د.محمد عفيفي خلال الحوار
د.محمد عفيفي خلال الحوار


حوار| د. محمد عفيفي: لولا ثورة 1919 لاستمر الاحتلال البريطانى إلى الأبد

حسن سليم

الأربعاء، 20 مارس 2019 - 11:19 م

 

- بطولات الفلاحين فى مواجهة ترسانة التسليح البريطانى تعكس عبقرية الشخصية المصرية

- وعى «الأفندية» هزم الاستعمار.. والثورة حققت أقصى نجاح ممكن


100 عام مرت على ثورة 1919 التاريخ المفصلى فى تاريخ مصر ولايزال الكثير من الأسرار مختبئة بحقائب التاريخ المغلقة التى لم تفتح بعد.. لكن خلال هذا الحوار الذى قضته «الأخبار» مع د.محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وأحد أبرز الباحثين الذين انشغلوا بدراسة ثورة 1919، نكتشف أن تلك الثورة لاتزال تحتاج إلى المزيد من الدراسة، فصفحاتها مليئة بالتفاصيل المضيئة، واللحظات الملهمة.


فى هذا الحوار يدير د.محمد عفيفى عجلة الزمان ويعود بنا إلى الوراء مائة عام، فاتحا حقائب التاريخ كاشفا عن أسرار الثورة وتأثيراتها على مصر والعالم كله موضحًا كيف كانت بداية حركة النضال المصرى وأكسبت مصر شرعية دولية أمام العالم.

 فى البداية هل ظلمت الثورة فى التوثيق التاريخى ؟
توثيق الثورة انقسم إلى ثلاث مراحل الأولى عقب الثورة مباشرة فتم التوثيق لها بشكل جيد من البداية وخاصة من خلال كتابات المؤرخ د. محمد صبرى السوربونى الذى أعد كتابات مهمة متعددة الأجزاء بالفرنسية كوثيقة اتهام للسلطات الإنجليزية أمام العالم أجمع ولكنها لم تترجم بالعربية إلا مؤخرًا، وكتاب ثورة 1919 لعبد الرحمن الرافعى والذى ذكر تفاصيل دقيقة عن الثورة التى أعطت لمصر شرعية الظهور كدولة مستقلة أمام القانون الدولى وليس مجرد ولاية عثمانية ولكن بعد ثورة 1952 بعض المنافقين تعمدوا تجاهلها مع محاولة التسويق أن تاريخ الثورات يبدأ من 23 يوليو وهى المرحلة الثانية التى استمرت حتى مراجعات الأستاذ محمد حسنين هيكل عقب 1967 والتى ذكر فيها أن القطيعة بين الثورتين مفتعلة ولا تخدم ثورة يوليو وأنها حلقة محورية فى تاريخ مصر ومن ثم احتفل فى 1969 بمرور 50 سنة على الثورة.

 مرت الثورة بمراحل عديدة ولكن كيف كانت البداية ؟
بوادر الثورة بدأت فى 1914 بعد فرض بريطانيا الحماية على مصر لتكون قاعدة عسكرية لها أثناء الحرب العالمية الأولى مقابل الاستقلال بعدها، وخلال 4 سنوات تحمل المصريون معاناة شديدة انتظارا للاستقلال وهو ما رفضته بريطانيا عقب الحرب خاصة مع خروجها منتصرة كقوى عظمى واعتقادها أنه لا يمكن تحديها وهو الاعتقاد الذى زاده سقوط الدولة العثمانية وانتهاء علاقتها بمصر ولكنها فوجئت من خلال المعتمد البريطانى بسعد زغلول والوفد المصرى يطلبون السفر لمؤتمر الصلح فى باريس لعرض قضية استقلال مصر التى أعلن فيها الأحكام العرفية وقتها ومنع السفر مع تدويل القضية عقب 48 ساعة فقط من إعلان الهدنة مما عكس وعيا شديدا جدا لدى المصريين، وهو ما رفضه المعتمد مبررا أنهم لا يمثلون سوى أنفسهم.


هل انحصر الوعى بالقضية المصرية عند النخبة أم كان وعيًا جمعيًا بالقضية ؟
الوعى ينتقل من النخبة إلى الشعب وهو ما ثبت خلال مراحل الثورة فبعد رفض المعتمد بحجة أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم بدأت فكرة توقيع عشرات الآلاف من توكيلات الشعب لصالح الزعيم سعد زغلول ورفاقه لتمثيل مصر فى مؤتمر الصلح وهو ما عكس وعى الشعب كله بالقضية المصرية وعند نفى الوفد فى 8 مارس حرك الوعى الجمعى الشباب واندلعت الثورة صباح 9 مارس بمظاهرات حاشدة فى وسط البلد.

 بدأت الثورة سلمية ما الذى حول دفة الأحداث ؟
فى البداية تصورت بريطانيا أنها موجات غضب يمكن قمعها بسهولة فحاولت بالطرق العادية ففشلت فاستخدمت الرصاص الحى وهنا تحولت الأحداث لأن طبيعة المصرى حين يصل الأمر لإراقة الدماء ينفجر الأمر أكثر ولا يهدأ ويتحول لثأر وهو الطابع الذى أكدته معارك أهالى أسيوط بالبنادق الخفيفة أمام المدفعية الإنجليزية مكبدين الجيش الإنجليزى خسائر طائلة وكذلك فى الفيوم من خلال عرب الباسل الذين شاركوا فى الثورة وواجهوا التعديات بعنف وحزم وقطع الأهالى فى أغلب المحافظات خطوط السكك الحديدية لمنع هروب الجنود وقطع الإمداد لهم، وظهرت فكرة التنظيم السرى للفدائيين لضرب القوات الإنجليزية المتمركزة فى قناة السويس ردًا على استخدام الإنجليز للسلاح بكثرة.

 هل ثورة 1919 نقطة انطلاق تغيرات مجتمعية فى مصر؟
خلال أحداث الثورة وقع العديد من المواقف لأول مرة فى تاريخ مصر وكانت نقطة البداية الحقيقية فكانت أعلى مراحل المواطنة بأن تؤمن جميع الفئات والأطياف بقضية واحدة ويشاركوا فى إنجاحها من الدلتا للصعيد بنفس الدرجة، ولأول مرة يدخل قمص للأزهر ويخطب من هناك فوقف القمص سرجيوس سرجيوس على منبر الأزهر يعظ الجمهور ويقود المظاهرات فى ميدان الأوبرا، وكذلك دخل الشيخ مصطفى القاياتى للكنيسة القبطية فى كلوت بك بالأزبكية وقاد المظاهرات من هناك وبعد منع المظاهرات ظهرت مرونة المصريين ومقاومتهم بالحيلة فابتكروا المظاهرات الجنائزية والجمهوريات المستقلة التى كانت أشهرها زفتى وكذلك خروج النساء لأول مرة فى مظاهرات كاشفة وجهها وهو ما نتج عنه الاتحاد النسائى المصرى فى 1923 الذى قادته هدى شعراوى واستر ويصا واصف، وكذلك على مستوى نقل المعلومات طور المصريون من إمكانياتهم فابتكروا الحبر السرى لنقل المعلومات فيما بينهم أو للوفد المصرى بالكتابة بماء البصل على غلاف الكتب وتبادل الكتب فيكوى الطرف الآخر الغلاف فيظهر الكلام، لذلك كانت الثورة نقطة تغير مجتمعى مهمة ومتعددة على كافة الأصعدة.

كيف جاءت فكرة الجمهوريات المستقلة مثل زفتى وما وقعها على بريطانيا؟
تصورت بريطانيا فى البداية أن هناك نفوذا سوفيتيا شيوعيا ولم تتخيل أن يكون المستوى الثقافى عندما يطلق عليهم «الأفندية» وشباب الأقاليم مرتفعا لدرجة الوصول لفكرة الاستقلال الذاتى بعد استقالة الوزارة المصرية احتجاجا على عدم موافقتهم على رفع الحماية واستقلال مصر، فوجد أشبه ما يكون بالعصيان المدنى وفراغ فى السلطة وبالتالى وجد أهالى زفتى أنفسهم دون حكومة من جهة والمظاهرات مشتعلة من جهة أخرى فجاءت فكرة الإدارة الذاتية لحين نجاح الثورة وتسليم البلاد لحكومة مصرية وهو ما حدث فى زفتى وفى إحدى قرى المنيا أيضا.

 كيف تعاملت بريطانيا مع تصاعد الأحداث وهل استمرت فى مؤامراتها ؟

مع اشتعال الأحداث كانت بريطانيا والعالم أجمع فى صدمة مما يحدث فى مصر خاصة أنه بدأ بعد أقل من يومين من انتصار بريطانيا فحاولت تهدئة الأوضاع من خلال لجنة ملنر لإجراء تحقيق رسمى فيما حدث ولكنها فوجئت مرة أخرى برد فعل المصريين الذين قاطعوا اللجنة وأعلنوا أنه إذا أرادت أن تعرف رأى المصريين عليهم السفر لسعد زغلول ورفاقه فى المنفى لمعرفته، فاضطرت بريطانيا أن ترضخ لرغبات المصريين وأن توافق على سفر الوفد لمؤتمر الصلح، وبعد العودة حاولوا الدخول فى مفاوضات مع الزعيم الراحل سعد زغلول وعدلى يكن فأصر المصريون على الاستقلال التام، فى حين رفضت بريطانيا فأصدرت تصريح 28 فبراير 1922 من طرف واحد والذى نص على استقلال مصر مع تحفظات أربعة وبقى المصريون على موقفهم بالاستقلال التام حتى 1956.

هل نجحت ثورة 1919 فى تحقيق أهدافها؟
الثورة حققت أقصى نجاح ممكن فى إطار ظروف العصر فلم يكن من الممكن أن تحقق المزيد فى ظل نهاية حرب عالمية أولى وخروج بريطانيا منتصرة منها فتم إلغاء الحماية البريطانية على مصر وإعلان الاستقلال والمملكة المصرية ثم إصدار دستور 1923 الذى نص فى بند متقدم - حينذاك - أن حرية العقيدة مطلقة، ومع نقاش تمثيل الأقليات فيه رفض الأقباط أن تكون لهم «كوتة» بل أن تكون الانتخابات للأفضل وفى النهاية استطاعت الثورة أن تعلى قيمة القومية المصرية وأن تظهرنا كدولة مستقلة وأن مصر دولة غير تابعة فضلا عن حدوث نهضة فكرية وثقافية وسياسية.

 إلى أى مدى نجحت الثورة خارج المحيط المصرى ؟
أثرت ثورة 1919 فى العديد من الدول العربية فثارت شعوبها ضد الاحتلال، فثارت العراق ضد بريطانيا 1920، وثورة على عبد اللطيف بالسودان عام 1924، وثورة 1925 فى سوريا ضد فرنسا.

 فى النهاية يمكن القول إنه لولا ثورة 1919 ما كان استقلال مصر حقيقة معاشة الآن؟
نعم لولا هذه الثورة وأحداثها كان من المرشح جدًا بقاء الحماية البريطانية وأن تضم مصر إلى المستعمرات الإنجليزية.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة