عمال السقالات والنفايات الطبية والدباغة.. بين مطرقة «آكل العيش» وسندان المخاطر - صورة مجمعة
عمال السقالات والنفايات الطبية والدباغة.. بين مطرقة «آكل العيش» وسندان المخاطر - صورة مجمعة


صور| عمال السقالات والنفايات الطبية والدباغة.. بين مطرقة «أكل العيش» وسندان المخاطر

أسامة حمدي

الثلاثاء، 23 أبريل 2019 - 04:49 م

 

كسب الأرزاق يجبر كثيرين على امتهان مهن شاقة وخطرة، فيعيش أصحابها في طاحونة يومية لأجل «أكل العيش»، بعضهم معرضون للموت أو الإصابات البالغة أو الأمراض المزمنة، فعمال السقالات ممن يقومون بتشطيب واجهات العقارات أرزاقهم معلقة بين السماء والأرض كمن يمشي على الحبل، أما عمال النفايات الطبية فيومهم في مستنقع العدوى والميكروبات، لكن عمال دباغة الجلود فإصابات قطع الأيدي أثناء عملهم على ماكينات خطرة «متكررة».  

 

تستعرض «بوابة أخبار اليوم» في السطور التالية، أبرز المخاطر التي يتعرضون لها أثناء رحلتهم اليومية، وطبيعة عملهم، ومطالبهم.

 

 

عمال السقالات: «أكل العيش يحب الخفية والغلطة بألف»

يعرضون أنفسهم للخطر الشديد على ارتفاعات شاهقة، يؤدون عملهم بكل احتراف وإتقان، يتنقلون من «سقالة» إلى أخرى بكل خفة وإبداع كلاعبي سيرك، أو كمن يمشون على حبل، لإنهاء تشطيب وطلاء واجهات العقارات والبنايات العالية، هؤلاء هم عمال السقالة؛ الذين التقت بهم «بوابة أخبار اليوم» في منطقة المعادي، أثناء رحلتهم اليومية لكسب أرزاق معلقة بين السماء والأرض.

 

أثناء تنقلهم من «سقالة» إلى أخرى، يجول بخاطرك أنهم سيسقطون من أعلى، إلا أن العناية الإلهية تحيط بهم، فيقول علي محمد، صاحب الـ31 عاما، من أسيوط: «تركت الصعيد كي أعمل في القاهرة، فالعمل في الوجه القبلي قليل، ولدي أسرة من 5 أفراد، أما خطورة المهنة فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين، وأكل العيش يجبر الإنسان على أي شغل».

 

 

ويضيف: «المهنة خطر لأن الشغل على ارتفاعات عالية تصل للدور الثاني عشر، والراجل لازم يشقى ويتعب علشان يقدر يصرف على بيته وعياله، وإن كان على الخطر فالأعمار بيد الله، وكل واحد مكتوب له عمر وأجل ربنا يعلمه وحده».

 

أما سعيد محفوظ، 28 عامًا، من سوهاج، فيقول إنه يعمل في المهنة منذ كان عمره 13 عامًا، ويؤكد: «تعودنا على السقالة وبتحرك عليها كأني ماشي على الأرض من غير خوف، وتعودت على الارتفاعات العالية، والمهنة محتاجة قلب جامد ومش أي حد يقدر يشتغلها، فالمهنة عاوزة تركيز عالي والمشكلة في السهو والنسيان، ولو عقل العامل سرح وهو بينقل رجله تنزل ويبقى في تعداد الموتى».

 

 

ويتابع حديثه، قائلا: «كان فيه عامل زميلنا عنده 34 سنة ومعاه أسرة من 3 أفراد، كان عنده مشاكل عائلية، وكان سرحان وتايه دايما، رجله انزلقت وسقط على الأرض حصل له كسور في جسمه وبطل شغل ودلوقتي نايم في السرير، وبندعي ربنا يسترها علينا لأننا أصحاب عيال».

 

 

أما ممدوح إسماعيل، 42 عامًا، من الفيوم، فبادر للتأمين على حياته من المخاطر من خلال شهادة التأمين التي أطلقها الرئيس مؤخرا، واصفا صعوبة المهنة التي باتت تؤثر على صحته بقوله: «المهنة كلها خطورة وصعبة وبتسبب ألم كبير في الذراعين والظهر بعد التقدم في العمر، لكن هي مكسبها كبير أحسن من مهن أخرى، إذ يصل دخل العامل يوميًا 200 جنيه ويزيد، والحمد لله الدخل بيكفي مصاريف البيت، والمتر بنشتغله على 12 جنيهًا، ومشروعات الإسكان والعاصمة الإدارية فتحت لنا شغل كتير».

 

 

ويوضح أحمد أيوب، 43 عامًا، أن أهم شيء في الصنعة ربط السقالة جيدا، والاطمئنان أن الحبال قوية ومتينة ومتسعة بمعنى أكتر من لوح خشب جنب بعضها البعض، مضيفًا: «علشان هتشيل أرواح بني آدمين، والعامل يجمد قلبه وميخافش لأنه لو خاف هيقع، وأنا الناس لقبتني بأبو جبل علشان مش بخاف ومن زمان شغال على السقالات، والموت مش مرتبط بشغل السقالات، واللي رمانا على المر اللي أمر منه».

 

ويضيف: «أغلب اللي شغالين في القاهرة في شغل المقاولات صعايدة من سوهاج وأسيوط والفيوم والمنيا، لأن شغل المقاولات يتطلب قوة بدنية وقوة تحمل وصبر طويل وناس عاوزة تاكل عيش وتشتغل، وأي شاب بيحتاج شغل بنوفر له شغل معانا عامل».

 

 

عمال دباغة الجلود: مياه نارية وماكينات خطرة

 

أما عمال دباغة الجلود في منطقة مجرى العيون بالقاهرة القديمة، فهم يرون المخاطر صنوفًا وأنواعًا؛ فتارة بسبب المياه النارية المستخدمة في مراحل الصناعة، وتارة أخرى بسبب المواد الكيماوية والماكينات الخطرة التي تصيب بعضهم بقطع الأيدي.

 

 

فيقول هاني محمد، عامل بمدبغة في مجرى العيون، إن دباغة الجلود تتنوع فيها المخاطر، فمثلا المياه النارية تكوي وتحرق الجسم إذا أصابت أحد العاملين، ويوجد ماكينة «المقلوب» 36 سلاحًا ولو أحد العمال يده أصابت سلاحا تُقطع، وكثير ما تحدث إصابات بين العمال، فمثلا أحد العمال قطعت ذراعه الماكينة المقلوبة، وآخر العصارة «فرمت» ذراعه وقطعت شراينه، مؤكدا أن العاملين جميعهم يتم التأمين عليهم من صاحب المدبغة، ومن يُصاب إصابة بالغة في العمل يحصل على معاش التأمين.

 

 

والتقط منه حسن عبد الفتاح، فني دباغة جلود، طرف الحديث قائلا: «إن المواد الكيماوية تضر بالإنسان، ورائحة الجلود تؤذي التنفس وتسبب حساسية على الصدر، وكذلك ملح النشادر وصنفرة الجلد نفسها يخرج عنها غبار».

 

ويشير إلى أن الحكومة بدأت نقل مدابغ مجرى العيون لمنطقة الروبيكي للحد من التلوث في المنطقة وبهدف تطوير الصناعة، لكن المنطقة الجديدة تخلو من الخدمات كالمدارس لتعليم أبناءنا والمستشفيات لإنقاذ العمال من الإصابات، كما لا يوجد مطاعم للأكل فمن تم نقلهم من العمال يأخذون يوميًا طعامهم ومياه كأنهم ذاهبون لرحلة، موضحًا أنه تبعد عن القاهرة نحو 60 كيلو، كما تنقصها المرافق، وسكن للعمال لأننا في صحراء «هنعيش ازاي!».

 

ويضيف أن نقل العمال لـ«الروبيكي» يزيد من مخاطر الصناعة على العمال لأنه في مجرى العيون تتوافر مستشفيات كثيرة قريبة بخلاف منطقة في الصحراء لا توجد فيها مستشفيات، منوها: «اللي هيتصاب هناك دمه يتصفى قبل ما نلحقه».

 

 

النفايات الطبية.. وخز حقن وميكروبات وأدخنة

 

أما عمال النفايات الطبية فيعيشون معاناة لا تنتهي، فمعظم حالات التعرض والإصابة من المخلفات الطبية تحدث في محطات معالجتها وحرقها أو في ساحات التجميع النهائي لها خلال عملية المناولة.

 

 

وتكمن الخطورة في الملامسة المباشرة لعبوات تحاليل الدم وسوائل الجسم، أو تنفس الغبار المتطاير المحتوي على كميات مركزة من الميكروبات الموجودة بأطباق المزارع البكتيرية، كعصيات السل وبعض الميكروبات التي تنتقل بسهولة عبر الهواء.

 

 

ويقول علي محمد، عامل في محطة معالجة النفايات الطبية، إن حوادث وخز الإبر كثيرة ومتكررة بين العمال، ما ينتج عنها إصابات بفيروس التهاب الكبد الوبائي وانتقال العدوى والجراثيم.

 

 

ويوضح محمد سعيد، عامل في النفايات الطبية، أن المحطة تقوم بالتخلص من المخلفات عن طريق تفتيت وتقطيع المخلفات إلى أجزاء صغيرة جدا ثم معالجتها بالحرارة وحرقها للقضاء على الجراثيم، مشيرا إلى أن المخلفات تحتوي على عبوات الدم وغيرها من المخلفات المحتوية على الدم وسوائل المرضى، وخلال عملية التفتيت تتناثر قطرات الدم على الأرضية والأسطح أو يتناثر الغبار الذي يكون مشبع بجزئيات الدم في كل مكان بالمحطة.

 

 

ويضيف أنه رغم ارتداء القفازات وأقنعة وملابس مخصصة؛ فإن المخاطر الناتجة عن الكيماويات والمواد المشعة وغيرها الموجودة من ضمن تلك النفايات كبيرة وتؤثر على صحة العمال وخاصة الجهاز التنفسي.


وفي دراسة للمركز الأمريكي للتحكم في الأمراض، قام المركز بدراسة 3 حالات إصابة بعصيات السل لعمال محطة معالجة المخلفات الطبية بواشنطن، وذلك بعد مقارنة الحمض النووي للميكروب حيث أثبتت الدراسة أن المصدر المحتمل والوحيد لتلك العدوى هي المخلفات الطبية التي يتعاملون معها، والاحتمال الكبير في حدوث العدوى بسبب عملية معالجة النفايات خلال إجراءات التفتيت والتعقيم والتي ينتج عنها تطاير جزئيات مجهرية محملة بالميكروب مع عدم ارتداء العمال الكمامات الواقية أثناء العمل.

 

 

وأثبتت عدة مراجع طبية إصابة عامل نظافة في النفايات الطبية بتعفن الدم بالبكتيريا العنقودية، وأدت إلى التهابات أغشية القلب بسبب المخلفات الطبية في الولايات المتحدة، وفي فرنسا هناك حالتي إصابة بفيروس مرض فقد المناعة المكتسبة سنة 1992، وكان سببها تلوث جروح بمخلفات طبية عند نقلها.

 

 

من كل ما سبق، نجد أنه في حالة عدم التعامل السليم مع المخلفات الطبية، قد تسبب مخاطر وأضرار صحية للمحيطين بها، وأهم المتضررين عمال النظافة والتخلص من المخلفات بحكم احتكاكهم اليومي مع كميات كبيرة من هذه النفايات.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة