الصحفى والكاتب الفرنسى العالمى فيليب سيمونوت
الصحفى والكاتب الفرنسى العالمى فيليب سيمونوت


حوار| مؤلف كتاب «مائة عام على وعد بلفور»: 3 ناشرين رفضوا طباعة كتابى.. والإعلام قابله بالتجاهل

حسام عبدالعليم

الأربعاء، 06 مارس 2019 - 11:55 م

- وعد بلفور نموذج للتضليل الدبلوماسى
- القمة العربية الأوروبية فرصة لتطوير العلاقات بين الجانبين على جميع المستويات
- حل الدولة الواحدة انتحار لإسرائيل.. و«الدولتين» قادر على تحقيق السلام
- معاداة السامية حماقة مثل كل ما يندرج تحت التمييز العنصرى


رسالة صغيرة لا تزيد كلماتها على 122 كلمة فقط، موجهة إلى شخص يدعى اللورد روتشيلد، كتبت على ورقة بدون ترويسة رسمية، ووقع عليها ببساطة آرثر جيمس بلفور، حتى أنه لم يذكر أسفل توقيعه لقبًا وزاريًا له. هذه الرسالة كانت سببًا فى وفاة الملايين، وربما تتسبب فى العديد من الوفيات الأخرى، لأنه لا أحد يرى نهاية المأساة التى وقعت ومازلنا نعانى من عواقبها حتى يومنا هذا.

والرسالة هى: إعلان بلفور الذى تم توقيعه فى الثانى من نوفمبر 1917، هكذا بدأ الصحفى والكاتب الفرنسى العالمى فيليب سيمونوت مقدمة كتابه، الذى يحمل اسم هذا الإعلان المشئوم بعنوان «قرن من إعلان بلفور»، يحوى الكتاب بطريقة منهجية فك السياق التاريخى للحدث، من خلال مصادر لا تحصى وتعليقات مباشرة، تكشف صفحات الكتاب عن التعاملات المتخاذلة والحيل السياسية والتحالفات ضد الطبيعة فى الشرق الأدنى، بما يدفع الشرق الأوسط إلى الهاوية، حيث تمثل كل صفحة من هذا الكتاب درساً فى التاريخ والذكاء والشجاعة كما وصفه العديد من الكتاب والمؤرخين والإعلاميين فى بلاده.. فيليب سيمونوت، صحفى وكاتب عالمى فرنسى الجنسية، حاصل على دكتوراه فى القانون والاقتصاد، محاضر بجامعة السوربون فى باريس، وعمل مراسلاً صحفياً فى شئون الطاقة والبترول بمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة «الليموند»، الأمر الذى ساعده فى اكتساب وتكوين خلفية كبيرة بشئونه، ألَّفَ العديد من الكتب حول مختلف جوانب الاقتصاد المعاصر، وأخيرا كتابه «قرن على إعلان بلفور». «الأخبار» أجرت حواراً مع الكاتب الفرنسى لعرض بعض تحليلاته واستنتاجاته حول عدد من القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، على رأسها الصراع العربى الإسرائيلى.. وإلى نص الحوار.

 قال الرئيس السيسى فى كلمته التى ألقاها فى مؤتمر ميونيخ للأمن فبراير الماضى، ​​إن القضية الفلسطينية هى مصدر القلق الذى تشهده المنطقة، فما رأيك؟
نعم، أوافقه الرأى، وفى رأيى أن المشكلة الفلسطينية فى المنطقة ظهرت فى عام 1917، كما ذكرت فى كتابى «قرن على وعد بلفور»: عندما غادرت القوات الإنجليزية بقيادة الجنرال إدموند ألنبى (وهو ضابط وإدارى بريطانى، اشتهر بدوره فى الحرب العالمية الأولى) مصر لغزو فلسطين وتحديدا غزة والقدس، ثم سوريا. كان الغرض من إعلان بلفور على وجه التحديد هو إخفاء الظاهرة الإمبريالية وراء قناع الصهيونية الإنسانية، لذلك من المهم اتخاذ خطوة علمانية (أى عن طريق فصل الأمور الدينية عن الأمور الدنيوية) لكى نفهم الوضع الحالى.

(الإمبريالية تعنى: السيطرة والتحكم والتملك والاستغلال الدى تمارسه أمة على أمة أخرى وعلى مواردها وسوقها وسكانها.. وكانت فى تلك الحقبة نظاما أوربيا - أمريكيا للسيطرة الاستعمارية على إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية).

 وما الهدف من كتابك بالتحديد ؟
يهدف كتابى الكشف عن إعلان بلفور، والذى يتكون من 122 كلمة فقط، وكشفه كنموذج للتضليل الدبلوماسى الذى يخفى الهدف الحقيقى والنهائى لاحتلال فلسطين وراء الخطة الصهيونية، لإنشاء قاعدة أمامية للإمبراطورية البريطانية فى الماضى، وقد استبدلتها أمريكا اليوم للاستفادة من هذا الوضع. واستنتاجى الخاص هو أنه يجب علينا فك طلاسم هذا الوعد الغامض حتى نتجنب وعد بلفور جديدا خلال القرن القادم (2017-2117) تشوبه الحروب والمآسى.

هل واجهتك عقبات أثناء تأليفه؟
لم أواجه أية عقبات على الإطلاق. لكننى واجهت صعوبة فى العثور على ناشر.

إعلان بلفور
 وما أسباب صعوبة العثور على ناشر؟

واجهت صعوبة لسببين، الأول هو أننى كنت أريد إصدار كتابى فى نفس وقت الذكرى المائة لصدور وعد بلفور فى 2 فبراير 2017، والثانى أن ثلاثة ناشرين كنت على تواصل معهم فوجئوا بانتقادى الراديكالى لإعلان بلفور لذا رفضوا طباعة الكتاب، إلا أن الحظ كان يقف بجانبى واتفقت مع ناشر آخر وهو ( Pierre-Guillaume) الذى لم يكن متحيزا ً كالآخرين، بل على العكس من ذلك حيث كان متحمساً جداً، وممتن له كثيراً.

 كيف استقبل الإعلام الفرنسى الكتاب بعد صدوره؟
تم استقبال كتابى «قرن على وعد بلفور» بتجاهل إعلامى كبير، وهو ما يعد شكلا من أشكال الرقابة، ولم تُكتب عنه سوى بضع مقالات على شبكة الإنترنت، وعلى الرغم من ذلك فقد حظى بإعجاب كبير من القراء.

كيف تقيّم قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مدعيًا أنها عاصمة إسرائيل؟
كان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس جزءًا من البرنامج الإنجيلى الأمريكى، وهو حركة قوية جدًا فى الولايات المتحدة لعبت دورًا مهمًا فى انتخابات ترامب، التى تمتثل فقط لهذا اللوبى. لذلك من الضرورى الرجوع خطوة إلى الوراء لفهم دور الألفية البروتستانتية (الذين يؤمنون بالعصر الألفى الجديد) التى سيطرت على العالم الأنجلوساكسونى لعدة قرون.

وتكمن بدايات الحركة الإنجيلية فيما يسمى الإصلاح الجذرى فى القرن السادس عشر. والذى انبثق عن حركة الإصلاح البروتستانتى لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك. فهؤلاء الإنجيليون يعتقدوم أنه من أجل تسريع المجيء الثانى للمسيح، من الضرورى جمع يهود العالم كله وإرسالهم إلى فلسطين حتى يحضروا عودة المسيح. وفى الواقع فإنه بالنسبة للمسيحيين، كان ما حدث وسيلة للتخلص من اليهود الموالين للصهيونية والمنضمين لمعاداة السامية التقليدية هنا فى أوروبا.

وكما قال بنيامين نتانياهو نفسه فى 8 مارس 2010: «فى الواقع، تسبق الصهيونية المسيحية الصهيونية اليهودية المعاصرة، وأعتقد أنها مكنتها من الوجود». وأقول هنا إن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتانياهو لا يفوت فرصة لتحية الإنجيليين عندما يكون فى الولايات المتحدة ويرحب بزعمائهم فى إسرائيل بشكل مبالغ فيه. وهو سعيد بكل هذا الجنون المتعصب.

 هل تعتقد أن الخلافات الداخلية بين الفلسطينيين تمثل عقبة لحل القضية، وإقامة دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؟
نعم، هذه الخلافات تمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق هذا الهدف.

 هل هناك علاقة بين الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، والأزمات التى تشهدها المنطقة؟
لا أرى أى علاقة بينهما.

كيف ترى تأثير مبادرة السلام العربية التى أطلقت عام 2002 فى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين وتحقيق السلام ؟
هذه المبادرة مبنية على مبدأين، الأول هو «الأرض مقابل السلام»، والثانى هو أنه لا يمكن تحقيق السلام والأمن عن طريق السلاح. إلا أنه بسبب رفض إسرائيل مناقشة المبادرة، لم تشهد أى تقدم حتى يومنا.

تأميم قناة السويس 
كيف تقيِّم الموقف الفرنسى من القضية الفلسطينية؟

موقف فرنسا غامض على نحو كبير. فسياسة فرنسا الخارجية بالنسبة للعرب سقطت فى مزبلة التاريخ. ولا ينبغى أن ننسى أن فرنسا منحت إسرائيل أسلحة نووية كمكافأة على مشاركتها فى العدوان الثلاثى عام 1956 بعد تأميم قناة السويس على يد عبد الناصر. هذه خطيئة سياسية مازالت عواقبها تلحق الضرر بالمنطقة بأسرها.

أفهم من ذلك أن فرنسا تؤيد الاحتلال الإسرئيلى لفلسطين؟
لقد دعت فرنسا منذ زمن طويل إلى إنشاء دولة فلسطينية، كما تعتبر فرنسا قيام إسرائيل ببناء مستوطناتها فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، استيلاء غير مشروع على الأراضى الفلسطينية، ولابد أن يكون هذا الأمر ضمن مفاوضات السلام بين الطرفين على أساس حدود 1967. حيث تعترف باريس بأن بناء هذه المستوطنات يتعارض مع القانون الدولى (لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة والعديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) ومن شأن المستوطنات أن تهدد صلاحية حل الدولتين، فضلا عن أنها تمثل عقبة أمام السلام العادل والمستدام فى المنطقة. لذا ترى أن حل الدولتين هو الحل الوحيد القادر على معالجة التطلعات المشروعة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين نحو تحقيق الأمن والاستقلال والاعتراف والكرامة.

لكن مع وضع ذلك فى الاعتبار، فإن فرنسا ترى أن القدس يجب أن تكون عاصمة كل من الدولتين، إسرائيل ودولة فلسطين المستقبلية.

 من وجهة نظرك، كيف يمكن تحقيق السلام فى الشرق الأوسط؟
من وجهة نظرى أن الحل القائم على دولة واحدة سيكون بمثابة انتحار لإسرائيل، لأن العرب على المدى البعيد سيشكلون الأغلبية لأسباب ديموغرافية، وفى هذه الحالة سيتم القضاء على الدولة اليهودية، ما لم تتجه إلى تطهير عرقى جديد كما فعلت فى عام 1948، وهو الآن غير وارد سياسياً ومستحيل فعلياً، ناهيك عن الجانب الأخلاقى لهذه العملية الهمجية.
وأرى أن حل الدولتين هو الحل الوحيد القابل للتطبيق اليوم، فهو الأكثر منطقية، رغم ما تدعيه إسرائيل حول إظهار رغباتها واستعدادها للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، لكنها فى نفس الوقت تواصل بدهائها اغتصاب وانتزاع أجزاء أكبر كل يوم من أراضى الفلسطينيين.

وطن بديل للفلسطينيين 
 ما هى توقعاتك للشرق الأوسط فى حالة وجود وطن بديل للفلسطينيين فى غزة فقط، وهو المخطط الذى تتصدى له مصر وترفضه بشدة ؟

من وجهة نظرى، أرى أن إقامة وطن بديل للفلسطينيين أمر غير منشود، ولن يحقق أى سلام فى المنطقة.

 كان تمثيل ألمانيا وفرنسا فى مؤتمر وارسو الذى عقد ببولندا الشهر الماضى ضعيفاً، لماذا؟ وكيف قرأت هذا المؤتمر؟
كان المؤتمر مناورة أمريكية لتعميق انقسام أوروبا حول مسألة الشرق الأوسط. ولذلك كان تمثيل ألمانيا وفرنسا فى المؤتمر تمثيلا ضعيفاً، لأنهما لا تريدان تأييد انسحاب واشنطن من الاتفاق متعدد الأطراف بشأن النووى الإيرانى. كما أن فرنسا وألمانيا تدركان استعداد ترامب لتصعيد الضغوط، فيما يتعلق بوجود خطر كبير جدا حال قيام إيران باستئناف برنامجها النووى.

وكان هذا المؤتمر أيضا فرصة لنتانياهو لنقل صورة للعالم مفادها أن هناك تفاهما تاما بين إسرائيل وبعض الدول العربية حول القضية الفلسطينية. إلا أن العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين نجح فى وضع الأمور فى نصابها، عندما أكد أن أى زعيم عربى لا يستطيع تقديم تنازلات فيما يتعلق بالقدس أو فلسطين. وهو ما أغلق الطريق أمام خطة السلام التى أعدها رجل الأعمال جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أو ما يطلق عليها «الصفقة النهائية» للصراع الفلسطينى الإسرائيلى.

من تحليلك للأحداث والواقع التاريخى فى كتابك، ما الذى تتطلع إليه الولايات المتحدة وإسرائيل فى الشرق الأوسط؟
الولايات المتحدة فى ظل إدارة ترامب تقع تحت تأثير اللوبى الإنجيلى القوى، الذى تقف سياسته بقوة لصالح سياسة نتانياهو. ولنتذكر فى هذا الصدد شعار «فلسطين.. أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، الذى كان يستخدمه الصهاينة لتبرير إقامة الدولة اليهودية، وقد تم ترويجه منذ عام 1853 من قبل اللورد شافتسبرى (1801-1885)، الأرستقراطى الإنجليزى الكبير الذى دعا إلى «توطين اليهود فى فلسطين».

أصبح الإرهاب ظاهرة خطيرة تهدد دول العالم، هل تعتقد أن هناك محاولات جادة فى مكافحة هذه الظاهرة، خاصة مع قيام دول عديدة بتمويله، مثل قطر، وتركيا، ودول غربية أخرى؟
ليس لدى معلومات بشأن مسألة تمويل مثل هذه الدول للإرهابيين، لكن بالتأكيد يمثل الإرهاب مشكلة حقيقية بالنسبة لنا جميعاً.

 فى ظل الخلاف التجارى الحالى بين الولايات المتحدة والصين، ما توقعاتك لظروف النظام الاقتصادى العالمى الفترة القادمة ؟
كخبير اقتصادى، أؤيد بشدة التجارة الحرة. فمن الناحية النظرية والعملية، ثبت أن الحمائية ضارة بالأشخاص الذين يمارسونها. وللأسف، فإن أكبر قوتين فى العالم متورطتان فى منافسة حمائية، قد لا تضرهما فقط بل تضر بالاقتصاد العالمى. إنها كارثة حقيقية.

معاداة السامية 
 قال روبرت برنشتاين، مؤسس منظمة هيومن رايتس ووتش، إن معاداة السامية متأصلة بعمق وتطبقها الدول العربية الحديثة، لماذا ادعى ذلك، وما وجهة نظرتك فيما ادعاه؟

أعتقد أنه يخلط بين الصهيونية ومعاداة السامية. ربما قال ذلك عن قصد، لأنه يسمح له بإدانة الصهيونية إلى حد ضئيل. وأرى أن معاداة السامية ليست فى التقاليد العربية. فالعرب ساميون!

 ما هو تعريفك لمعاداة السامية؟ وهل تعتقد أنها مصدر التوتر الذى يشهده العالم اليوم؟
معاداة السامية حماقة، مثل كل ما يندرج تحت التمييز العنصرى، ولا أعتقد أنها مصدر التوترات التى تشهدها دول العالم.

 قلت إن العرب ساميون، إذن فلماذا لا يستخدمون قوانين مراقبة معاداة السامية لخدمة قضاياهم الخاصة، كما يستخدمها الصهاينة؟
من وجهة نظرى، أرى أن قوانين مراقبة معاداة السامية غير ضرورية، كما من شأنها أن تأتى بنتائج عكسية، كما هو الوضع الحالى هنا فى فرنسا، حيث تتواصل معاداة السامية فى المزيد والمزيد من المعاقبة والكراهية، بل وتتصاعد.

 ما الفرق بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية؟
هناك سياسيون فرنسيون، يدعون بترادف المصطلحين، وأنه لا اختلاف بينهما وذلك ارضاءً لإسرائيل، ليس هذا فقط، بل تم إدراج ذلك فى الدستور الفرنسى العام الحالى، ولن أذهب بعيداً، ففى 7 مارس 2016، قال مانويل فالز رئيس وزراء فرنسا آنذاك، خلال حفل العشاء السنوى لمجلس المؤسسات اليهودية فى فرنسا، «هناك معاداة للصهيونية، التى هى ببساطة مرادف لمعاداة السامية والكراهية لإسرائيل». وأيضا ما أعلنه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى 20 فبراير الماضى عن اعتماد فرنسا فى نصوصها المرجعية تعريف معاداة السامية الذى صدق عليه التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست ( المحرقة النازية لليهود)، لتمتد إلى معاداة الصهيونية، لتصبح «واحدة من الصياغات الحديثة لمعاداة السامية».

أنا لا أتفق معهما على الإطلاق، لأنهما بمثل هذه التصريحات، أهانا كل اليهود الذين يعارضون الصهيونية، حيث إن هناك يهودا غير متطرفين يعارضون الصهيونية منذ عقود. فى الحقيقة أأسف لمثل هذه التصريحات، لخطورتها فى المناخ المؤلم الذى يضر ببلدنا فرنسا. كما يعد هذا التزييف واحداً من الآثار السيئة للتجريم القانونى لإنكار المحرقة النازية لليهود. فحظر الكراهية قانونيا يؤدى بدوره إلى اتخاذها مسارات أخرى. حيث لا يمكن تغيير عواطف البشر عن طريق مرسوم أو إعلان، ومثل هذه الكلمات الرسمية التى تخرج على لسان سياسيين فرنسيين لا تؤدى إلى تهدئة المناخ العام. لاسيما أنها لا تتفق مع اغتصاب الأراضى الفلسطينية الذى ترتكبه الحكومة الإسرائيلية، وأتحدى ماركون أن يدلى بنفس الخطاب أمام جمهور مسلم.

وهناك الكثير من الدلائل تؤكد حديثى، حتى إن بعضها وقع قبل إنشاء دولة إسرائيل، فى عام 1930، كتب فرويد إلى صديقه آينشتاين فى رسالة مؤرخة فى 26 فبراير: «لا أستطيع أن أجد فى نفسى ظل التعاطف لهذه التقوى المضللة التى تنحصر فى جدار هيرود (حائط المبكى)، فليس من أجل حب هذه الأحجار القليلة، من حقنا أن نؤذى مشاعر أصحاب الأرض الأصليين»، كما قال مارتن بوبر، والذى يلقب بـ «حارس الإنسانية»، حيث وصفه كاتب سيرة حياته دومنيك بوريل، بأنه كان لديه انطباع فى عام 1927 بأن عمل المستوطنين اليهود فى فلسطين كان بمثابة «يوم القيامة».

بل إن إعلان بلفور نفسه واجه معارضة يهودية، حدث كان إدوين مونتاجو الوزير اليهودى الوحيد فى حكومة لويد جورج البريطانية ويشغل وزير الدولة للهند، معارضا لمشروع الإعلان، وقال إن قيام الصهاينة ببناء الدولة اليهودية فى فلسطين يعد «جيتو» عملاقا لجميع يهود العالم، كما اعتبر أن هذا الإعلان نفسه معاد للسامية. وأمام اجتماعات مجلس الوزراء فى 4 سبتمبر 1917، صرخ قائلاً: «كيف يمكننى التفاوض مع شعب الهند نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة، إذا قررت حكومة جلالتها، بأن وطنى اليهودى موجود فى الأراضى التركية؟ (حيث كانت فلسطين فى ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية). كما خشى مونتاجو من الآثار المحتملة للإعلان على المسلمين الهنديين. ولكن خلال غيابه من لندن تم اعتماد الإعلان. وعلم بذلك أثناء وجوده بالهند، وقال: «لقد فعلت حكومتنا كارثة لا يمكن علاجها لليهود الإنجليز، إنها تعمل على بناء شعب غير موجود».

معاداة الصهيونية 
 بسبب الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، انتشر مصطلح معاداة الصهيونية مرة أخرى تحت اسم معاداة السامية. هل توافق على ذلك؟

لا أوافق على ذلك. فبالطبع، لقد انتشر مصطلح معاداة الصهيونية مرة أخرى، لكن كما قلت، يجب أن يكون هناك تمييز بينه وبين مصطلح معاداة السامية.

 هل تمثل قوانين معاداة السامية أى رقابة ذاتية على الكتاب والباحثين حول العالم خلال تطرقهم للأحداث التاريخية المتعلقة بإعلان بلفور المشئوم؟
هذا ممكن، لكن ليس بالنسبة لى.

 هل تعتقد أن السياسة الخارجية لأوروبا وأمريكا تجاه الدول العربية تبدلت منذ إعلان بلفور؟
لقد أصبحت هذه الدول تؤيد الصهيونية بشكل متزايد منذ عام 1945، وهو الوقت الذى كشفت فيه فداحة الجرائم النازية، حيث كانت هناك دول منها متواطئة بشكل مباشر أو غير مباشر.

 كيف رأيت القمة العربية الأوروبية التى عقدت فى شرم الشيخ ؟
أرى أن كلًا من الدول العربية وأوروبا، لديهما اهتمامات اقتصادية ومالية، وأيضا ثقافية، والقمة العربية الأوروبية كانت فرصة لتطوير العلاقات والتبادلات بين الجانبين على جميع المستويات.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة