الكاتب الصحفي عمرو الخياط
الكاتب الصحفي عمرو الخياط


عمرو الخياط يكتب| رجــال حــول الدســتور

عمرو الخياط

الجمعة، 29 مارس 2019 - 10:49 م

دعوة إلي الحوار المجتمعي على الملأ وجهها البرلمان المصري إلي جموع الأحزاب للمشاركة في مناقشات التعديلات الدستورية المقترحة، ربما كانت المرة الأولي التي يسمع فيها المصريون أسماء بعض الأحزاب التي تلقت دعوة.

جميع الأحزاب المدعوة نشأت واكتسبت صفتها القانونية من داخل دولاب الدولة وانطلقت نحو العمل السياسي وفقا لقواعد القانون والدستور وأصبحت في مواجهة جمهورها، عملية الوصول والتواصل مع الجمهور هي أهم مبادئ العمل الحزبي، من أجلها نشأت الأحزاب أساسا، فإذا عجزت عن ذلك فإنها تفقد المبرر الأساسي لوجودها.

ما قبل ٢٠١١ كان يمكن الحديث عن احتكارات سياسية امتدت حتى حكم الإخوان، لكن الحركة الكثيفة للمصريين منذ يناير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ خلقت زخما سياسيا وفتحت المجال علي مصراعيه بعد أن ثبت أن التواصل الجاد مع الجمهور من خلال معرفة حاجاته وإشباعاته هو السبيل الوحيد لإقناعه والحصول علي ثقته. 

العمل الحزبي أساسا هو عمل تراكمي يبدأ بتكوين فكرة والإخلاص لها ثم النضال من أجلها، لا يمكن أن يكون انتظارا لمنحة من الدولة كما لا يمكن أن يعتريه الملل في منتصف الطريق، فإذا ما حدث ذلك فإن من أصيب بالملل الحزبي عليه أن يعلن ذلك أو أن يعتزل لا أن يستمر في الاستمتاع بحالة المظلومية الحزبية بادعاء انسداد الأفق السياسي، لأن العمل الحزبي وظيفته فتح هذا الأفق، العمل الحزبي مجموعة أفكار لها أجنحة لا تمنعها الأسوار.

داخل أروقة الحوار تشابكت المناقشات لكن عموم الحالة كان عنوانها إعلاء قيمة الحوار، وأفرزت توصيفا ملامحه ما يلي:

إن عملية الحوار مع مؤسسات الدولة ممكنة ومتاحة.
إن من لديه أفكار قيمة يمكنه جدا عرضها وفرضها علي المنطق العام.
إن هناك أحزابا لديها أفكار يمكنها أن تكون قيمة مضافة للذهنية العامة للدولة.
إن هناك أحزابا غير معنية بالوضع العام ولا تُمارس حالة تفكير مستمرة وبالتالي لم تجد ما تقدمه.
أن هناك مجموعات منفصلة لا تنتمي لأي أحزاب قدمت أفكارا وجيهة وكشفت عن حالة حزبية عاجزة عن الوصول إلي الكوادر.
وجود بنية أساسية حزبية يمكنها جدا صناعة حياة سياسية تنافسية خارج الحوار، فإن الحالة كشفت عن أحزاب نوعية ليست إلا تعبيرا عن أطلال حالة ثورية خلفتها يناير.

صراحة هناك أحزاب رفضت المشاركة في الحوار والتفت حول بعضها البعض بعد أن تلبستها حالة متعمدة للخلط بين المعارضة وبين التحريض علي الدولة حتي أنها أقامت مؤتمرا لاستعراض أسباب رفضها ودعت إليه مراسلي BB»‬ البريطانية في الوقت الذي كانت جموع المصريين قد دعت فيه لمقاطعتها بعد أن تحولت لمنبر للتنظيم الإخواني الإرهابي. 

أحزاب الرفض رفضت التواصل مع الدولة وتحت سقف برلمانها بينما تواصلت مع من ترفض الدولة التواصل معه.

بين الرافض والمرفوض حاولت تلك الأحزاب حصار الدولة واللعب علي أوتار وضع اقتصادي تعلم جيدا أنه حالة علاجية طويلة المدى يتحمل آلامها رئيس منتخب وشعب عظيم قررا إيقاف المسكنات التي أنهكت جسد الدولة بلا علاج.

أحزاب وجماعات المعارضة والتحريض ارتكزت علي قاعدة المصادرة علي المطلوب قبل طلبه، حولت الدعوة للحوار من حالة قانونية إلي حالة ثورية مستهلكة نفد رصيدها لدي المصريين بعد أن كادت تلقي بالدولة إلي التهلكة، إلا أن نفس الوجوه بنفس الشعارات لا زالت تطل علينا بنفس الدعوات خارج سياقها الزمني كما لو كانت مستمتعة بممارسة السياسة التراثية.

وبرغم مؤتمرها المعلن إلا أنها لم تنته إلي قرار بالدعوة إلي المشاركة في الاستفتاء أو مقاطعته، كما أنها لم ترسم سيناريوهات المسيرة الدستورية، فإذا تم التصويت بالرفض ماذَا هي فاعلة في الانتخابات الرئاسية المستحقة عام ٢٠٢٢؟ ومن هو مرشحها؟، وإذا ما تمت الموافقة فكيف ستستكمل مبرر وجودها ؟، وهل شغلت بالها بتحليل مضمون المدلول السياسي للأصوات المشاركة نوعيا وجغرافيا أو للأصوات الباطلة؟، هل تشغل بالها ببناء مشروع سياسي علي قاعدة إفرازات عملية التصويت؟.

في الأصل تتمثل أهمية المعارضة في أنها تفرض رقابة علي حركة وأداء النظام القائم، تضغط عليه ضغوطا تدفعه نحو الحركة في مسارات صالح ومصالح المواطن، في الأصل تمثل المعارضة تعبيرا عن قدرة الدولة علي صياغة اختلافاتها وتعدديتها في كيانات قانونية ومشروعة.

نقول: إن ضغوط المعارضة علي أنظمة الحكم يجب أن تكون ضغوطا محركة لتلك الأنظمة وليست ضغوطا معوقة.

في الأصل فان أهداف المعارضة هي ملء مساحات غياب الدولة وليس تفريغ مساحات ارتكاز الدولة، التفريغ السياسي لن يكون إلا لصالح جماعات خارج سياق الأمن القومي المصري.

إذا ما افترضنا أن الرافضين للتعديلات الدستورية جملة أو تفصيلا، والداعين لمقاطعة الحوار الدستوري يقفون علي أرضية مشتركة فإننا نكون بصدد مولد مشروع سياسي لم يكن ليولد إلا كنتيجة لحركة نفذتها الدولة في مسارات مشروعة فأتاحت مواقف معارضة مشروعة.

نقول: إن ما حدث يمكن جدا إنضاجه سياسيا لصالح فكرة الدولة وليس من أجل إشغال الدولة وإثقال كاهلها بحالة سخط لا تنتهي.

بقصد أو بدون قصد فإن الدولة ألقت بالكرة الدستورية في منتصف ملعب الأحزاب والمعارضة، اللعب هنا له قواعد تبدأ بأن تكون أطرافه محددة ولديها تكتيكات وأهداف واضحة وفي ظل إصرار واضح من كل طرف علي تحقيق الفوز المعلن.

لكن قواعد اللعب المشروع تفرض أن تتم تفاصيله داخل ملعب الدولة، فإذا ما أطلقت الدولة صافرتها القانونية لمن يصر علي اللعب خارج حدود بساطها الأخضر فلا يمكن أن يقال إن الدولة هنا تعيق اللعب والتمرير القانوني.. ما بين المعارضة والنظام لا يمكن أن يتم إلا ارتكازا علي قاعدة قانونية تفرض نفسها علي الجميع.

أتخيل أن الحوار الدائر حول الدستور ومقترحات تعديله قد أفرز بالفعل حالة رغبة حقيقية في التواصل بين أطراف المعارضة بعضهم البعض، وما بينهم وبين الدولة، وما بينهم وبين قواعد جماهيرية تبحث عن قوالب قانونية تصيغ داخلها أفكارها وممارساتها السياسية.

المعارضة مشروع حقيقي له مسارات محددة وليست حالة إعلامية استعراضية أو حالة مزاجية تعيد تدوير آلام المواطن.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة