الحاجة «زينب».. مسنة تتوسل إعادتها للسجن مرة أخرى
الحاجة «زينب».. مسنة تتوسل إعادتها للسجن مرة أخرى


الحاجة «زينب».. مسنة تتوسل إعادتها للسجن مرة أخرى

د.محمد كمال

الأربعاء، 29 مايو 2019 - 05:47 م

لم تفرح بخبر خروجها من السجن مثل باقي زميلاتها، فنصف عمرها وشبابها قضته خلف الأسوار المغلقة، 25 عامًا هو العمر الذي قضته الحاجة زينب داخل سجن النساء، أما عمرها الآن فتجاوز السبعين، ولكن مأساتها أضافت لها عمرًا فوق عمرها الحقيقي.

 

عندما اقتربت لحظة خروجها من السجن، أسودت الدنيا في عينيها، وتمنت الموت قبل مغادرة الزنزانة، ولم يكن أمامها أي اختيار سوى أن تعيش وتنتظر مفاجآت الدنيا وماذا ستفعل بها أو معها؟.. الحاجة زينب دخلت السجن في ثمانينيات القرن الماضي بتهمة تجارة المخدرات، وسواء كانت بريئة أو مظلومة فقد قضت فترة عقوبتها كاملة حتى بلغت من العمر أرذله، وحين خرجت وجدت دنيا غير التي كانت تعرفها، جميع الأبواب موصدة في وجهها، ملامح وجهها تؤكد أن لها مع الحزن والألم صولات وجولات.

 

باتت الحاجة زينب تتمنى أحد أمرين إما العودة إلى السجن مرة أخرى لتعيش حياة كريمة أو توفير مأوى يقيها برد الشتاء ويحميها من حرارة الصيف، أما موعد وفاتها فلم يعد يعنيها فهي وكما تقول عن نفسها تشتهى الموت بسبب ظروفها ولكن لم تنجح في الحصول عليه.


 
قصة الحاجة زينب، بدأت بالألم والدموع عام 1984، حيث كانت وقتها متزوجة من رجل بسيط، وأثمر زواجها عن طفلين ابن وابنة، وبسبب الظروف الصعبة، قررت زينب النزول للعمل لمساعدة زوجها على أعباء الحياة، وبشكل أو بأخر تعرفت على سيدة عرضت عليها العمل كجليسة لإحدى السيدات في لبنان، وبعد تفكير عميق وافقت على العرض والسفر، وجهزت أوراقها وحملت حقائبها وغادرت البلاد، ورغم أن هذا العمل لم يختلف كثيرا عن عملها بمصر ولكن هناك كان هذا العمل يدر عليها دخلًا كبيرًا، واستمرت بها الحياة هكذا طيلة العام المتفق عليه حتى حان وقت رجوعها مرة أخرى لمصر.


الحقيبة المشؤمة


قبل عودة زينب لمصر، حدث شيء غريب، فالسيدة التي كانت تعمل لديها طلبت منها توصيل حقيبة لأحد أصدقائها بالقاهرة، وأخبرتها أن هذه الحقيبة تحتوي على مجموعة من الهدايا والأقمشة، وبالطبع وافقت ولم تشك ولو للحظة في أي شئ خصوصًا بعد أن أغدقت عليها السيدة التي لديها بالمال الكثير نظير توصيل هذه الحقيبة وأقنعتها أنها بمثابة مكافأة نهاية الخدمة. 


كارثة في مطار القاهرة

 

مرت الإجراءات الرسمية في مطار بيروت كأسهل ما يكون بسبب توصيات سيدة الأعمال اللبنانية، ولكن عندما وطأت قدماها مطار القاهرة بدا الوضع مختلفا، حيث استوقفها رجال الأمن وقاموا بتفتيشها، في البداية لم تهتم فكل ما يحدث كان إجراءات طبيعية ولكن فجأة وجدت ضابط المباحث ينظرون إليها ويصطحبونها لمكتب المباحث وعندما استفسرت عن السبب، أخبرها الضباط بأنها متهمة في قضية مخدرات وعندما أنكرت قام الضابط فتح الحقيبة التي تحملها وأخرج منها العديد من المواد المخدرة.

ألجمت المفاجأة الحاجة زينب ولم ينطق لسانها، بكت بشدة حاولت أن توضح لضباط المباحث حقيقة الأمر، وأنها فقط حملت الحقيبة دون معرفة ما بداخلها لتوصيلها لشخص ما، ولكن عندما استدلوا على هذا الشخص لم يجدوه لذا فأوراق القضية جميعًا كانت تشير إلى أن زينب مدانة، فتم إحالتها للمحاكمة حيث صدر ضدها حكم قضائي قضى بحبسها 25 سنة. 

 

تقول زينب: «أمضيت 25 سنة من حياتي في السجن حصلت في هذه السنوات على لقب الأم المثالية لمدة 13 سنة متتالية، وفي هذه الأثناء انقطعت أخبار زوجي وأولادي عنى ولا أعلم عنهم شيء وخرجت من السجن ولكن عندما خرجت كان كل شيء قد تغير، أشكال الناس غير مألوفة، الشوارع تغيرت ليست كما تركتها، الأماكن كلها مختلفة حتى أسماء الشوارع تغيرت، وبصعوبة بالغة نجحت في الوصول إلى محل إقامتي القديم حيث منزل زوجي وأولادي ولكن اكتشفت أن زوجي توفى والمنزل تم بيعه أما أولادي فعلمت أن ابني توفي وابنتي تعيش مع زوجها في المرج».

 

عندما ذهبت إلى ابنتها كانت المفاجأة المحزنة «ابنتي طردتني وبقسوة، وبكيت بشدة بعد أن شعرت إنني فقدت ابنتي للمرة الثانية، ولكن هذه المرة للأبد ومنذ هذا التاريخ والشارع هو المأوى الوحيد لي، الدنيا كحالها معي دائما مظلمة، والشيء الوحيد المضيء في حياتي كان تبرع أحد الأشخاص لي بكشك ليكون مصدر رزق؛ لكن حالتي الصحية تدهورت، والنوم في الشارع أصابني بالأمراض».

 

انتهى كلام الحاجة زينب ولكن لم تنته مأساتها فبصرف النظر عن موقفها في القضيةـ سواء كانت مظلومة أو بريئة فالسيدة تعيش بالفعل مأساة حقيقة، وهي في هذه السن، تطرق الأبواب علها تجد مسئولا يساعدها على إعادة إحياء مشروع الكشك بعد تراكمت عليها الديون وانقطعت يد المساعدة التي كانت تصل إليها من الجيران، أو لعلها تعود إلى السجن مرة أخرى لتجد قوت يومها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة