المحكمة الدستورية العليا
المحكمة الدستورية العليا


الدستورية العليا: عدم دستورية الفقرة الثانية من المادة «6» بقانون الجنسية

أ ش أ

السبت، 06 أبريل 2019 - 05:00 م

قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (6) من القانون رقم 26 لعام 1975 بشأن الجنسية المصرية، فيما تضمنه من قصر الحق في اكتساب الجنسية المصرية بالنسبة للأولاد القصر على حالة اكتساب الأب الأجنبي لهذه الجنسية، دون حالة اكتساب الأم الأجنبية لها.

واستندت المحكمة في قرارها الصادر اليوم، على أن المشرع رتب على اكتساب الأب الأجنبي، الجنسية المصرية، اكتساب أولاده القصر هذه الجنسية عند اكتسابه لها، كأثر تبعي يترتب في حقهم. 

وقال المستشار رجب سليم نائب رئيس المحكمة الدستورية المتحدث الرسمي باسمها، في بيان اليوم، أن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 26 لسنة 1975 وتقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب عنه أوضحت ذلك بقوة القانون، وبشرط ألا تكون إقامتهم العادية في الخارج، وبقيت لهم جنسية أبيهم الأصلية طبقًا لقانونها. 

ولفت قرار المحكمة، إلى أن المشرع حرص على كفالة حق القصر في الاختيار بين جنسية أبيهم الأصلية والجنسية المصرية، ومنحهم الحق في أن يختاروا خلال سنة من تاريخ بلوغ سن الرشد جنسية أبيهم الأصلية، ولكنه لم يجعل ذلك وحده سببًا لزوال الجنسية المصرية عنهم، إذ قد يقرروا خلال المدة المحددة اختيار جنسية أبيهم الأصلية، ولكنهم لا يستردوها طبقًا لقانونها، فيصبحوا عديمي الجنسية، ولهذا ربط المشرع صراحة زوال الجنسية المصرية عنهم لا بتقرير اختيارهم جنسية أبيهم، وإنما باستردادهم فعلاً لهذه الجنسية طبقًا لقانونها.

وذكرت المحكمة أن الدستور حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة.

وأكدت المحكمة أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيا لضمان عدالة توزيعها، وحرص الدستور على التأكيد على مبدأ مساواة المرأة بالرجل، كأساس لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، كما ساوى بينهما طبقًا لنص المادة (6) منه في مجال منح الجنسية المصرية الأصلية للأبناء، فاعتبر الجنسية حقًا لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية.

كما جعل الدستور بمقتضى نص المادة (11) منه كفالة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، وحظر بموجب نص المادة (53) منه التمييز بينهما في مجال حقوقهم وحرياتهم، على أساس الجنس، معتبرًا التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، وألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وأوجب إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.

وأضافت المحكمة أن الدستور أوكل للمشرع بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (6) تحديد شروط اكتساب الجنسية المصرية، إلا أن ممارسة المشرع لسلطته التقديرية في هذا المجال يحدها القيد العام الذي ضمنه الدستور نص المادة (92) منه، والذي بمقتضاه لا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، بما لازمه وجوب التزام التنظيم الذي يقره المشرع بالمبادئ الضابطة لسلطته في هذا الشأن، والتي يُعد تحقيقها غاية كل تنظيم يسنه، وفي مقدمتها العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، خاصة بين المرأة والرجل في كافة الحقوق والحريات، والقضاء على كافة أشكال التمييز بينهما، فضلاً عن الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية واستقرارها باعتبارها أساس المجتمع، والذي جعله الدستور بمقتضى نص المادة (10) منه التزامًا على الدولة، والتي يتصادم معها جميعًا حرمان الأولاد القصر للأم الأجنبية من اكتساب الجنسية المصرية بقوة القانون، تبعًا لاكتسابها هذه الجنسية، اسوة بالأب الأجنبي الذي قرر المشرع بالنص المحال حق أولاده القصر في ذلك.

وذكرت المحكمة أن النص المطعون فيه قصر حق منح الجنسية على الأولاد القصر للأب الأجنبي دون الأم الأجنبية، متضمنًا تمييزًا تحكميًّا لا يستند إلى أسس موضوعية، ذلك أنه باعتباره الوسيلة التي اعتمدها المشرع لتنظيم موضوع اكتساب الأولاد القصر للأجانب المتجنسين بالجنسية المصرية لهذه الجنسية، يتناقض مع الأهداف التي رصدها الدستور، وأقام عليها بناء المجتمع ليقع النص المطعون فيه مخالفًا لنصوص المواد (4، 9، 10، 11، 53) منه، ويُعد مجاوزة من المشرع لنطاق السلطة التقديرية المقررة له بمقتضى نص المادة (92) من الدستور، فى مجال تنظيم الحقوق والحريات.

كما أن النص في الفقرة الثانية من المادة (9) من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الموقعة في كوبنهاجن.

وأكد حكم المحكمة الدستورية العليا، التزام الدولة بتعديل قوانينها الداخلية بما يتفق وتعهداتها الدولية الناشئة عن الاتفاقية ، إنفاذًا لمقتضى أحكام المادة (93) من الدستور التي تنص على أن "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التيى تُصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة"، وكذلك نص الفقرة الأولى من المادة (151) ليضحى تراخى المشرع في تعديل النص المطعون فيه بإنفاذ مقتضى نص الاتفاقية، في شأن أحقية الأولاد القصر للأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية في اكتساب هذه الجنسية تبعًا لأمهم، وبقوة القانون، أسوة بالأب الأجنبي الذي يكتسب الجنسية المصرية، إخلالاً من المشرع بالتزامه الدستوري المتقدم، بما يوقعه في حرمة مخالفـــة أحكـــام الدستور، ولا يقيله من هذه المخالفة النص في المادة (26) من القانون رقم 26 لسنة 1975 سالف الذكر على أن "يُعمل بأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالجنسية التي أبرمت بين مصر والدول الأجنبية، ولو خالفت أحكام هذا القانون".

وانتهت "الدستورية العليا" إلى أنه أن إنفاذ مقتضى الاتفاقية المشار إليها يستوجب تضمين القانون ما يكفل هذا الحق للأولاد القصر للأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية، وهو ما خلا منه النص المطعون فيه، ما يغدو معه هذا النص مصادمًا لأحكام الدستور على النحو المتقدم بيانه، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته في حدود النطاق المتقدم.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة