الكاتب الصحفي عمرو الخياط
الكاتب الصحفي عمرو الخياط


عمرو الخياط يكتب| اختفـــاء المعــارضــــة

عمرو الخياط

الجمعة، 03 مايو 2019 - 09:19 م

حالة زخم إلكتروني وضجة أثارتها تيارات وأصوات متعددة تحسب نفسها على المعارضة في الأيام الماضية، أعقبتها دعوات للبدء في مشروع معارض جديد علي أرضية الأصوات الرافضة والباطلة التي أفرزتها نتيجة الاستفتاء.

انتهي الاستفتاء بإعلان نتيجته فاختفت المعارضة اختفاء طوعيا غير قسري، كما لو كانت تقول إننا أمام مجموعات للاستعراض وليس للمعارضة.

حالة زخم وحماس معارض اختفي تماما وسيختفي طوال شهر رمضان وحتى ما بعد بطولة كأس الأمم الإفريقية.. يبدو أنها فترة الإجازة الصيفية للمعارضة التي تخشي الانصهار تحت حرارة الصيف أو حرارة حركة الدولة التي لا تتوقف تروسها عن العمل.

 المعارضة أساسا وظيفتها إتاحة الرقابة الشعبية علي أداء الحكومات والأنظمة جنبا إلي جنب مع إتاحة الخيارات والبدائل الممكنة أمام المواطن وتبصيره بالمشروعات البديلة التي تحقق مطالبه ، بخلاف ذلك نكون أمام مجموعات تشويش علي وعي المواطن ، أي أن المنافسة هنا يجب أن تكون علي تحقيق مصالح المواطن المستهدف.

منذ يناير ٢٠١١ وما زالت المعارضة أو من ينتحلون صفتها أو من يدعون النخبوية أسري للفكر الإسقاطي من خلال الإصرار علي الدخول في معارك صفرية مع الدولة دون وجود نية للقاء في طريق أوسط حيث مساحات مصالح المواطن.

وبالتالي فإن الحالة تحولت إلي صراع وجودي لا تشمل إعلاء لقيمة الحوار فأدي ذلك إلي حالة استقطاب حادة وتحفز وتربص، ليس هذا فحسب بل راحت بعض تيارات المعارضة تُمارس اغتيالا معنويا لكل من حاول الدخول جديا في حوار مع الدولة تحت زعم أنه باع القضية أو حصل علي مكسب أو تم احتواؤه أو خضع لضغوط نتيجة لبعض أطماعه أو شهواته ، بهدف تفريغ أي محاولة للتواصل مع الدولة من مضمونها الأخلاقي.

عموم الحالة يجعل المعارضة تتحول إلي مجموعات ثورية لا تعرف متي وأين يجب أن تتوقف؟!، وبالتالي فإنها بإدراك أو بغير إدراك لا تنفك عن سحب الوضع العام إلي حالة اللادولة استنادا علي مخزون الفكر الإسقاطي والإقصائي الذي يسيطر على ذهنيتها العامة، وبهذا ترفض الدولة التي لا تعتبرها أساسا طرفا في الحوار بل إن الحوار لن يبدأ إلا بعد تحقق حالة الإسقاط تحت وطأة الشعارات الثورية.

في المقابل تجد الدولة نفسها طوال الوقت ولو معنويا كما لو كانت تحت التهديد بعمل إسقاطي فتمارس عمليات ليس للدفاع عن نفسها كمدير للسلطة بل للدفاع عن وجود الدولة.

 نقول إن حالة الزخم التي يمارسها من يعتبرون أنفسهم معارضين باتت لا تنشط إلا كرد فعل لحركة تمارسها الدولة.. ولا تجد مبادرة تشمل دعوة للحوار بل تجاهر أن هذا الحوار سيمنح النظام صفة الشرعية التي قد منحت له بقوة الفعل الانتخابي للإرادة الشعبية، وبرغم ذلك لا تتحرك المعارضة إلا بعد أن تبادر الدولة بالحركة فإذا ما انتهت حالات السياسة الصريحة المباشرة كالانتخابات أو الاستفتاءات فإنك تجد هذه المعارضة قد اختفت تماما بينما ما زالت الدولة منشغلة بمساراتها الاجتماعية والاقتصادية، لكن المواطن يظل تائها بسبب الظهور الموسمي لهذه المعارضة ثم اختفائها المفاجئ فيظن خطأ أن هكذا حال الدولة التي لا يمكن أن تختفي أبدا لكن المواطن يبقي تائها حائرا بعدما تورط بفعل بعض تيارات المعارضة التي يبدو لا تملك سوي الاختفاء بعد أن ثبت عجزها أن تكون مكونا رئيسيا في وعي المواطن وليس في تغييب الوعي.

بينما  يكون متاحا لهذه المعارضة الموسمية أن تحصل علي إجازاتها السياسية في الوقت والمدة التي تحددها ، فإن المواطن ليس متاحا أمامه أن يحصل علي إجازة من همومه أو السعي علي مصالحه ، وبالتالي فإن عملية الفراغ والتفريغ التي تحاول المعارضة صناعتها تجعل مساحات وجدان ووعي المواطن مستباحة أمام تيارات الخداع السياسي باسم الدين بعدما مارست المعارضة عمليات تشويق وإثارة دون عطاء فتأتي تيارات الظلام لإشباع احتياج المواطن المخدوع بأن الدولة لا تعمل لصالحه.

تراكم هذه الحالة من الخطورة بما كان وبما قد يؤدي إلي الدوران في حلقة مفرغة تحيط بوعي المواطن وحاجته.

إذن ما تفعله المعارضة في الحقيقة هي عملية تفريغ.. عملية تخلية لوعي المواطن ليصبح متصحرا سياسيا ومتاحا لعملية شحن إخوانية بأشكال متعددة، ليس بهدف الحشد التنظيمي بقدر ما هي بهدف مراكمة الغضب والسخط في وجه الدولة.

المفارقة هنا أن تتحول هذه المعارضة من أصلها كمكون حيوي في البنيان السياسي للدولة إلي أداة تنظيمية هادمة لهذا البنيان دون أن تشعر.

تذكر من هذه اللحظة ولا تندهش عندما تجد محاولات إخوانية تتسلل إلي مساحات الوعي المنهك محمولة علي أكتاف وسواعد عبث منتحلي صفة المعارضة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة