الدكتور محمد داود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس
الدكتور محمد داود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس


اللقاء الثالثة

«داود» يكتب «أنا والملحد»..هل الله يغوي خلقه لفعل الشر؟

بوابة أخبار اليوم

السبت، 11 مايو 2019 - 05:20 م

في سلسلة مقالات للدكتور محمد داود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس، يسلط الضوء على قضية الإلحاد، من خلال الرد على تساؤلات وردت بالفعل، ننقلها لكم يوميًا.

عمل في  البداية على نشر هذه التساؤلات عبر صفحة على موقع «فيسبوك»، تحمل اسم « الملحدون يعترفون»، ثم أشار عَليه بعض أصحابه بسلسلة تجمع خلاصة هذه الحوارات فى كتاب لتكون متاحة لمن لا زالوا يفضلون النسخة الورقية للكتاب على النسخة الإلكترونية.

وإلى تفاصيل اللقاء الثالث:
«كثيرا ما يقف الشباب المعاصر أمام بعض آيات القرآن حيارى بسبب ضعف حسهم اللغوي وقلة الزاد من قواعد اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ودائما نؤكد أنه من حق الشباب أن يسأل ومن الواجب على أهل العلم أن يبينوا بالحجة والبرهان»


من هذه الأسئلة قول بعضهم:
س:عندما قرأت هذه الآية:
{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)} [الحجر: 36-40]. 
قفز سؤال إلى عقلي يحيرني: «يقول الشيطان لله عز وجل {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} هل الله هو من أغوى الشيطان كي لا يسجد ويقوم الخلاف بينه وبين الإنسان؟ ولماذا يحدث هذا؟ أو ما تفسير هذا؟! رجاء الإجابة وشكرًا».
ج: «عزيزتي، هذا باب في قواعد البلاغة العربية اسمه: فن المشاكلة، ومعناه ذكر الشيء أو المعنى بلفظ غيره لوقوعه في صحبته؛ لإيقاظ العقل ولفت الانتباه وبيان أن الجزاء من جنس العمل». 


و«لقد شاءت حكمة الحكيم أن خلق الإنسان حرًّا مختارًا، فالإنسان حيث يضع نفسه، فإن اختار الطاعة والذكر نال الجزاء المناسب»


لذلك «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» ومعنى «أَذْكُرْكُمْ» هنا ليست بمعنى «فَاذْكُرُونِي»، فَاذْكُرُونِي أي بالذكر القولي «سبحان.. الحمد لله... القرآن» إلخ، وبالذكر العملي، وهو فعل الطاعات والصالحات. 


«أما معنى، أذكركم: أي أذكركم بالتوفيق والقبول والتأييد والحفظ والمنازل العالية والدرجات الرفيعة يوم القيامة وهكذا».


بعد هذا التمهيد، نصل إلى الآية موضوع السؤال: 
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(40)} [الحجر: 39-40]. 
والقرآن كتاب محكم يفسر بعضه بعضه وبتدبر الآيات التي قبلها في سورة الحجر يظهر الحق، تدبري معي هذه الآيات: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)} [الحجر: 26-40]. 


وأقول بتوفيق الله: «بتدبر الآيات ترى أن الخالق بعد أن بَيَّن أنه من طلاقة قدرته أنه خلق نوعين مختلفين، كل نوع له نظامه الخاص في الخلق، وكما أن صانع الصنعة هو الأعلم بأفضلية صنعة على أخرى، فهكذا - ولله المثل الأعلى - الله أعلم بما خلق وبما خلقه له». 


و«هكذا شاءت حكمة الباري أنه خلق الجان من نار السَّموم، ثم الإنسان من صلصال من حمإ مسنون، وحين خلق الإنسان أمر الملائكة بالسجود لهذا المخلوق الجديد –الإنسان -  واستجابت الملائكة كلهم أجمعون لأمر الخالق الحكيم، لم يتخلَّف عاصيًا متمرِّدًا على الخالق إلا إبليس حيث أبى أن يكون من الطائعين، تكبُّرًا أو غرورًا لأنه رأى أنه خُلق من أصلٍ  - النار -  أَفضل من أصل خلقة آدم  - التراب - ولم ينظر إبليس إلى عظمة الآمر وحكمته». 


«فاستحق الطرد بمعصيته، واستوجب اللعنة لعناده وِكبْره ثم سأل الله بعد ذلك أن يمد له في البقاء إلى يوم الدين؛ فاستجاب الله له، وهكذا إبليس هو الذي اختار»، هنا قال إبليس {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39]. 


«أَغْوَيْتَنِي هنا في هذا السياق يفسرها كل ما ذُكر قبلها: إن إبليس اختار المعصية وسأل الله البقاء والإمهال إلى يوم القيامة فاستجاب الله له، فاعتبرها إبليس فرصة للانتقام من عدوه الذي تسبب (بحسب ظن إبليس) في طرده وَلعْنته» فقال: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39]. 
«لأُغْوِيَنَّهُمْ هنا بمعنى الإضلال وغواية الآخرين وإغرائهم بالشرور والفساد والفحشاء والمنكر والبغي». 


وبحسب القاعدة البلاغية في قواعد العربية: 
«يكون الذي سوَّغَ ذكر بِمَا أَغْوَيْتَنِي يعنى وصف الجزاء على المعصية بالغواية هو وقوع هذا المعنى في صحبة كلمة لأغوينهم، وفى هذا لفت للانتباه من جانب، ومن جانب آخر فيه بيان تدليس إبليس وتخبطه حتى في حواره مع الخالق؛ لأن الآية جاءت حكاية عن قول إبليس في حواره مع الخالق، وبهذا يتضح المعنى وتظهر المزية في أسلوب القرآن الكريم». 


وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ 
وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ 
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الْأَبْصَارِ
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة