا الدم وهى حالة نفسية عندما يتعرض الشخص لرؤية الدم والعنف قد تدفعه للتصرف بشكل غير طبيعى ويتجه إلى القتل بسهولة، إلى جانب بعض الألعاب الإلكترونية التى تحث على القتل والعنف وتنمى خطورتهما، لذلك لابد من وجود ثقافة وإعلام قوى وتوعية دينية لتجنب مثل هذه الحوادث.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة