صورة موضوعية
صورة موضوعية


بين الزهد و«نداهة الكتابة».. النقود في حياة الأدباء!

بركسام رمضان

الخميس، 07 مارس 2019 - 12:02 ص

لأنهم موهوبون من رب الوجود ، لذلك فهم مترفعون، لا تسترقهم المادة، ولا يستعبدهم المال، ولا بريق الذهب أوالفضة، وهم - وعن الحقيقيين منهم نتحدث - متقشفون زاهدون، يشغلهم إبداعهم، وتستحوذ عليهم رسالاتهم، وفى السطور التالية، نغوص فى تجارب عدد مع الأدباء مع المال، والحكايات الطريفة المرتبطة به فى حياتهم.

فى البداية يقول الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة: ربما كانت هناك فكرة واضحة عن الشعراء على مدى العصور بأنهم يلهثون وراء المال خصوصا أنهم كانوا يتزاحمون على أبواب الأمراء والخلفاء طلبا للعطايا والأموال ويضيف: وأظن أن هذا لم يعد سائدا فى العصر الحديث، بعد أن زاحم الشعر فنون كثيرة، والبعض يرى أن الرواية هى الآن ديوان العرب، وأما فيما يتعلق بعلاقتى بالمال فلا أحب أن أدعى الفقر، لأن الله قد منحنى ما يكفينى، وفى حياتى مواقف ابتهجت فيها كثيرا عندما حصلت على قدر من المال، اللحظة الأولى عندما حصلت على مكافأة لنشر قصيدتى الأولى «القارة الغاضبة»، وقد حصلت على مبلغ جنيهين، وكنت مازلت طالبا فى السنة الأولى بكلية اللغة العربية، حتى أن الصراف تردد فى أعطائى النقود لصغر سنى، وهذه من اللحظات الرائعة فى مطلع حياتى، لأننا كنا فى حاجة ملحة إلى المال، لاعتمادنا على المساعدات التى تأتينا من أهلنا فى الريف، وكانت متواضعة للغاية.

 

ويضيف أبو سنة: وهناك مواقف أعتز بها، منها أننى ذات يوم كنت أتعامل مع إذاعة ركن السودان مع الإذاعية الكبيرة الراحلة «ثريا جودت» التى عرفتنى بالمخرج الإذاعى المرموق إيهاب الأزهرى الذى أسس إذاعة الشباب، وكان يخرج برنامجا بعنوان «نهاية القصة» حيث يطلب من أحد الأدباء أن يكتب دراما قصصية ونهاية مفتوحة لكى يكمل المستمعون نهاية القصة على طريقتهم، فطلب منى وهو يرى حاجتى إلى المال فى ذلك الوقت أن أكتب له بعض النماذج القصصية فى هذا البرنامج، وفعلا كتبت نموذجين قام بإخراجها، وأذيعا وحصلت على مبلغ ثلاثة عشر جنيها عن كل قصة، وقد فوجئت بهذا المبلغ الكبير بحسابات عام 1963، وحين صرفته من خزينة الإذاعة أصابنى الذهول وأدركت أنه قد يكون سببا حقيقيا فى تحولى عن كتابة الشعر إلى كتابة الدراما الإذاعية ومن هنا أتخذت قرارا لا رجعة، هو ألا أكتب هذا البرنامج حتى أتفرغ وأخلص للقصيدة، وربما كانت المفاجأة الكبرى أن هذا الشعر يمكن أن يسعد المرء ماديا للحظات وهذا ما حدث عندما فاجأنى الناشر اللبنانى عبد الرحمن الأنصارى بمنحى 50 جنيها كمكافأة على نشر ديوانى الأول «قلبى وغازلة الثوب الأزرق» عام 1965، ويعلم كل الذين نشروا دواوينى بعد ذلك أننى لم أتوقف مرة واحدة لمناقشة هذه الأمور، ولابد أن أعترف أن بعض الجوائز قدمت إلىّ المال مثل جائزة الدولة التشجيعية عن ديوانى «البحر موعدنا».


نداهة الكتابة

فى حين يقول الأديب د.أحمد سمير سعد: فى الحقيقة لم أكتب عملا كنت أنتظر من ورائه عائدا محددا خاصة فيما يتعلق بالكتابة الإبداعية، إلا أن سؤال العائد والقيمة أساسى ومحورى، لا أعنى بالعائد المادى فقط، بل أقصد العوائد المعنوية كذلك، وهذه الأسئلة منطقية جدا إلا أن الكتابة غواية، والكتابة الإبداعية بشكل خاص «نداهة» تغويك بالسير فى دروبها، ويضيف سعد: أعتقد أننى محظوظ لأننى طبيب، وأتكسب من عملى مما يسمح لى ببعض القدرة عل المناورة فى أرض الإبداع، وفى الآونة الأخيرة بت أكتب عقودا من المفترض أنها تسمح لى بجزء من الأرباح التى قد يحققها الكتاب، لكن حتى هذه اللحظة لم أحصل على أى مبلغ مالى نظير الكتابة الإبداعية من ناشر، وإن حصلت بعض أعمالى على بعض الجوائز، أما المبلغ المالى الذى حصت عليه، ولم أكن أتوقعه فقد كان لترجمة كتاب: ما الحياة؟، لإرفين شرودنجر، وقد نقلتها إلى العربية حبا فى الكتاب، وإعجابا بموضوعه، ومؤلفه، أما الجوائز التى كان لها عوائد مالية جيدة إلى حد ما فهى المركز الثالث لجائزة المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة عام 2009 عن مجموعة «الضئيل صاحب غية الحمام» وقيمتها 3 آلاف جنيه، والمركز الثالث لجائزة الشارقة فرع أدب الطفل عام 2017 عن مجموعة ممالك ملونة وقيمتها 3 آلاف دولار.

همسات حبيبى!

ويقول الأديب خليل حنا تادرس: صدر لى أكثر من 300 كتاب، فأنا أكتب منذ عام 1958 أى منذ أكثر من ستين عاما، وقد تم نشر كتبى فى مصر وسوريا ولبنان وفلسطين، أصبح لدى عدد من الناشرين يقدرون كتبى ويطلبوننى، وأول كتاب حصلت على نقود من ورائه هو «همسات حبيبى» الذى صدر عام 1958 عن دار النشر الحديث، وكان هذا مبلغا ضخما فى هذا الوقت، خاصة وأننى كنت أتوقع أن ينشر الكتاب، بعد أدفع من جيبى، وأتذكر جيدا أننى قمت بشراء مكتبة من بائع الروبابكيا تضم أكثر من 500 كتاب، ويضيف: من كتبى التى طبعت كثيرا «20 طبعة» رواية «نشوى والحب» عام 1962، وكان أكبر مبلغ حصلت عليه من هذا الكتاب ولا أتذكره الآن، وهناك موسوعة «فرويد للتحليل النفسى» فى خمسة أجزاء وصدر عن دار المختار فى بيروت وقد جلبت إلى مبلغا كبيرا بالدولار.

50 ألف جنيه من الدولة

أما الشاعر سالم الشهبانى فيطلعنا على تجربته بقوله: لدى 12 ديوانا إلى جانب ديوانين شاركنى فيهما آخرون، ولم أحصل على أى مبالغ مالية من دواوينى كلها، ولكننى كنت سعيد الحظ، فالشعر بالنسبة إلىّ مصدر الحياة والرزق، كنت أحصل على جوائز عن دواوينى، فمثلا فى فترة السنوات الأربع وأنا مازلت طالبا نلت جوائز رمزية، وعندما صدر أول ديوان لى عن المجلس الأعلى للثقافة، حصلت بسببه على منحة تفرغ لمدة 4 سنوات عن مشروع قدمته، فكانوا يصرفون لى مرتبا كل شهر لكى أنفذه، والحقيقة أننى أعمل على خطين متوازيين: الدواوين الشعرية، والأغنية فهى بالنسبة إلىّ حققت لى الجزء المفتقد من الشعر «المادى»، وأول أغنية كتبتها كانت فى إعلان، وهذا أول مبلغ حصلت عليه وكأن ألف جنيه، لمشروع تخرج فى جامعة حلوان فى عام 2009، بعد ذلك قدمت حوالى 8 أغانٍ لعلى الحجار، وحصلت على مبالغ جيدة، وقبل ذلك نلت جائزة الدولة التشجيعية 50 ألف جنيه عن ديوان «سيرة الورد» عام 2016 وكان هذا أكبر مبلغ أحصل عليه من الدولة فى الشعر، بالإضافة إلى جائزة أحمد فؤاد نجم عن مؤسسة ساويرس وقيمتها 10 آلاف جنيه عام 2015.

تقدير رمزى!

وتؤكد الشاعرة سلمى فايد قائلة: لم يكن العائد المادى هدفا لى من وراء الشعر ولن يكون أبدا، فلم أحصل على أية قيمة نقدية مقابل إصدار أى من مجموعاتى الأربع، أو نشر قصيدة، ولكننى حصلت على تقديرات رمزية من مهرجانات شعرية خارج البلاد، أما بخصوص العائد المادى الذى حصلت عليه ولم أكن أتوقعه من وراء الشعر فلم يكن إلا جائزة الدولة التشجيعية عن ديوان «ذاكرة بنى لم يرسل» عام 2016

وتستعرض وفاء عوض تجربتها مع المال بقولها: فى البداية معظم الأدباء أو المبدعين ما يهمهم هو إعداد القارئ، أما بالنسبة إلى من يكتبون فى أدب الرحلات، فهم لا يضعون أعينهم على النقود وحتى لو جاءتهم فأنها لا تشكل 1% من تكاليف السفر، وكتابى الأول «الملائكة تموت» عن أطفال العراق موجود فى كل مدارس الثانوى فى مصر وهو منتشر فى مكتبات العراق أيضا، هو صادر عن دار نشر خاصة، ولم أحصل منهم على نقود، أما كتابى «إيطاليا التى أحببتها» فكان منحة خاصة لكى أؤلف كتابا عن هذه البلاد الجميلة وقد صدر عن المركز الثقافى الإيطالى، وجرى توزيعه بشكل جيد جدا، وأتذكر أنه تكلف 24 ألف جنيه، لأنه صدر فى طبعة ممتازة، وترجم إلى الإيطالية، وكان العائد المعنوى أكبر بكثير من المادى فى رحلتى وقد تحملوا تقريبا نصف تكاليف الرحلة والإقامة.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة