عمرو الخياط
عمرو الخياط


عمرو الخياط يكتب: دستورية تعديل الدستور

عمرو الخياط

الجمعة، 22 مارس 2019 - 09:46 م

‎يقال في تعريف الدستور إنه القانون الأعلى في الدولة،بل إنه القانون الأساسي الذي يحدد شكل الدولة ويضع الإطار القانوني لسلطاتها، ويحدد اختصاصاتها وطبيعة العلاقة فيما بينها من ناحية وعلاقتها بالمواطن من ناحية أخري.. 

‎بالمفهوم العلمي فإن الدستور هو الإطار القانوني المحدد والمنضبط للعقد الاجتماعي.. ‎الدساتير وضعت أساسا لتكون ثابتة لكن ثباتها مرتبط بقدرتها علي أن تظل انعكاسا للأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تفرزها أطراف العقد الاجتماعي خلال ممارستها لبنود هذا العقد، وبالتالي فإن التغيرات الحادة في هذه الظروف تجعل من الوثيقة الدستورية نصا جامدا منفصلا عن واقعه.. 

‎انظر لما شهدته الدولة المصرية من تغيرات حادة منذ نهاية يناير ٢٠١١ والتي تلاها تعطيل العمل بالدستور ثم إعلانات دستورية متعددة ثم إقرار دستور جديد وصولا إلي تعطيله عشية الثالث من يوليو ٢٠١٣ بعد ثورة ٣٠ يونيو، ثم التوافق علي دستور الضرورة عام ٢٠١٤ في ظل أزمة حادة وموجة إرهابية تهاجم الدولة المصرية وضغوط دولية حادة تصل إلي حد القطيعة.

‎دستور ٢٠١٤ ولد ليكون مؤقتا، ولد من أجل عملية إنقاذ الدولة وليس من أجل إدارتها إدارة كاملة.. ‎دستور ٢٠١٤ ولد تحت التهديد، ولد لإدارة شبه دولة.الآن دولة ٣٠ يونيو يحق لها أن تضع دستورا يليق بحجم عظمتها.

‎إذن القاعدة القانونية العلمية تقول إن الدستور يجب أن يكون انعكاسا لظروفه المحيطة به، كما أنه يجب أن يكون قادرًا علي تعديل ذاته بتغير هذه الظروف بما يحفظ للدستور سمو مكانته.

‎فإذا اتفقنا علي  حجم التغيرات الحادة التي شهدتها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية فإننا نكون بصدد اتفاق ضمني علي وجوب التعديل.

‎أما إذا لم يتم الاتفاق وادعي البعض أن الدولة المصرية كانت مستقرة آمنة مطمئنة، فإن المدعين بذلك عليهم أن يعلنوا مايلي:
انهم لا يعترفون بثورتي يناير و٣٠ يونيو  وبالتالي لا يعترفون بما أحدثته الثورات من تغييرات حادة.
إن الدولة استقرت بفعل القوات المسلحة المصرية التي حفظتها.
إن السيسي نجح في تحقيق حالة استقرار وأن لديه مشروعا يستلزم استكماله.
‎بخلاف هذه الخيارات فإننا نكون أمام مجموعات تعاني حالة هلاوس سياسية أو لا تعي معني ومغزي الدستور أو إنها غير معنية أساسا بما تمر به الدولة من معركة وجود.

ما إن انطلق الحوار حول مقترحات تعديل الدستور التي قدمها نواب منتخبون إلا وقابله دعوات الرفض التي ساقت مبررات مختلفة ومدهشة والتي بتحليلها يمكن الوصول إلي الاحتمالات التالية:
البعض ذهب إلي المجاهرة بأن الدستور الحالي لم يتم تطبيقه فعلا وبرغم ذلك منح نفسه الحكم بأنه مناسب ولا يستلزم أي تغيير.
البعض الآخر ذهب يؤكد أن الدستور الحالي مناسب دون أن يعترف بما تضمنه من صيانة للحقوق والحريات، أو بقدرته علي ضبط أداء السلطة الحاكمة، التي لا يكف عن انتقادها.
فصيل ثالث تجاهل متعمدا وجود نص دستوري حالي يجيز التعديل ويضع ضوابط له.
مجموعة أخري اعترفت بإمكانية التعديل المشروط بمزيد من الضمانات وفقا لنص المادة 226 دون أن تذكر ما الضمانات المطلوبة.
فصيل خامس اتجه للرفض المطلق دون أن يقدم رسالة مقنعة للرفض وتبني خطابا ثوريا وليس قانونيا.
وسادس يتجاهل أن إتمام التعديل أو عدم إتمامه لن يمنع من إجراء انتخابات رئاسية عام ٢٠٢٢ يمكن خلالها تجاوز أي خلاف إذا ما وجد منافسون أقوياء بفرض إننا أمام حالة من توازن القوي وليس أمام دعوة حثيثة لسحب الدولة إلي حالة من توازن الضعف اللانهائي.
‎فلنتفق إذن أن طرح مقترح لتعديل بعض مواد الدستور يرتكز أساسا علي قاعدة دستورية منصوص عليها في الدستور المطلوب تعديله، والقول بخلاف ذلك هو تجاهل لنص صريح أو عدم فهمه أو تعمد التضليل به.
‎أيضا نحن أمام عملية تعديل لن تتم ولن تكتسب الشرعية إلا من خلال عملية اقتراع سري حر ومباشر وبإشراف قضائي كامل.

‎إذن الدعوات للمقاطعة لا يمكن تفسيرها إلا من خلال ما يلي:
استهانة بالإرادة الشعبية. 
ضعف مجموعات المقاطعة وعدم قدرتها علي التأثير الحاسم.
الاستعلاء علي الإرادة الشعبية وتصور دعاة المقاطعة أن مستوي إدراكهم للحدث يفوق مستوي إدراك عموم الناخبين، فعلوا ذلك من قبل وسلموا الدولة لتنظيم الإخوان الإرهابي.
المصادرة علي الحق العام في ممارسة العمل السياسي.
عدم وجود مشروع حقيقي للمعارضة التي تفتقد القدرة علي أن تكون قيمة مضافة في البنيان السياسي للدولة.

‎دستور ٢٠١٤ وضعته لجنة الخمسين المعين أعضاؤها،بذلوا قصاري جهدهم من أجل وضع قاعدة إنقاذ سريعة ترتكز عليها حركة الدولة التي كانت محاصرة داخليا بالإرهاب وخارجيا بدعوات المقاطعة، وضع الدستور في وجود رئيس مؤقت قبل بالمنصب من أجل استكمال الإطار القانوني للدولة وتطويع المد الثوري تحت طائلة القانون والدستور.

‎دستور ٢٠١٤ وضع في مرحلة انتقالية وفِي ظرف استثنائي، عموم الحالة فرضت عليه الصفة المؤقتة التي كان لابد من تقنينها، وضع هذا الدستور لإنقاذ الدولة وحفظ وجودها، الآن الدولة يحق لها أن تصنع بإرادتها الشعبية دستور الإدارة والبناء مرتكزا علي قاعدة الاستقرار  القانونية التي ستفرض نفسها علي الجميع وفِي مقدمتهم رئيس الدولة.

‎مقترح تعديل الدستور تقدم به نواب منتخبون وبالتالي فإن عملية التعديل ترتكز أساسا علي الإرادة الشعبية المنتخبة وليست المعينة، ولن يتم إقرارها إلا استنادا إلي إرادة شعبية للناخبين.

‎ليس هناك من ضمن مفردات السياسة ممارسة منظمة تهدف أساسا للمصادرة علي الإرادة الشعبية، ترشح السيسي للحكم جاء استجابة لصوت هذه الإرادة بعنوان صادح » انزل يا سيسي»‬ ثم كللت قانونية النزول بالاحتكام إلي الإرادة الشعبية التي اجتمعت في صناديق الاقتراع.

‎عاود الرجل ترشحه مرة أخرى فاجتمعت الإرادة الشعبية في لقائها الثاني داخل الصناديق.
‎إذن القاعدة الثابتة هي الاحتكام الدائم للإرادة الشعبية ما عدا ذلك هو مؤقت واستثنائي.
‎ليس هناك من يحق له احتكار هذه الإرادة أو تقويضها أو الاستعلاء عليها أو تضليلها بالشعارات أو اللعب بآلامها.
‎لا يمكن أن تظل الإرادة الشعبية رهينة لمجموعات تعتقد طول الوقت أنها تدرك ما لاتريد ولكنها تظل غير مدركة لما تريد.
‎الإرادات الشعبية الجمعية لا يمكن قيادتها نحو المجهول لكن يمكن جدا إقناعها بمشروع سياسي واضح وواقعي يحقق الحد الأدنى من طموحاتها وآمالها.
‎من لا يستطيع تحقيق الأمل عليه التوقف فورا عن استخدام الألم.

‎إذا تحدثنا مباشرة عن المادة المقترح تعديلها لترسيخ دور الجيش في حفظ وحماية مدنية الدولة فإننا نكون بصدد إقرار لواقع وليس استحداثا لوضع جديد.
‎الجيش المصري هو قاعدة حفظ وجود الدولة ثم قاعدة حفظ هويتها المصرية المدنية.

المادة المراد تعديلها هي إقرار دستوري لما وقر أساسا في الضمير العام للقوات المسلحة المصرية التي لم تسمح يوما بأن يكون للطائفية أو للأيديولوجية مكان بين صفوفها، فقط تحتكم لإرادة الشعب المصري ولا تنحاز إلا إلي حماية أمنه القومي.

في يناير ٢٠١١ نزلت القوات المسلحة استجابة لإرادة الشعب ووضعت الإرادة موضع التنفيذ العملي، وفِي العام ٢٠١٢ سلمت السلطة لرئيس منتخب انقلب علي هذه الإرادة وسلم مصيرها لتنظيم عصابي، وقتها عاد الجيش للمشهد ليعيد الإرادة إلي ملاكها من أبناء الشعب المصري، ثم احتكم الجميع إلي صناديق الاقتراع.

نقول لن يكتسب مقترح التعديل شرعيته إلا استنادا للإرادة الشعبية التي ستقره بأصواتها أو سترفضه بنفس الأصوات.

وبذلك يكون أمام جماعات الرفض فرصة لإثبات قوة وتأثير كتلتها النسبية التي لا ينبغي إلا أن تكون جزءا من الإرادة الشعبية وتعبيرا حقيقيا عنها. 

فإذا فرضنا أنها نجحت في قيادة مقنعة  لتلك الإرادة نحو الرفض فإن ذلك لا بد أن يكون بداية لمشروع حقيقي قادر  علي إعادة التعبير عن ذاته بمرشح جاهز لاستكمال المسيرة وقيادة الجماهير من خلال الانتخابات التي ستجري عام ٢٠٢٢، عليه أن يبدأ في تعريف جمهوره بنفسه من الآن وليطل علينا بمشروعه الوطني وبرسالته الاقناعية.

‎أما إذا صوتت الإرادة الشعبية بالموافقة فإن ذلك لا بد  أن يكون دافعا لأصحاب مشروع الرفض لمواصلة مشروعهم النضالي إذا كانوا جادين في نضالهم ولا يمارسون السياسة الموسمية.

‎في حالة الموافقة سيكون أمامهم واقع لابد من التعامل معه وتحقيق أكبر مكاسب منه من خلال كوادرهم النسائية للدفع بها إلي البرلمان الذي أصبح محكوما بحصة دستورية محجوزة للمرأة المصرية، كما أن عليهم تجهيز كوادرهم الشبابية للمزاحمة علي مقاعد البرلمان، بهذه الكيفية فقط يمكن أن نكون أمام ممارسة سياسية جادة لا تستمد شرعيتها إلا من الإرادة الشعبية.

‎في مواجهة المقترح بعودة مجلس الشوري بمسمي مجلس الشيوخ فإننا نكون بصدد حكمة سياسية من عودته  ربما تتمثل في الآتي:
إحكام الرقابة الذاتية علي عمل السلطة التشريعية. 
إضافة مجمع خبرات للدولة.
إتاحة المجال للقوي السياسية للتواجد المشروع في المؤسسات السياسية.
فتح المناخ السياسي أمام تنافسية متعددة منشغلة طوال الوقت برضاء الناخب الذي يمثل الوحدة الرئيسية لمجموع الإرادة الشعبية.

‎مسمي مجلس الشيوخ ذو مغزي عميق الهدف منه تمكين الخبرات والكوادر من المشاركة الجادة في صياغة أفكار وأحلام، مجلس الشيوخ يمكنه أن يكون مصنع أفكار مدهشة ينتج أفكارا تثري عقلية الدولة.

‎سيشمل التعديل المقترح المادة 160 ليتيح تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، التعديل لم يحدد العدد الذي حتما سيفرضه تنوع المهام والاختصاصات وقدرة الكوادر علي صياغة مشروعاتها وأفكارها في نماذج واقعية قابلة للتطبيق العملي. 
‎المقترح بتعيين نائب أو أكثر ينطوي علي المكاسب التالية:
الدفع بالكوادر المؤهلة إلي سدة المسئولية الرسمية.
توزيع اختصاصات وسلطات الرئيس.
إحاطة الرئيس بمجلس استشاري معلن.
إحياء الأمل في الكوادر المؤهلة لان تحجز دورها في الممارسة السياسية.

‎ماذا لو اجتمعت المعارضة علي الدفع بشخصية مؤهلة لتكون نائبا للرئيس لشئون المعارضة وحقوق الإنسان والحريات ؟، لا شيء يمنع ذلك إلا عدم وجود كوادر، أو وجود كوادر عازفة عن مواجهة المسئولية التي حتما ستكون مصحوبة بالمساءلة.

‎نحن أمام ممارسة دستورية حقيقية ترتكز علي قاعدة ثابتة وهي الاحتكام للإرادة الشعبية التي تستطيع التعبير عن نفسها في أي وقت وبالكيفية التي تراها.

‎تلك الإرادة الشعبية قادرة علي التجدد ذاتيا لكنها طوال الوقت تظل آمنة وحرة استنادا إلي ارتكازها علي قاعدة وطنية القوات المسلحة التي تحميها طوال الوقت وتنزل علي رغبتها دون مساومة.

‎حتى العمل الثوري لا تتحقق نتائجه النبيلة إلا إذا كانت لديه رؤية لصياغة أفكاره في إطار دستوري وقانوني وإلا تحول إلي حالة من الفوضى الرافضة للانضواء تحت مظلة الدولة.

المقترح الدستوري لن يتحول إلي واقع بالرفض أو القبول إلا بتوقيع الإرادة الشعبية، فليتجه الجميع إلي الصناديق التي ستقول كلمة هذه الإرادة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة