صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


لمن يهدى الأدباء كتبهم؟!

بركسام رمضان

الخميس، 04 أبريل 2019 - 02:13 ص

بعيداً عن مسألة الكرم والبخل، يبدو مسلك الأدباء في إهداء كتبهم أمراً محيراً وموضوعاً طريفاً يستحق التأمل، ويثير التساؤلات التي تبحث دائماً عن إجابات ومنها: لماذا يحرص كثير من الأدباء على إهداء نصوصهم وإبداعاتهم إلى شخصيات وكيانات؟، وما الفلسفة ومعايير الاختيار؟، بينما يحجم آخرون عن ذلك، وما الأسباب؟، ولماذا يكثر بعضهم من إهداء نسخ مجانية من مؤلفاتهم إلى معارفهم وأصدقائهم وأقربائهم؟، فى حين يقتصر البعض الآخر على إهداء نسخ إلى النقاد والإعلاميين؟


 في البداية يقول الأديب الكبير د. نبيل فاروق: "المسألة تأتي بظروفها، فمثلاً لأن العام الحالى وافق اليوبيل الذهبي لمعرض الكتاب، فكل إصداراتي الجديد أهديتها إلى أصدقائى، بحيث أهديت الكتاب المناسب إلى الصديق المناسب، فمثلاً لدى رواية عنوانها «رؤى» أهديتها إلى العالم الجليل د. أسامة الأزهرى، لأن برنامجه يحمل نفس الاسم، وقد استأذنته فى استخدام عنوان برنامجه كاسم لروايتي، أما الوزير تركى آل شيخ فقد طلب منى رواية لتحويلها إلى «فيلم»، وحالت ظروف دون ذلك، وعندما طبعت الرواية فى كتاب أهديته له، أما أحدث أعداد سلسلة «رجل المستحيل» فقد أهديته إلى رجل المستحيل نفسه، ويضيف د. نبيل فاروق بقوله وعادة ما أكتب ما أشعر به فى لحظتها ولا أتقيد بصيغة معينة، وليست كل كتبى تحمل إهداءات فى الصدارة، أما بالنسبة لمن أرسل اليهم نسخ كتبى، أقوم بكتابة إهداء خاص بهم وعادة أكتب عبارة «مع خالص تحياتى».


أما المؤرخ الكبير ومحقق التراث الشهير د. أيمن فؤاد سيد فيقول: "عادة ما أترك كتابة الإهداء المطبوع للصدفة، فمثلاً أهديت ثلاثة فقط من  كتبي البالغة «٢٨» مؤلفا فكتابي الدولة الفاطمية أهديته الي الرواد الاوائل فى الدراسات الفاطمية وكتاب رسالة الدكتوراة أهديته إلى زوجتي وبناتى، لأنهن ساعدننى كثيرا، والكتاب الثالث (التراث العربى المخطوط) أهديته إلى المرحوم والدي".


شخصيات في الذاكرة


في حين تقول الأديبة المتميزة هالة البدري: "أنا حريصة على أن أكتب إهداء في صدارة كل كتاب أصدره، فعندي تصور لمن أهدي هذا الكتاب احياناً من قبل بداية الكتابة، وأحياناً بعد أن انتهى منها خاصة أنه أصبح لدى عدد كبير من المؤلفات وقد أهديت كتبى فى البداية إلى عدد كبير منهم، وأحياناً أهدى أعمالي إلى أفكار مجردة وفى البداية كنت أهدى الكتاب إلى شخصيات معينة، فمثلاً أحد كتبى أهديته إلى «الآتى أى المستقبل لدرجة أن بعض الناس تصوروا أننى أهديه إلى نفسي، وفى البداية أهديت كتابى إلى أمى، وأول رواية إلى أبى وكتبت فيها (إلى أبى الذي أطلقتني يداه إلى عالم رحب) وكانت رواية (السباحة في قمقم)، كما أهديت إلى زوجى كتابا ، ثم بعد ذلك كنت أقوم بتدوين شطر بيت من الشعر، وظللت لسنوات أكتب فى روايتى: إليك ثم أكتب بقية البيت، فمثلاً فى رواية «منتهى» كتبت: إليك فأنت والكتابة منتهاى»، وفى رواية «امرأة ما»  كتبت «إليك لا أكون إلا بك.. فحذفتها (الدار الناشر)، وقالت انه ليس عندهم تقليد إهداء الكتاب. أما الرواية الأخيرة (نساء فى بيتى) فتحمل إهداء نصه (إلى الأصابع التى تخمش راحة اليد زهوا أو ألماً» وكلما أكتب تختلف إهداءاتى، فهى جزء من عتبات النص وأصبح وعيي يزيد أكثر، فأصبح من المفيد أن أدقق فى اختياراتى، فمثلا كتابى «سحر الأمكنة» ــ وهو كتاب رحلات ــ أهديته إلى تامر وكريم وإنجى زوجة ابنى، على أساس ان العالم منفتح ورحب وأريد ان يأخذوا فكرة السفر وهم بالفعل يحبون السفر.


حالة خاصة جداً!


 ويعترف الأديب شريف صالح قائلاً: لا أحب كتابة الإهداءات وأهرب منها، لأنها تقيد تداول الكتاب، وتضع (المهدى) فى حرج إذا أحب التنازل عنه، أيضاً من الصعب علىّ كتابة سطور خارج النص، فالإهداء يتطلب كلاماً خاصاً له علاقة بمن توجهه إليه، فيحدث أننى لا أعرف ماذا يجب أن أقول، لذلك غالباً أكتفى  بجمل ثابتة، وأكررها، ويضيف: عموماً أنا لا أميل إلى التذكارات، لكننى أتفهم من يحبونها، لذلك أهدى كتبى عارية منها ، إلا إذا طلب منى كتابة شىء، وحفلات التوقيع باتت تجبرنى على القيام بذلكِ.


نوع من الخيانة!


وتقول الشاعرة د. شيرين العدوى: الإهداء عرف توافق عليه الكتاب حتى أصبح جزءاً من شكل الكتاب المطبوع، وأعتقد أن أى أهداء نكتبه بعيداً عن القارئ. نكون قد ارتكبنا خيانة للإبداع، ذلك لأن العملية الإبداعية فى الأساس موجهة إلى قارىء نجهل هويته ومكانه، من الممكن أن يقرأ عملى هذا قارئ بعد ألف عام، ويجد ما يسعده فيما كتبت، المشكلة أنني وأنا صغيرة كنت مولعة بهذا الإهداء كعتبة للنص فأهديت ديوانى الأول إلى الوطن، ثم كان الديوان الثانى الذى أهديته إلى أبى وأمى، وكان نوعاً من المصالحة لأبى الذي غضب لاستخدامى لقب العائلة دون أسمه.
 بينما تقول الأديبة سعاد سليمان: عادة ما أهتم بالإهداءات تعبيراً عن الامتنان لأشخاص كانوا أصحاب فضل لا ينكر أردت أن أخلد أسماءهم على صفحات كتبى، كى أظل أشعر أنا بهذا الامتنان، وبعض الإهداءات تكون تعبيراً عن التأثر بأديب قرأت له، ومن ثم أثر فى تكوينى الأدبى مثل «يوسف إدريس» ، والذى أهديت إليه مجموعتي القصصية «الراقص»، أما الإهداءات على الكتاب، أو فى حفلات التوقيع فلست مغرمة بها كثيراً.


وفى الختام تقول الأديبة د.سالى مجدي: "أعتقد أنه لا يوجد أديب لا يحب كتابة الإهداء فى مقدمة العمل، فبعد انتهاء ذلك الجهد من حق الأديب أن يهديه إلى شخص أو كيان، وعن نفسى فقد أهديت أعمالى المتتابعة أحدها إلى الله - تعالى - وآخر إلى نفسى وأمى وإلى ابنى وزوجى وإخوتى، إنها الصفحة الوحيدة فى العمل التي يطل فيها الأديب بشخصيته الحقيقية قبل أن يتقمص دور الأبطال".


 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة