نتانياهو وبنى جانتس
نتانياهو وبنى جانتس


الانتخابات الإسرائيلية.. يومان على صراع البقاء

هالة العيسوي- محمد نعيم

الأحد، 07 أبريل 2019 - 12:31 ص

لعلها أصعب انتخابات تشهدها الدولة العبرية تلك التى تجرى الثلاثاء القادم 9 إبريل. ومع غياب القضايا التى اعتادت أن تشغل بال الجمهور الإسرائيلى وتدور حولها المنافسة كالنزاع العربى الإسرائيلى أو الأمن أو الاقتصاد والرفاه الاجتماعي؛ ظل السؤال الذى شغل بال المراقبين: علامَ إذاً تدور المعركة الانتخابية الحالية؟


الإجابة قد تبدو غريبة، نتانياهو نفسه هو لب الصراع، مصيره السياسى، بقاؤه على مقعد رئاسة الوزراء.. أم إزاحته بسبب قضايا الفساد التى تحيط به؟


فى هذا الملف الخاص نستعرض أهم جوانب الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الحادية والعشرين وأهم المؤثرات فى مجرياتها.

 

الاقتراع.. ليس نهاية المطاف


يوم الثلاثاء القادم يفترض أن يتوجه أكثر من ستة ملايين ناخب إسرائيلى (أصحاب حق الاقتراع) إلى الصناديق لاختيار الحزب الذى يفضلونه. فى تلك الانتخابات يتنافس 43 حزبا، لكن عدد من يتوقع لهم تجاوز نسبة الحسم 3٫25٪ لدخول الكنيست يتراوح بين 10-14 حزبا، اثنان منها فقط يتصدران المنافسة ويتقدمان كتفاً بكتف هما: «الليكود» اليمينى بزعامة بنيامين نتانياهو وتحالف «أزرق- ابيض» فى الوسط بزعامة بنى جانتس. من المتوقع ان يحصل كلا الحزبين على حوالي30 مقعدا من مقاعد الكنيست الـ120. فى الفترة الأخيرة حقق حزب جانتس تقدما طفيفاً على الليكود بفضل قضايا الفساد التى تنتظر نتانياهو بعد الانتخابات، وسمعة جانتس الأمنية ونجاحه فى الحملتين العسكريتين على غزة إبان رئاسته لأركان الجيش الإسرائيلى مما يفقد نتانياهو احتكاره للقب «مسترسيكيورتي». لكن الحزب بدأ فى التراجع البطىء خلال الأسبوع الأخير السابق للانتخابات بسبب الانجازات الخارجية التى حققها نتانياهو.


أياً كان الفائز منهما بأكبر عدد من المقاعد سيحتاج للتحالف مع أحزاب أصغر توفر له أغلبية النصف +1 أى 61 مقعداً على الأقل ليتمكن من اقتناص تكليف الرئيس الإسرائيلى بتشكيل الحكومة. فى هذا الصدد يتمتع نتانياهو بأفضلية نسبية بعد أن تعهد عدد من أحزاب اليمين بدعمه، بما فى ذلك حزب «الهوية» الذى ينتمى بجذوره لحزب سبق حظره فى الثمانينات لعنصريته. فإن أخفقت تلك الأحزاب الأصغر أو بعضها فى تجاوز نسبة الحسم ودخول الكنيست ستصبح رحلة نتانياهو نحو رئاسة جديدة للوزراء أصعب. لهذا لا تعد العملية الانتخابية ونتائجها هى نهاية المطاف، بل انها الخطوة الأولى فى الطريق نحو رئاسة الوزراء.

 

غياب القضايا العربية 

 

غابت القضايا الجوهرية فى النزاع الفلسطينى – الإسرائيلى عن برامج قوائم الأحزاب المتنافسة فى الانتخابات الحالية، بعد أن كانت فى بؤرة الاهتمام فى كل انتخابات سابقة. فباتت سياسة الأمر الواقع عنواناً عريضاً لمستقبل القدس والجولان وكذلك عودة اللاجئين؛ وفيما أهمل الليكود تناول هذه القضايا فى حملته الراهنة، حاول حزب «العمل» ورئيسه آڤى جباى، إلقاء حجر فى المياه الراكدة، وطرح ما وصفه بخطة الحزب فى التعامل مع القضية الفلسطينية؛ ورغم أنه لم يتطرق هو الآخر للقضايا الجوهرية على نهج منافسيه، دعا فى خطته إلى تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية، وسن تشريع للإخلاء والتعويض الاختيارى للمستوطنين، الذين يقيمون خارج تلك الكتل، ثم إجراء استفتاء شعبى على القرى العربية المقرر ضمها للقدس.. وفى حين اقتصرت الخطوط العريضة لخطة «العمل» على مجرد دعوات، لا تحمل فى مضمونها التزاماً واضحاً، أو برنامجا حزبيا يمكن التعويل عليه فى المستقبل المنظور، أشادت دوائر إسرائيلية بالخطوة، واعتبرتها إطاراً يمكن البناء عليه لتسوية مستقبلية؛ فحتى إذا غاب الشريك عند اتفاق الوضع الدائم، فيمكن تهيئة الأرض لتطبيق رؤية الدولتين بمنظور مستقل عبر تلك المبادرة، شريطة أن تكون أساساً للحفاظ على هوية الدولة الإسرائيلية كبيت ديمقراطى وآمن للشعب اليهودى.. أما تحالف «أزرق أبيض»، فانغمس برنامجه فى تفاصيل متشعبة، إذ دعا إلى المبادرة بعقد مؤتمر إقليمى مع دول عربية، وصفها بـ«المتطلعة إلى الاستقرار». وأشار برنامج التحالف الذى يقوده بنى جانتس إلى ضرورة تعميق إجراءات الانعزال عن الفلسطينيين بما يضمن الحفاظ على المصالح الأمنية لدولة إسرائيل، وحرية عمل الجيش الإسرائيلى فى كل مكان.


التحالف الحزبى المنافس لنتانياهو قال نصاً، بحسب تقرير نشره موقع «دبكا» العبري: «إسرائيل فى ظل حكومة جديدة بقيادته لن تتخذ خطوات جديدة أحادية الجانب فى الضفة الغربية، ولن تنسحب من أربع مناطق رئيسية: التكتلات الاستيطانية، ووادى الأدرن، والقدس، وهضبة الجولان. وإلى جانب النقاشات التى يفرضها المؤتمر الإقليمى المقترح حول تلك الملفات، يتباحث المجتمعون حول قضية لا تقل أهمية، وهى أن مكانة إسرائيل كقوة إقليمية رائدة، تحول دون إجراء مباحثات حول الاتفاق النووى الإيرانى، أو تسويات فى سوريا دون مشاركتها، ودون أن تفرض مصالحها الأمنية نفسها على جدول الأعمال».


العربى والروسى والمتردد.. أصوات تحسم النتائج

 

فى ظل المنافسة الحامية بين أكبر كتلتين متنافستين؛ كتلة الأحزاب اليمينية وكتلة أحزاب الوسط واليسار تبرز أهمية بعض الفئات التى تتسابق الكتلتان على تأمين تأييدها كلها أو بعضها.
>> الصوت العربى: من أهم الفئات المؤثرة إذ تشكل أصوات عرب إسرائيل حوالى 17٪ من القوة التصويتية أى ما يعادل حوالى 20 مقعدا وهو ما يوفر لهم القدرة على إزاحة نتانياهو بسهولة لو احتشدوا أمام صناديق الاقتراع كتصويت عقابى له سواء على تصريحاته العنصرية ضدهم فى الانتخابات الماضية، أو على إصداره قانون يهودية الدولة. ويرى المراقبون ان غياب الصوت العربى فى الانتخابات الحالية او عدم كثافة تصويتهم سيصب تلقائيا فى صالح كتلة اليمين التى يتزعمها نتانياهو.
>> الصوت الروسى: أيضاً من الركائز المهمة لنتانياهو التى أراد ضمان استمالته والتصالح معه خاصة من جيل المهاجرين مع وزير الدفاع السابق المستقيل افيجدور ليبرمان وتذكر صحيفة هاآرتس ان الصوت الروسى كان أحد موضوعات حوار نتانياهو مع پوتين.
>> المترددون: من اكبر الفئات المؤثرة فى نتائج الانتخابات ومع ان ظاهرة المترددين الذين يتخذون قرارهم فى اللحظة الأخيرة وربما أمام صندوق الافتراع مألوفة فى كل انتخابات إلا أن استطلاعاً نشره موقع نيوز اوف إسرائيل أثبت تزايد هذه الظاهرة بحيث وصلت هذا العام إلى 20٪ أى أنهم يمكن أن يقرروا مصير 24 مقعدا فى الكنيست.

«كيـد نسـا» ثقيـل

فيما وصف بـ«كيد نسا» من العيار الثقيل، فتشت زوجة رئيس الوزراء، رئيس حزب الليكود سارة نتانياهو فى نقائص منافسى زوجها فى الانتخابات المرتقبة، واستهدفت بذلك رئيس الحزب الوليد «اليمين الجديد» نفتالى بينت، وزوجته جلات بينت.. ووفقاً لوثائق كتبتها بخط يدها، وضعت سارة نتانياهو عدداً من الأسئلة أمام صحفى لم تكشف صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن هويته، ودارت فى مجملها حول التفتيش عن الحياة الخاصة للمرشح المنافس وزوجته، ومنها: كيف ارتدت جلات بينت منذ خمس سنوات سروال جينز ضيقا، وقميصاً قصيراً ظهرت منه بطنها وهى محسوبة على اليمين المتشدد؟ وهل حصل بينت بالفعل على ليسانس الحقوق من الجامعة العبرية؟ وما عدد سنوات الدراسة التى قضاها فى الجامعة ذاتها؟ وهل تصرف بشكل غير لائق أو ارتكب مخالفات من أى نوع خلال رئاسته لحزب «البيت اليهودي»؟.. كل هذه الأسئلة وغيرها، مهدت لاعتزام سارة الهجوم على منافس زوجها فى الانتخابات، لكن تسريب القضية للصحيفة العبرية أجبرها على التراجع عن نيتها.

نتانياهو يحتمى بهدايا الخارج الانتخابية

فيما غازل حزب الليكود الناخبين بلغة إنجازات السياسة الخارجية، قاصداً بها انفتاح إسرائيل على دول إفريقية وخليجية فى عهد نتانياهو، تعززت هذه الصورة ببعض الهدايا الانتخابية القادمة من االخارج والتى كان لها أكبر الأثر فى تقدم حزب الليكود فى استطلاعات الرأى الأخيرة على تحالف أزرق- أبيض. منذ العام الماضى تحديداً ان  هالت عطايا الرئيس الأمريكى ترامپ على نتانياهو، ولم يبذل الرجل أى جهد لإخفاء إعجابه بل وانحيازه التام لنتانياهو. ففى يناير قبل الماضى اتخذ قراراً غير مسبوق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم قام بنقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب. وإرضاء لنتانياهو قام بشكل منفرد بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران رغماً عن أنف شركائه الدوليين فى الاتفاق. وقبل أيام من الانتخابات حل نتانياهو ضيفاً رسمياً على البيت الأبيض وحصل من الرئيس الأمريكى على صك الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل فى تحدٍ سافر آخر للقانون الدولى.
لم يكتف نتانياهو بالعطايا الأمريكية فسارع إلى موسكو قبل خمسة أيام من الانتخابات ينشد دعم الرئيس الروسى پوتين ليحصل على قبلة الحياة ويثبت لناخبيه انه الوحيد القادر على التأثير على زعماء العالم وأن أى نجاح لتحالف الوسط المنافس سيقلب القوتين العظميين على إسرائيل.

قبل الاقتراع والنتيجة.. محاولات لتشكيل الحكومة!


قبل أيام من إجراء الانتخابات، وخلال مباحثات غرف مغلقة، عرض رئيس تحالف «أزرق أبيض» بنى جانتس خطته لتشكيل حكومة، ووضع سيناريو يقوم على احتمالية تفوق قائمته على الليكود بأربعة مقاعد على الأقل، مشيراً إلى أنه حينئذ سيتوجه فوراً بعرض على حزب «كلانو» بقيادة موشى كحالون، وحزب «الهوية» برئاسة العنصرى موشى فيجلين، بالإضافة إلى الأحزاب المتشددة للانضمام إلى حكومة مستقرة برئاسته لمدة أربع سنوات، بدلاً من حكومة برئاسة نتانياهو لن تستمر سوى ثمانية أشهر فقط، وهى الفترة التى يجرى خلالها لائحة اتهام ضد نتانياهو. أما داخل التحالف وقبل عملية الاقتراع أيضاً، حصل رئيس الأركان السابق بوجى يعالون على حقيبة الدفاع، بينما اقتنص يائير لابيد حقيبة الخارجية، مقابل رئاسة بنى جانتس للحكومة.. وفى حين رفض بنى جانتس حصول نتانياهو على حقيبة المالية فى حكومة يترأسها، انبرى الأخير فى استبعاد إمكانية حصول جانتس على حقيبة الدفاع فى حكومته القادمة، وعدد نتانياهو مبررات موقفه حينما قال: «بنى جانتس الذى يؤيد الاتفاق النووى الخطير مع إيران، ويدعم اقتلاع 90 ألف مستوطن من مستوطناتهم، ويعارض بناء السياج الذى أقمته على الحدود مع مصر، ويتآمر ضد الليكود، لن يصبح وزيراً للدفاع فى حكومتى. من يريد حكومة يسار، يعطى صوته لجانتس ولابيد، ومن يرغب فى حكومة يمين، يمنح صوته لليكود برئاسة نتانياهو».. وسط ارتباك المشهد، وضع مراقبون فى تل أبيب تصوراً خيالياً لما سيؤول إليه الحال بعد إعلان نتيجة الانتخابات، ويستند التصور إلى فارق ما بين 7 إلى 8 مقاعد لصالح «أزرق أبيض»، وعندئذ لن يستطيع قادة التحالف تشكيل الحكومة إلا بالاعتماد على اليمين، وسيجرى جانتس اتصالاً بزعيم «اليمين الجديد» نفتالى بينت، ويدعوه للانضمام إلى حكومة برئاسته، مقابل الحصول على حقيبتى الدفاع والعدل، وإذا اعترضت شريكته فى الحزب أييلت شاكيد على العمل مع حكومة يسار، سيقنعها بينت بأنهما سوياً سيوجهان الحكومة ذاتها ناحية اليمين، خاصة أن نتانياهو لن يمنح حزبهما الوليد حقيبة الدفاع.


سياسة «الحشيش»

«الشعب يريد برلمانا اجتماعيا» هذا هو الشعار الذى رفعه أنصار رئيس حزب «الهوية» العنصرى موشى فيجلين الذى لفت انتباه المراقبين فى إسرائيل، فرغم احتسابه على اليمين المتشدد، وعزم حزبه الضعيف على الوصول إلى نسبة حسم مؤهلة لحقيبة وزارية، إلا أن تسويق اهتمامه بقضايا اجتماعية رفع أسهمه، ومنحه ثلاثة مقاعد برلمانية فى استطلاعات الرأى التى استبقت الاقتراع.
من بين القضايا الاجتماعية التى أثارت حماس الناخبين، دعوة الحزب ورئيسه إلى رفع الحظر عن تعاطى «الحشيش الطبي»، وزاد من إقبال الناخبين عليه، المرشح رقم 9 فى قائمة الحزب رون تسفرير، فهو العضو المصاب بمرض السرطان، ومن طلائع من ينادون بإدراج «الحشيش الطبي» على قائمة الأدوية المعالجة للمرض، وتحول نضال تسفرير فى هذا الخصوص إلى أيقونة، انعكست آثارها الإيجابية على شعبية الحزب الصغير ورئيسه.

حرب «البونبون» والطماطم
حلوى بونبون وثمرة طماطم، لعبتا دوراً كبيراً فى قياس مدى شعبية رئيس حزب الليكود نتانياهو، ونظيره رئيس حزب العمل آڤى جباى فى الاقتراع المرتقب للانتخابات الإسرائيلية. نتانياهو وخلال زيارة لسوق «الأمل» بتل أبيب، رشقته إحدى زبائن السوق بثمرة طماطم وسط زحام الملتفين حوله والحراسة المشددة التى أحاطت به، ورغم رصد فعلتها من خلال إحدى كاميرات المراقبة فى السوق، ادعت أنها كانت تمازح إحدى رفيقاتها فى جولة تسوق، ولم تتعمد المساس برئيس الوزراء؛ وإمعاناً فى الدفاع عن نفسها، قالت إنها تعتزم انتخاب الليكود ورئيسه نتانياهو!
فى المقابل، وخلال زيارة مماثلة قام بها رئيس حزب العمل جباى لسوق «الكرمل» أمطره كم غفير من زوار السوق بوابل من حلوى البونبون، تعبيراً عن مدى تأييدهم للحزب ورئيسه فى الانتخابات المزمعة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة