دكتور محمد داوود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس،
دكتور محمد داوود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس،


محمد داود يكتب: لماذا يحاسبنا الله وقد كتب كل شىء؟

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 23 مايو 2019 - 11:53 ص

في سلسلة مقالات للدكتور محمد داوود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس، يسلط الضوء على قضية الإلحاد، من خلال الرد على تساؤلات وردت بالفعل، ننقلها لكم يوميًا.

 

عمل «داوود» في البداية على نشر هذه التساؤلات عبر صفحته على موقع «فيسبوك»، تحمل اسم «الملحدون يعترفون»، ثم أشار عَليه بعض أصحابه بسلسلة تجمع خلاصة هذه الحوارات في كتاب لتكون متاحة لمن لا زالوا يفضلون النسخة الورقية للكتاب على النسخة الإلكترونية.

وإلى اللقاء الجديد


عزيزى...
سؤالك: أين حريتى فى الاختيار إن كان الله قد كتب على الإنسان وهو فى بطن أمه كل شىء.. كتب أجله ورزقه, شقى أم سعيد... إلخ؟!
والجواب: لقد صرَّحت آيات القرآن الكريم بأن الإنسان مخيَّر, قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29], وقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]... إلخ.
وأما بشأن كتابة الله تعالى على العبد فهى كتابة علمٍ مسبَقٍ من الإله بطلاقة علمه وإحاطته بما يحدث فى المستقبل، يعنى هى كتابة علم وليست كتابة جَبْر وإلزام.
سنن إلهية:
وهناك أمور لم يصدر فيها أمر (افعل) أو (لا تفعل)، وهذه من عند الله, مثل ما فى الإنسان من حيوانية أو نباتية أو جمادية, يعنى الإنسان إذا ما أُلقى به من مكان عالٍ من فوق برج مثلًا سيسقط, لن يأتى عند الدور العاشر مثلًا ويقول: إلى هنا ولن أسقط.. لن يتوقف وسيسقط.
فهناك سنن وقوانين إلهية تحكم الجمادات كالجاذبية ونحو ذلك، وهذه القوانين ستتحكم فىه دون إرادة منه, وأيضًا خاصية النمو التى فيها هذه الصفة التى تكون فى النبات.
هل الإنسان عند العشرين مثلًا يقول: أنا سأظل عند هذه السن؟! لن يحدث وسيظل ينمو؛ لأن سُنَّة النمو ستجرى عليه, فهذه الأمور ليس فيها أمر وليس فيها نهى، وليس لك اختيار فيها.
فمنطقة الاختيار فيما فيه تكليف, (افعل ولا تفعل), أمر ونهى.
هذه المنطقة كتبها الله على الإنسان كتابة علم؛ لإحاطة علم الله تعالى، وليست من قبيل الجبر أو الإلزام.
مثال للتقريب:
ونضرب على ذلك مثالًا كان يضربه كثيرًا ـ سحائب الرحمة والرضوان عليه ـ فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، فيقول: كما يحدث فى توقع المدرس, عندما يقال له: كم عندك من الطلبة والتلاميذ؟ ماذا تتوقع لهم فى الامتحان هذا العام؟ فيقول: عندى الطالب فلان هو ممتاز, وفلان وفلان جيِّد جدًّا، وفلان جيد, وتأتى النتيجة وفق توقع الأستاذ. 
هل الأستاذ قال لمن رسب أن يرسب وأجبره على الرسوب؟
إذن التوقع علم وليس جبرًا وإلزامًا.
ومثل هذا أيضًا علم التنبؤات والتوقعات فى أمور المستقبل, مثل علم الأرصاد الجوية، فالطائرات تسير على إرشادات هذا العلم، والطائرة قبل أن تطير تستطلع وتسأل: هل هذه المنطقة آمنة؟ والأرصاد تجيب.
فإذا كان فى مقدور البشر توقع المستقبل الذى ليس منا ببعيد بهذه الدقة، فما بالنا بالخالق العليم بكل شىء: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
يا عزيزى، من صنع آلة فهو يتنبأ بمستقبلها وعمرها الافتراضي, وبسلوكها حين تضغط على هذا المفتاح، وحين يحدث كذا يحدث كذا...
إذن على العاقل أن يعطى الإله حقه من الصفات التى تليق به، ولا يتعامل ـ وهذه نقطة جوهرية ـ مع الإله على أنه من بين البشر.
إنه إله له طلاقة القدرة، وله إحاطة العلم، وله شمول العلم, وليس الخالق كالمخلوق أبدًا بحال من الأحوال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
إذن هى كتابة علم، وليست كتابة جبر وإلزام. 
وقد يقول قائل: إن الرزق فى هذه الحالة مقدَّر, وهذا قد يدعونى إلى التواكل وإلى عدم الأخذ بالأسباب؛ لأنه إذا كان رزقى مقدورًا فسيظل مقدورًا، أعملت أم لم أعمل. 
والجواب: لك حساب على ما تعمل، ولقد شاءت إرادة الخالق أن تكون هذه الدنيا كلها قائمة على الأسباب, فمن اتبع الأسباب وأحسنها وأجادها, فقد أحسن التوكل على الله ، وسوف يفيده هذا التوكل عونًا من الله ، وتوفيقًا من لدنه.
وقد نسمع بعضهم يقول: إذا كان ربنا كتب علىَّ أن أعصى فأنا عاصٍ. والجواب: لماذا لا تقول: ربنا كتب عليك الطاعة؟ ما الذى أعلمك أنه كتب عليك المعصية؟ ولماذا قدرت الشرَّ على نفسك؟ إن كنت تقدِّر فقدر الخير يا عزيزى، وفى الحديث القدسى يقول الله تعالى: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى» (متفق عليه).
يعنى كن إيجابيًّا حتى فى ظنك, كن إيجابيًّا فى تفكيرك, لترى الخير يا عزيزى، والله يعلمك هذا, إذن الكتابة هى كتابة علم بمعرفته سلوك هذا المخلوق؛ لأن الله هو الذى خلق ويعلم كل شىء... {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك: 14].
إذن حريتك موجودة ومكفولة، وما دمت حرًّا فعليك أن تتحمل المسؤولية, أنت حر فأنت مسؤول عن اختيارك.

 

اقرأ أيضًا...

محمد داوود يكتب: هل يمكن أن توجد منظومة أخلاقية داخل مجتمع إلحادي؟

«داود» يكتب: «أنا والملحد».. اعترافات وحوار لم ينته

محمد داود يكتب: «أنا والملحد».. صمتًا الكون يشهد

«داود» يكتب «أنا والملحد»..هل الله يغوي خلقه لفعل الشر؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة