حوش الباشا
حوش الباشا


من ينقذ «حوش الباشا» من اللصوص؟!

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 26 مايو 2019 - 10:53 م

 

حوش الباشا

 

تحول من مدفن للعائلة الملكية إلى مدافن صدقة!


المياه الجوفية أكلت جدرانه.. وتعديات على جانبيه فى عز الظهر


الآثار: أثر عظيم.. يحتاج إلى ميزانية كبيرة لترميمه

 

إلى متى تظل آثار مصر عرضة للإهمال.. متى نفيق من سباتنا العميق للحفاظ على آثارنا وتاريخنا.. متى نتحرك لإنقاذ ما تبقى من ذاكرة الأمة.. اليوم معنا مثال صارخ للإهمال الشنيع الذى يضرب آثارنا التاريخية.. إنه «حوش الباشا» أحد مقتنيات العائلة الملكية فى مصر والذى دفنت به معظم أفراد تلك العائلة وخاصة أبناءه وزوجاته.

 

الحوش يغرق الآن فى بحور الإهمال والنسيان.. فقد أكلت منه المياه الجوفية وأحاطته القمامة من كل جانب كما أن شواهد المقابر داخل الحوش تحطمت تماما.. «الأخبار» فى زيارة سريعة داخل حوش الباشا بمنطقة مقابر الإمام الشافعى بالسيدة عائشة لتنقل بالكلمة والصورة مظاهر الفوضى التى تضرب مقابر العائلة الملكية لعلنا نحدث شرخا فى جدار صمت المسئولين.

 

حوش الباشا يعتبر من أحواش الأمراء اشتراه محمد على باشا، ومؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامى 1805 إلى 1848 واستطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، مما جعل من مصر دولة ذات ثقل وعراقة فى تلك الفترة، إلا أن وضعها هذا لم يستمر كثيراً بسبب ضعف حلفائه وتفريطهم فى ما حققه من مكاسب تدريجياً إلى أن سقطت دولته فى 18 يونيو سنة 1953 م، بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فى مصر.

 

ومن هنا تبدأ جولتنا فى حوش العائلة الملكية لأسرة محمد على باشا بمنطقة الإمام الشافعى.. فقد اشتراه محمد على حينما توالى عليه وفاة أبنائه فى حياته، إلى أن اجتمعت العائلة جميعها فى تلك الحوش، وظل محمد على فى وحدته حتى فى قبره يدفن بمفرده فى مسجد محمد على بالقلعة.

 

ووسط تلك الجموع الكبيرة من المقابر تحتضن فى وسطها مقبرة أبناء وأحفاد والى مصر وصاحب النهضة الحديثة محمد على باشا لكن من الغريب أنها تلك المقبرة الوحيدة التى تقبع فى مكانها يكسوها الحزن ولا تجد من يقرأ الفاتحة على أرواح من تحتضنهم من أفراد العائلة الملكة.

 

ولا يقتصر الأمر على قراءة الفاتحة ولكن الأخطر من ذلك أنك منذ وأن تصل أمام الحوش وترى جموعا من القباب تعلوه تشعر بشماخة وعظمة المكان ومن به ولكن بعد أن تخطو الباب وتتجه إلى الحجرات الداخلية تلاحظ تصدع الجدران وارتشاح مياه على الحوائط وسقوط بعض شواهد المقابر وتصدع بعضها، وارتشاح الأخرى مما أدى إلى انفجار الرخام وتشققه من عليها وانتهى به الأمر إلى تغطيته بلوح من الخشب ليس أكثر ولم يفكر أحد فى ترميمه أو محاولة إصلاح ما فسد حفاظاً على الأثر.


ميزانية ضعيفة!


وأعرب أحمد مطاوع مدير تطوير المواقع الأثرية «أن الحوش مسجل أثرا لكن عمليات الترميم تحتاج إلى ميزانيات عالية لترميمه، فى حين أن وزارة الآثار قائمة على ميزانية ذاتيه ولا توجد أموال كافية ولكن نسعى نحو الحفاظ على الأثر».


وفى جولة «الأخبار» داخل حوش الباشا أوضح لنا محمد سعيد مدير آثار منطقة الإمام الشافعى والمشرف على الحوش قائلاً: «إن ذلك الحوش خصص لمدافن أسرة محمد على باشا أنشئ على مساحة مستطيلة الشكل لها واجهة واحدة رئيسية هى الواجهة الغربية تطل على شارع الإمام الليثى فى منطقة الإمام الشافعى تحديداً خلف ضريح الإمام الشافعى وهى المقبرة الوحيدة الموجودة فى المنطقة التى يوجد حارس على بابها ومسجلة كأثر وتذكرة المكان لا تتعدى 5 جنيهات لكن مع الأسف نادراً ما يأتى أحد إلى المكان ويكاد يكون غير معروف.

 

من الراقدون؟


واستطرد لنا محمد سعيد قائلاً: «إن أول غرفة فى واجهة المدخل فهى غرفة مستقلة تقع فيها مقبرة شفق هانم أم الخديو توفيق وزوجة الخديو إسماعيل فهى كانت من إحدى جوارى القصر إلى أن تزوجت من الخديو إسماعيل وأنجبت منه ابنه توفيق صارت أميرة من أمراء القصر.


أما الغرفة الكبرى التى تجاور غرفة شفق هانم فتقع فيها مجموعة شواهد مقسمة بين أسر إبراهيم باشا والذى يستقل مدفنه فى غرفة أصغر من شقيقته وإلى جواره مدفن زوجته ويليه مدفن ابنتهما الصغرى ذات الثلاث سنوات.

 

وفى الناحية الغربية تقع مقابر أسرة إسماعيل باشا ثم مقابر أسرة طوسون باشا وحرمه وتليها مقابر الخدم والحشم تقع بخلفهم، ومجموعة من المماليك يبلغ عددهم 40 مملوكاً يقال إنهم من ضحايا مذبحة القلعة التى وقعت فى 1811م، والبعض يروى لنا بأن المكان كان فى البداية مختصا بمقابر المماليك إلى أن اشتراه محمد على لعائلته.


وإذا تأملت الباب الرئيسى للمقبرة تجده من الرخام ويغطى سقفها قبة محمولة على أربع مناطق انتقال وقام محمد على باشا بشراء هذا الحوش سنة 1805م ليبنى عليه مدفناً له ولأسرته حيث بنى هذا المدفن فى أول الأمر بسيطاً يتكون من قبتين ليدفن فيه أفراد عائلته وبعض من رجال دولته.


وعندما مات ابنه طوسون وكان عمره 22 عاماً نتيجة إصابات خطيرة أصابته فى إحدى المعارك، لكن محمد على باشا لعزة نفسه أنكر هذا السبب وأعلن أن مرض الطعون هو من قضى على حياة طوسون، لذلك قام محمد على باشا بعمل تركيبة فخمة وضعها فوق قبره أحاطها بمقصورة من البرونز، وتم بناء سبيل عرف باسم سبيل الوسية أو السبيل الأحمر كما قام بعمل تجديدات وإصلاحات بسور مجرى العيون استطاع من خلالها توصيل المياه إلى الإمام الشافعى والمدافن.


وفى سنه 1883م قام الخديو توفيق بإنشاء حجرة أخرى فوقها قبة لتكون مدفنا لوالدته، كما أنشأ أيضا البهو الذى يتقدم حجرة دفن والدته.. وفى عهد الملك فاروق تم عمل عدة أعمال إنشائية حيث تم بناء المدخل الرئيسى للمدافن وقبة المدخل والدهليز المؤدى إلى المدافن كما أحاط المدافن من الخارج بسور من الحجر.


وأكد محمد سعيد أن «من أبرز من دفن فى هذه المقابر هو إبراهيم باشا ابن محمد على القائد العسكرى الذى قاد الجيوش المصرية حتى وصل بها إلى مشارف القسطنطينية عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك، وضريحه يتكون من ثلاثة طوابق هرمية من المرمر الإيطالى، ومنقوش بالكامل من القاعدة الأرضية حتى أعلى الشاهد بأشكال نباتية وعربية على الطراز الإسلامى ويمثل فى بنائه وزخارفه وحدة هندسية متكاملة الشكل فى تناسق هو غاية الروعة والكمال.

 

ويعلو الضريح شاهدان للقبر الأول كتب عليه أبيات الشعر والمدح والرثاء، والآخر كتب عليه تعريف بصاحبه باللغة التركية ويعلوه الطربوش التركى باللون الأحمر.. حيث يعلو كل قبر تاج صغير أو كبير يدل أن هناك بنتا أو سيدة كبيرة تدفن بالمكان ومدافن أخرى يوضع عليها طربوش كبير أو صغير يشير بأن هناك طفلا أم رجلا كبيرا.

 

مشيراً إلى أن الحوش تعرض لسرقات وأعمال تخريبية خلال ثورة 25 يناير لكن حالياً يتوفر الأمن والأمان وترميمه يحتاج إلى ميزانية عالية جداً قد لا تقدر عليه الآثار لأن ميزانيتها محدودة وذاتية.


سرقة الحوش


وأكد لنا محمود محمد الحارس الخاص بالمكان قائلا: «إن ذلك الجزء من المقبرة الذى يصاحب بوابة الحوش الرئيسية على جانبيها يحوى مقابر تجرأت على أرض الحوش من بعد ثورة 25 يناير، فمنها مقابر صدقة ويخصص لدفن رجال من الأوقاف وآخرين من حراس المكان الذين سبقونى والمفتشين والمشرفين على المكان ومن وقت قريب دفن أحد مفتشى المكان فيه.. وتمت سرقة نجف المكان منذ الثورة.. لأننا حارسان ونبدل مع بعض واحد الصبح والآخر بالليل ليس أكثر، والمكان كبير يحتاج لعدد حراسة أكثر».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة