فيضان من «البيرة» في لندن.. وآخر من «العسل» في بوسطن
فيضان من «البيرة» في لندن.. وآخر من «العسل» في بوسطن


حكايات| فيضان من «البيرة» في لندن.. وآخر من «العسل» في بوسطن

أحمد الشريف

الأحد، 24 مارس 2019 - 05:39 م

 

تاريخ مليء بضحايا التهمتهم مياه الفيضانات وهضمت في بطنها الملايين من البشر، ولا يمر يوم إلا أمواج يغرق فيها الآلاف، فعلى سبيل المثال فيضان الصين عام 1931، تسبب بمفرده في تشريد أكثر من 28 مليون شخص وقتل 4 ملايين آخرين.

 

وليس غريبا أن يغرق البشر في فيضانات من المياه، بل وليس غريبا أيضا أن يغرق البعض في أحزانه وفيض من الأفكار، لكن أن يكون هناك فيضان من البيرة وأخر من العسل، فهذا لا يحدث كل يوم، فالأول حدث بالفعل منذ 200 عام في لندن، والآخر وقع في بوسطن الأمريكية منذ 100 عام، وكلاهما خلف ورائه كارثة إنسانية وعشرات من الضحايا.  

 

فيضان البيرة


في شهر أكتوبر من عام 1814، وقع فيضان بيرة لندن وبالتحديد في دائرة «سانت جايلز»، وكان ضحيته 8 أشخاص، وأُصيب جراءه عدد كبير أيضا، بعد أن غرقت شوارع الدائرة في أكثر من مليون ونصف المليون لتر من البيرة.

 

 

البداية كانت في مصنع «ميوكس» للبيرة والموجود على طريق محكمة «توتنهام»، حيث كان يمتلك مصنع البيرة هذا أكبر خزان تخمير في مدينة لندن بأكملها، بارتفاع 6.8 أمتار تقريبا وعرض 227 مترا، وبسعة تخزين قُدرت في وقتها بـ 511 ألف لترا، وتم ربط الخزان بـ29 حزاما معدنيا ملفوفا حول وسطه مما ساعد على الحفاظ على شكل الخزانات الدائري.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| تحريم القهوة.. قاطفها وطابخها وشاربها في النار

 

وعند الساعة الرابعة والنصف مساء من يوم 17 أكتوبر1814، كان مسئول الصيانة والتخزين بالمصنع «جورج كريك»، يقوم بجولته التفقدية المعتادة لبراميل التخزين العملاقة المصنوعة من الخشب والمطوقة بالحديد الصلب، وخلال تلك الفترة، كانت هذه البراميل العملاقة مليئة بالبيرة السوداء التي كانت في طور التخمر منذ أكثر من 10 أشهر.

 

ولاحظ «كريك» مشكلة بأحد براميل التخزين، حيث كان أحدها يعاني من تشققات في طوقه الحديدي، ولكنه لم يعر الأمر أي اهتمام فبالنسبة له كان شيئا عاديا، وبدل من أن يخبر لجنة الصيانة ويحذر جميع المتواجدين بالمكان، فضل انتظار حلول اليوم التالي للقيام بذلك. 

 

 

الانفجار المُسكر

 

لم يمر سوى ساعة واحدة على تلك الجولة التفقدية، حتى سمع «كريك» انفجارا رهيبا بغرفة التخزين، حيث انفجر برميل التخزين الذي كان يعاني من تشقق، ليلقي ما قدره 500 ألف لتر من البيرة السوداء في المناطق المحيطة به، ما تسبب في تخريب عدد من براميل التخزين القريبة ليؤدي كل ذلك إلى تسرب ما قدره مليون و500 ألف لتر من البيرة بالمناطق المحيطة بالمخزن.

 

ولوهلة شهدت المنطقة ظهور موجة هائلة من الجعة السوداء بلغ طولها 15 قدما، وغرقت نسبة كبيرة من منطقة سانت جيلز بلندن تحت سيول من البيرة، وذلك حسب تقديرات مسئولي مدينة لندن.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| قصة حقيقية.. فضائيون هبطوا الأرض لممارسة الجنس

 

تدفقت مياه هذا الفيضان بشكل مباشر إلى وسط المنطقة وتحديدا إلى منطقة «سانت جايلز»، ودمرت في طريقها بعض المباني، كما جرت الناس معها في الشوارع، رافعة إياهم مع سيل البيرة الجارف الذي تسبب في وفاة ثمانية أشخاص، الأول لقي حتفه بعد أن سقط عليه سقف فندق «تافيستوك أرمس» الذي تضرر من الطوفان، والبقية كانت شابة صغيرة وصديقتها اللتان كانتا تشربان الشاي خارج المنزل فجرفهما الطوفان مع كاسات الشاي إلى حتفهما، والخمسة الآخرين قتلوا إثر انهيار مبنى كانوا يعملون فيه.

 

 

عشاق البيرة

 

عشاق البيرة خرجوا من كل حدب وصوب وفي أيديهم الأواني والكؤوس يحاولون الاستفادة من الكارثة وملأ أوانيهم بالبيرة التي أغرقت الشوارع، ما أدى إلى صعوبة وصول فرق الإنقاذ إلى الأشخاص الذين جرفهم الطوفان، مما أدى لوفاة بعضهم رغم أنه كان ممكنا إنقاذهم.

 

 

 

انهيار المنازل وغرق الضحايا لم تكن الكوارث الوحيدة بل تسبب هذا الفيضان في تسمم الكثير بالكحول، حيث توافد المصابون على مستشفيات المدن المجاورة لتلقي العلاج. ونتيجة لهذه الحادثة، انتبه خبراء صناعة البيرة إلى أن التخزين في مثل تلك الصناديق الخشبية غير آمن، واتجهوا فيما بعد لتخزينها في الخزانات الخراسانية.

 

رائحة البيرة، ظلت عالقة في الشوارع لعدة أسابيع بعد الواقعة، واستمرت فترة تنظيف الشوارع لمدة طويلة، وتم إزالة الأنقاض ولكن أخذ ذلك وقت طويل في عملية إعادة الإعمار، والتقديرات أشارت – في حينها إلى أن قيمة خسائر مصنع البيرة جرّاء هذا الحادث وقدرتها بحوالي 23 ألف جنيه إسترليني، وتم تبرئة صاحب المصنع من كل القضايا التي رُفعت ضده، ورأى القاضي بأن تلك الفيضانات لم تكن سوى «مشيئة الرب»، ولم يكن بالإمكان منعها.


 

 

فيضان العسل الأسود

 

فيضان آخر كان أكثر غرابة من العسل الأسود والذي يعرف أيضا باسم «دبس السكر»، حيث أنه قبل نحو 100 عام اجتاحت موجة عاتية من العسل الأسود أحد أحياء مدينة بوسطن الأمريكية في عام 1919، وبالتحديد في حي «نورث إند» بمدينة بوسطن، وكان من بين المعالم المألوفة للحي خزانٌ هائل الحجم من الصلب، يحتوي على 8.7 مليون لتر من دبس السكر.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| أقبح قصة حب سجلها التاريخ.. وفاءً لحبيبته عاشر جثتها 7 سنوات

 

خزان العسل، كان يطل على ملعب للأطفال ومركزٍ للإطفاء فضلا عن مبان سكنية، وقد تم تصنيع هذا الخزان بشيء من العجلة، حيث كان يسرب قطرات من تلك المادة اللزجة السوداء من بين الوصلات المبرشَمة في هيكله، وكان أطفال المنطقة، يتوافدون لاختلاس بعض من السائل المتسرب، الذي كان بمثابة نعمة بالنسبة لهم، ولكن هذا أزعج أحد موظفي الشركة المالكة للخزان، وذلك وفق الكاتب ستيفن بوليو في كتابه «المد قاتم اللون». 

 

 

الانفجار اللزج

 

وفي يوم 15 يناير 1919، وما أن دقت الساعة الـ 12:40 ظهرا، حتى سمع أصواتٌ تشبه إطلاق نار من سلاح آلي، وأنينا معذبا على نحو مروع، لينفجر الخزان ويغرق شارع المدنية بالعسل الأسود وقد بلغ ارتفاعه 25 قدما، وقد دمرت هذه الموجة المباني، وجرفت معها البشر، وضربت خطاً للسكك الحديدية ذا مستوى مرتفعٍ عن سطح الأرض كان على مقربة، بقوة أدت إلى التوائه، ولم يجد أحد فرصة للهرب وأدى إلى مقتل 21 شخصا وجرح أكثر من 150 آخرين. حسب صحيفة بوسطن جلوب.

 

«بوسطن جلوب» وصفت الأمر في حينها أيضا بقولها: «بدت المباني وقد تداعت جدرانها كما لو كانت مصنوعةً من الورق المقوى.. وحمل تسونامي دبس السكر هذا بين طياته ألواح الصلب المقوسة التي كان يتكون منها جسم الخزان؛ لتحطم تلك الألواح كل ما يقف في طريقها».

 

 

مشاهد ما بعد الكارثة كانت لا توصف، حيث تراكمت كميات من دبس السكر في طرقات الحي، ليصل ارتفاعها إلى خصر الإنسان وتزايد سمكها ما اضطر الناس والحيوانات لبذل جهود مضنية للتحرر منها والتمكن من الحركة.

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة