ناس لها بخت وناس لها ترتر
ناس لها بخت وناس لها ترتر


مع تغير مناخ الفن| «ناس لها بخت.. وناس لها ترتر»

منال بركات

الأربعاء، 06 مارس 2019 - 11:51 ص

 

أثارت شقة النجمة الراحلة ليلى مراد، الكائنة بمنطقة جاردن سيتي كثير من اللغط، بعد أن تم عرض تفاصيلها عبر برنامج الإعلامية منى الشاذلي.

 

وهذا الجدل الدائر، ليس لقيمة الشقة أو بيعها أو الكنوز التي تضمها، إنما بسبب التفاصيل التي ظهرت في التقرير، وتعكس بساطة النجمة التي كانت تعد الأعلى أجرا في زمانها، إذ كانت تتقاضى 12 ألفا من الجنيهات بالفيلم بوصفها ممثلة ومغنية في العمل، وهو رقم في ذلك الزمان ضخم جدا، وثروة لا يستهان بها.


فكيف كان هذا المكان الذي عاشت فيه نجمة بحجم ليلى مراد، هو عبارة عن شقة في حي راق تتكون من غرفتين وصالة فقط، غرفة للطعام"سفرة" وصالون رقيق مثلما كانت الجميلة قيثارة الطرب ليلى مراد.

 

وتاريخ أهل الفن ملئ بأمثلة كثيرة من النجوم اللذين أحبوا الفن ومنحوه حياتهم  وتركوا خلفهم ميراثا من الأعمال تخلد ذكراهم دونما رصيد في أي بنك.

 

وها هي النجمة زينب محمد مسعد، واسم الشهرة زينات صدقي الضحوكة، التي فجرت الابتسام على وجوه الملايين ومازالت تسعد الجمهور بعبارتها الفريدة وتعيش في وجداننا حتى الآن، رحلت وهى تتوارى عمن تعرفهم خشية أن يلحظوا ما أصابها بعد غدر الأيام، أو يتصور البعض أنها تطلب شيئا بعد أن توارت عنها النجومية وانحصرت الأضواء، فباعت أثاث منزلها وسكنت على سطح أحد الأبنية، ولم تتشدق في الصحف عن حالها أو تطالب بحقها بعد العطاء الذي بذلته.


وكانت المفاجأة عندما رفضت التكريم في عيد الفن عام  1976، لا لشئ سوى أنها لا تملك من حطام الدنيا ما يليق لظهورها أمام الجمهور الذي أحبها، ورئيس الجمهورية في ذلك الوقت أنور السادات الذي أمر بصرف معاش شهري لها قيمته مائة من الجنيهات، ورحلت في هدوء بعد عامين من تقاضي المعاش.

 

وقصة الضاحك الباكي إسماعيل ياسين، ليست بالبعيدة عن هذا الحال، فبعد أن كان يملئ سماء الفن ضجيجا بضحكاته، ويعمل في شتى المجالات الفنية من سينما ومسرح وإذاعة، وسجل رصيدا ضخما بالأعمال الهادفة، انتهى به الحال إلى ضائقة مالية بعدما حجزت الضرائب على رصيده بالبنوك، فأصيب بالاكتئاب الحاد، ورحل بأزمة قلبية عام 1972.

 

أما قصة الموسيقار الكبير محمد القصبجي، أستاذ الملحنين مع الفن، فهي قصة مؤلمة وصادمة  بعد ما  عاني في سنواته الأخيرة من الفقر وضيق ذات اليد، وكشف عن ذلك مجلة «الاثنين والدنيا» في 21 فبراير 1960 التي نشرت خطابا مرسلا إليها من القصبجي، بعنوان «أروح لمين».


جاء بالخطاب: "أنا في محنة.. إنني أدفع 15 جنيها إيجارا للبيت الذي أسكنه بينما دخلي لا يتجاوز عشرة جنيهات، حقي في الحياة وحقي علي الفن الذي أنفقت كل سني شبابي في خدمته.. وحقي علي الفنانين الذين يرددون حتى يومنا هذا ألحاني التي صنعتها لهم بالمجان، إن العمل الوحيد الذي يدر دخلا عليّ الآن هو عملي كعازف للعود في تخت أم كلثوم.. وأتقاضي منه عشرين جنيها في الليلة، وأم كلثوم لا تغني كل ليلة.. إنها تغني كل شهر، بل سبعة شهور كل عام! ومعني هذا أن دخلي يتوقف لمدة خمسة شهور في العام، وبحسبة صغيرة يمكن أن تعرف أن دخلي يبلغ 140 جنيها في العام، تخصم منها الضريبة والدمغة، وإذا وزع هذا المبلغ علي السنة كلها لكان دخلي عشرة جنيهات في الشهر الواحد.


ولم يفت الملحن الكبير، أن يعبر عن ندمه لأنه لم يستمع لنصيحة أبيه، الذي كان يريد له أن يصبح من علماء الأزهر، حيث رفض التدريس واستقال واتجه للفن ،بقوله "يا ليتني طاوعت أبي، ولم أجر وراء الخيالات والأوهام وأضيع عمري في خدمة الذين يتجاهلونني الآن. 

 

يبدو أن الأجيال التالية من الفنانين استوعبوا الدرس تماما مما أصاب الرعيل الأول لأهل الفن وجيل الرواد، فنهلوا من رحيق الفن وثماره ولكن دون عطاء حقيقي سيذكره لهم التاريخ.  نعم هناك تغير في المناخ وتطور في الوسائل ولكن الفن بمعناه الشامل لم يعد هو المطروح على الساحة، فاقتصر المر على الشكل دون مضمون، واختصر الفن إلى مظهر لا الجوهر، لدينا مسرح ولكن بلا مسرح، ولدينا سينما بلا سينما ، أما الأغنية فحدث بلا حرج، كلمات جوفاء "ترص" دون أن ينتقي المعنى أو إدراك للمغزى، لم يعد هناك الفن المرتبط بالأحداث الاجتماعية والوطنية، كل ما لدينا حالة من الصعب أن نطلق عليها حالة فنية رحم الله أجيال عاشت وماتت من أجل إحياء الفن فخلد الفن ذكراهم عبر الأزمان.

 


الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة