محمد البهنساوي
محمد البهنساوي


محمد البهنساوي يكتب من واشنطن: قمة بلا فواتير

محمد البهنساوي

السبت، 13 أبريل 2019 - 08:48 م

 

- للمرة المليون.. الحقائق تفند ادعاءات حديث التبعية.. وهذا هو الجلباب الوحيد لـ«مصر 30 يونيو»

- أسباب حرب الإعلام والمتربصين والمطاريد على مصر والرئيس بعد الزيارة

- من أوباما للمنظمات المشبوهة.. نجاحات مصرية لا تنتظر جزاء أو شكوراً

- التعديلات الدستورية بين الادعاءات الفارغة والحقائق الملموسة

- مصر لم ولن تقبل حل في قضية القرن يمس أمنها القومي أو صالح الفلسطينيين


حملات صحفية.. شائعات فارغة.. موضوعات تخفي تحريضا بين سطورها.. وتحوي توجها متعمدا للإساءة للعلاقات بين البلدين.. هكذا فاجأتنا وسائل إعلام بعضها كبير وذو ثقل.. وجماعات متعددة فور انتهاء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة لواشنطن.. ولعل نجاح الزيارة أو خروج مصر منها بلا خسائر بل وبنجاحات سياسية واقتصادية معلومة وأخرى غير معلنة أصاب المتربصين بمصر بالجنون وما أكثرهم في أمريكا.. من إعلام ممول من اللوبي الصهيوني.. وإعلام لديه تماس قوى باللوبي القطري التركي.. ومطاريد السياسة ومرتزقة الشعارات وصولا بالطبع إلى أعضاء وأنصار جماعة الإخوان الإرهابية والتي تعد أمريكا مركزا رئيسيا لهم.. هؤلاء جميعا مارسوا كل ضغط ممكن قبل الزيارة ليس لإفشالها فحسب.. بل وأن تخرج منها مصر ورئيسها بخسائر على كل المستويات.

 

 ومع ظهور بوادر فشل مسعاهم ومخططهم راحوا يظهرون حقدهم الدفين وينشرون سمومهم تارة للهجوم على مصر بملفات وادعاءات لا علاقة لها بالزيارة.. وتارة أخرى بالهجوم الحاد على رئيسها بلا مبرر أو سبب مقنع وتارة ثالثة بنشر الشائعات والأخبار الكاذبة التي تثير التوتر السياسي بين البلدين.

 

لكن المؤكد ودون أن نحتاج دليلا دامغا فان هذا الهجوم الكاسح على مصر من وسائل إعلام متربصة بها على طول الخط ومن سياسيين كارهين حتى أنفسهم وأعضاء وأنصار جماعة مارقة لا ترى إلا السواد.. هجومهم هذا وبتلك الصورة يؤكد أن مصر تسير في الطريق السليم.

 

ولعلنا هنا نحاول رصد أهم معالم الزيارة الثانية والمهمة للرئيس السيسي إلى البيت الأبيض لندرك أولا أن مصر بحق تسير في الطريق الصحيح وثانياً لنفهم أسباب التوتر والهوس الذي أصاب المتربصين.

 

 

الفواتير المدفوعة


«معنديش فواتير لحد علشان أدفعها أو أسددها على حساب البلد».. جملة شهيرة أعلنها الفريق أول عبد الفتاح السيسي في بداية ترشحه للرئاسة قبل حوالي خمس سنوات.. وكررها في بداية ولايته الرئاسية الأولى.. وأثبتت السنوات التالية صحة تلك المقولة.. ليس في الشأن الداخلي فقط.. إنما تحولت إلى ركيزة أساسية أيضا لسياسة مصر الخارجية طوال هذه السنوات الخمس.. والمواقف العديدة إقليميا ودوليا تجاه دول كبرى وصديقة بل وشقيقة تؤكد تلك الحقيقة وأن القرار المصري لا يسدد فواتير إلا لشعبه فقط.

 

تذكرت هذه العبارة ولمعت في ذهني وأنا أتابع عن كثب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الثانية للبيت الأبيض الأمريكي ولقائه السادس مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وما شهدته وتبعها من تفاعلات عديدة خاصة بالزيارة والقمة المشتركة.. فمن ينظر إلى العلاقات الثنائية الآن بين القوة العظمى الأهم في العالم والدولة الأهم والأكثر تأثيرا بالشرق الأوسط وأفريقيا.. يتحقق من أن البرجماتية السياسية والمصالح المشتركة هى الحاكم الرئيسي وربما الوحيد لتلك العلاقة والبوصلة التي توجهها دائما لوجهتها الصحيحة.

 

وهنا وقبل أن نغوص في بعض تفاصيل الزيارة ودلالاتها أقول إنه من وجهة نظري الشخصية أنني لا أؤيد ما يردده البعض كثيرا من أن «الكيميا» الخاصة التي تجمع الرئيسين السيسي وترامب هى السبب في التحسن الكبير للعلاقة بين الدولتين بعد فترة ضبابية سوداء اعترتها في عهد أوباما.. فالسياسة والعلاقات بين الدول لا تقوم أبداً على الكيميا التي تجمع أو تفرق البشر.. وأرى أن السبب الرئيسي لتحسن العلاقة وتطورها بشكل غير مسبوق يرجع بالطبع إلى زوال إحساس الثأر الذي كان يتملك إدارة أوباما تجاه مصر 30 يونيو والرئيس السيسي لأسباب قتلناها بحثا ونشرا.. وقبل هذا السبب يرجع التطور إلى واقعية الرئيس ترامب الشديدة وتطبيقه الواضح والصريح لمبدأ التوافق والمصالح المشتركة.. فهو كرجل أعمال ناجح بعيد عن العواطف في سياساته أقرب للواقعية وحساب المكسب والخسارة في كل قراراته ومواقفه وبالتأكيد لم تخنه حساباته أبدا كرجل أعمال.. وأيضا كرئيس رغم اختلافنا الجذري مع الكثير من قراراته بل ورفضنا لها بشدة.. لكننا نتحدث واقعيا وبمصارحة وبحيادية الرصد التي تبعدنا عن سلبية أو إيجابية الشعور تجاهه.

 

نعود للزيارة ونرصد انطباعات وملاحظات مهمة حولها.. أولها وهو ما تحدثت عنه كثيرا قبل ذلك ولن أتوقف طالما ظلت بعض الأبواق تردد هراء لا معنى له عن التبعية التي يؤكدون أنها مازالت تحكم العلاقة بين البلدين محاولين تصدير الإحباط لنفوس المصريين وتزعزع ثقتهم في قياداتهم التي لا هم لها إلا تحقيق الاستقلالية التامة لمصر وقرارها.. وهنا نشير لعدة نقاط مهمة تفند هذا الادعاء أولها : أي تبعية يتحدثون عنها وهناك هذا الكم من الخلافات بين البلدين في عدة قضايا إقليمية ودولية محورية بدءا من سوريا مرورا بليبيا واليمن والموقف من قطر وانتهاء بالقضية الأهم القضية الفلسطينية.. أليس الأولى بالتابع أن يكون على دين متبوعه؟.

 

وثانياً: أي تبعية ومصر 30 يونيو خرجت من أي عباءة ولا تعيش إلا في عباءة الوطن والمواطن.. وراحت تتجه شرقا وغربا شمالا وجنوبا ترسخ أقدامها في كل مكان وتوطد علاقتها مع كل عاصمة لا يحكمها في هذا إلا مشروعها الوطني وصالح ومستقبل شعبها.. وهو ما استوعبته جيدا إدارة ترامب بذكاء.. عكس غباء الإدارة السابقة وصلفها الذي حال بينها وبين فهم الواقع المصري الجديد والتعاطي معه.. إذا وبالحقائق والوقائع حديث التبعية أصبح «مسخا وماسخا»

 

صراحة ترامب ووضوح السيسي

 

وإذا قلنا أن العلاقة بين البلدين بدأت مع السيسي وترامب مرحلة ملحوظة من التعاون والتنسيق المشترك وتقارب الرؤى «وليس تطابقها بالطبع».. في إطار من المصالح المشتركة.. ولنأخذ هنا دليلا قويا من طبائع شخصيتي رئيسي البلدين.. فترامب الذي يعرف عنه فظاظة الطبع وصراحته التي تنافي تماما دبلوماسية منصبه والتي تدفعه للهجوم العلني على الدول المختلفة مع أمريكا بل وحتى القدح والتجريح في قادة دول حليفة لها لمجرد ثمة تعارض مصالح مع تلك الدول وقادتها.. وهجومه الواضح العنيف على معارضيه بأمريكا بما فيهم رؤساء سابقون.. نجده عكس ذلك تماما مع الرئيس السيسي.. وكلامه الذي يقوله عن قناعته التي تحكم إدارته وعمله وليس من قبيل الدبلوماسية أو المجاملة التي لا يعرفها أحد عنه.. وهو الكلام الذي يتكرر في كل لقاء بينهما.. لكن هذه المرة المديح زادت جرعته ليصفه بالرئيس العظيم والذي يقوم بعمل عظيم على مرأى ومسمع من الجميع.

 

والرئيس عبد الفتاح السيسي رغم أن سياسته هادئة وليست تصادمية أو بها تجاوز بحق أحد.. لكن هذا لا يمنعه أبداً من ممارسة صدقه وكبريائه الوطني «وليس الشخصي» بعدم التواصل مطلقا مع من لا يقتنع ببلده ونهضته أو يضر بمصالحه.. حتى ولو كانت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فهذا كان موقفه من أمريكا أيام حكم أوباما وإدارته ردا على موقفهم من مصر.. ولو استمروا على موقفهم ما تنازل هو عن موقفه.

 

إذن فالعلاقة الثنائية تتطور بالفعل ولا تحتمل تأويلات الإعلام وتحريض وتزييف جماعات الشر.

 

وهنا وبمناسبة الحديث عن العلاقات الثنائية.. وربطها بعلاقات مصر التي أصبحت راسخة ومتميزة تقريبا مع أغلب القوى العظمى حول العالم.. فقد نجحت مصر في ترسيخ القاعدة المهمة في السياسة الدولية بأنه ليس من الضروري أن يكون شرط نجاح علاقاتها بدولة أو قوة عظمى على حساب علاقتها بأخرى.. والدليل علاقتنا المتميزة مع الصين واليابان وأمريكا وروسيا والهند وكل الدول الأوربية.

 

الحقائق والشائعات

 

نصل لمحطة مهمة في حديثنا عن الزيارة.. ألا وهى كم الشائعات والأكاذيب التي أطلقت حولها.. والحقائق والوقائع التي فندت تلك الأكاذيب.. بدءا من الشائعة الكبرى حول أن الرئيس السيسي توجه لتمرير التعديلات الدستورية.. ولا أدري إذا كان هذا هدفه فهل من المنطق أن يسافر والتعديلات في مراحلها النهائية ؟!!.. ثم إن الزيارة جاءت بدعوة من الرئيس ترامب وليس طلبا من الرئيس السيسي.

 

دعنا من كل هذا.. ولنفترض أن كلامنا مرسل.. ماذا يقول هؤلاء عن رد ترامب على سؤال التعديلات الدستورية، السؤال والرد يؤكد كلامنا.. فقد تم توجيه السؤال بطريقة حاولت إحراج ترامب وتأكيد الشائعة.. وجاء رد الرئيس الأمريكي ذكيا وواضحا وبلا مواربة «لا أعلم عنها شيئا والسيسي يقوم بعمل عظيم» هل بعد هذا الرد من كلام.

 

الشائعة الثانية أن أمريكا دعت الرئيس لتنهي معه ما يسمى بصفقة القرن والتي تشبه حتى الآن «فنكوش عادل إمام».. لكن في كل لقاءات الرئيس والبيانات الصحفية الصادرة كان من الأولى أن تتجاهل الحديث عن القضية الفلسطينية أو ذكرها بمرور الكرام إذا كان هناك ما تم تدبيره أو تغيير كبير سيحدث على الأرض.. لكن الرئيس أكد بوضوح ثبات الموقف المصري القائم على أهمية التوصل لحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وتحقيق السلام على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية, وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. وهنا يجب أن نشير إلى أن مصر لم تغير موقفها هذا من القضية الفلسطينية حتى في حالات ضعفها.. فهل من المنطقي أن تغير ثوابت أمنها القومي وهى تسعى لبناء الدولة القوية القائدة والرائدة في محيطها العربي والأفريقي.. وهل يعقل أن ترضى مصر بحل يمس ذرة تراب من أرضها أو ينال من حقوق الفلسطينيين وهو ما يعد من أهم ثوابتها منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي.. نستثني من ذلك بالطبع عام حكم الأخوان.

 

نقاط التقاء

 

ولعل الزيارة قد شهدت الكثير من نقاط الالتقاء والاتفاق والإشادة بين الجانبين.. فالرئيس السيسي وجه الشكر إلى الرئيس الأمريكي كونه السبب في أن تصل العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مرحلة غير مسبوقة على حد تعبير الرئيس من التنسيق والتعاون المشترك.. بجانب إشادة الرئيس بالتعاون الاقتصادي الكبير وضخ استثمارات أمريكية في كافة الأنشطة الاقتصادية بمصر.

 

أما الرئيس الأمريكي فقد أعرب عن امتنانه الشديد لمصر لعدة أسباب قوية تستحق أكثر من هذا الامتنان.. أولها بالطبع نجاح مصر الكبير في حربها على الإرهاب والذي لا يحمي الشعب المصري وحده.. إنما يحمي دول العالم كلها من ناره وفى مقدمتها أمريكا الهدف الأول للمتطرفين حول العالم.. وثانياً الخطوات الواسعة التي قطعتها مصر في مجال التسامح الديني بدءا من التطبيق الحقيقي للدولة المدنية مرورا بالحفاظ على أرواح جميع المصريين أقباطا ومسلمين.. وقوفا بحرصها على أن تثأر وبشكل سريع لكل جريمة إرهابية تمس أقباط مصر وصولا لدرة تاج التسامح الديني والمساواة المصرية والتي تجسدت في افتتاح أكبر كنيسة ومسجد بالعاصمة الإدارية.

 

بالطبع مصر تفعل كل هذا ولا تنتظر من أحد كائنا من كان جزاء ولا شكورا.. لكنها بالفعل تستحق احترام العالم كله وليس ترامب فقط على تلك الخطوات الواسعة في هذا الملف.. فهل نسى الجميع الحرب الشعواء التي كانت تتفجر في وجه مصر بين الحين والآخر من بعض الدول والمنظمات المشبوهة بحجة حقوق الأقباط الذين كانوا يصفونهم بالأقلية ولعل كلمة باراك أوباما في جامعة القاهرة لا تزال عالقة في أذهاننا جميعا !! فيجب ألا يمر جهدها الملموس في ملف التسامح الديني دون الإشادة به وإلا كنا أمام حالة واضحة من التربص والترصد بمصر خاصة من المنظمات المشبوهة.

 

وهناك ملف الإصلاح الاقتصادي الذي خطت فيه مصر خطوات واسعة للأمام وحققت نجاحات لا ينكرها إلا جاحد أو مغرض.. وهى محل تقدير من القوى الاقتصادية الأولى في العالم.. ولعلنا ندرك أن الأمريكان من أول المستفيدين من نجاح الإصلاح الاقتصادي المصري ولنتتبع الزيادة في حجم الاستثمارات الأمريكية بالمشروعات المصرية خاصة العملاقة وآخرها جنرال إلكتريك وصفقة القطارات الحديثة وزيادة الاستثمارات والمشاركة في النهضة الاقتصادية المصرية كانت على مائدة الحوار.. وللعلم فإن الإصلاح الاقتصادي نجح وينجح بجهد مصري خالص دون دعم أو مساندة من أحد ولا توجد لدينا فواتير نسددها أيضا في هذا الملف.

 

 

مصر حاضرة

 

وفى قلب العاصمة الأمريكية واشنطن.. وأمام البيت الحكم الأهم في العالم.. لا تشعر بغربة أبداً.. فها هى الوجوه الطيبة والابتسامة المصرية التي لا تخطئها أبداً.. هاهو الود والبشاشة وخفة الظل والضحكة الصافية.. وجوه لا تعرفها لكنها أيضا ليست غريبة عنك وكأنهم اهلك.. الألف حضروا من كافة الولايات الأمريكية إلى قلب واشنطن لمساندة بلدهم والترحيب برئيسها ودعمه.. تلك الأصوات الصادقة المخلصة غطت تماما على أصوات متربصة كارهة لنفسها قبل أن تكون حاقدة على بلدنا.. أصوات متناثرة هزيلة حاولت التجمع لتشويه زيارة الرئيس.. لكنها خبت تماما أمام أناشيد الوطنية المخلصة لأبناء الجالية المصرية.. لترتفع أعلام مصر أمام البيت الأبيض وتحل الأغاني الوطنية بأصوات أبنائنا المغتربين في بلاد العم سام والتي لم تتوقف طوال أيام الزيارة.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة