المهندس على أبو سبع خلال حواره مع محرر «الأخبار»
المهندس على أبو سبع خلال حواره مع محرر «الأخبار»


مدير عام «الإيكاردا»: خبرات 17 دولة فى خدمة الـ 1.5 مليون فدان.. والمعمل المتنقل أول الغيث

حازم بدر

الأحد، 16 يونيو 2019 - 10:15 م

 

المهندس على أبو سبع مدير عام «الإيكاردا» :


أتطلع لحسم صلاحية «القمح الفرعونى».. وسنطلب من الآثار تزويدنا بعينات


نبدأ قريباً مشروع خلط الرغيف بالشعير.. ونجاحه يخفض استيراد القمح للثلث

 

هل هناك علاقة بين الهندسة المدنية والأبحاث الزراعية؟.. ظل هذا السؤال يلح على ذهنى وأنا أقطع الطريق باتجاه حى المعادى للقاء المهندس على أبو سبع مدير عام المركز الدولى للبحوث الزراعية فى المناطق الجافة «إيكاردا» ، والذى خطت المنظمة الدولية مع بداية توليه المسئولية فى 2016 خطوات كبيرة لتعزيز وجودها فى مصر من خلال افتتاح مقر إقليمي لها بهذا الحى الهادئ.

 

قفز هذا السؤال إلى الذهن للوهلة الأولى من بين سطور سيرته الذاتية، والتى تعلن عن أن المواطن المصرى القابع على رأس المؤسسة الدولية الأكبر والأهم فى مجال البحوث الزراعية تخصصه الأساسى هو الهندسة المدنية التى حصل على ماجستير فيها من جامعة ولاية ميتشغان الأمريكية.

 

وفى حواره مع «الأخبار» يكشف المهندس أبو سبع عن الأصناف الجديدة المقاومة للحرارة والمتحملة لظروف الجفاف التى ساهمت الإيكاردا فى استنباطها بمصر، كما يكشف عن المشروعات الجديدة فى مجال تطوير رغيف الخبز وأجاب على السؤال الصعب هل يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح.. وإلى نص الحوار.

 

> بعد عامين على افتتاح المقر الجديد للإيكاردا بالقاهرة، هل كان ذلك يعكس توجها جديدا للمنظمة تجاه مصر لم يكن متاحا فى الماضي؟


- يصمت المهندس أبو سبع لوهلة ينظم خلالها أفكاره قبل أن ينطلق لسانه قائلا: فكرة تعزيز تواجد الإيكاردا فى مصر من خلال افتتاح مقر اقليمي لها جاء من منطلقين، أولهما أن مصر تشهد مرحلة من التوسع الزراعى بهدف تقليل الفجوة بين الإنتاج الزراعى والاستهلاك، وهو أمر بات ملحا فى ظل انحسار الرقعة الزراعية فى الدلتا والزيادة السكانية وثبات كمية المياه.


واستخدمت مصر فى هذا الإطار إلى أدوات غير تقليدية بالاتجاه إلى الأراضى الجديدة والاستفادة من مصادر غير تقليدية للمياه، ويتطلب ذلك طريقة غير تقليدية فى الزراعة واستخدام اصناف من الحبوب لها القدرة على تحمل الملوحة والحرارة، بالتالى أصبحت متطلبات التنمية الزراعية الحالية تختلف عن المنظومة التقليدية، فكان من الطبيعى أن تعظم الإيكاردا من تواجدها بمصر استشعارا منها للدور الذى يمكن أن تقوم به فى دعم هذا التوجه.


أما عن المنطلق الثانى الذى دعم هذا التوجه عند الإيكاردا، فيتمثل فى الاصلاحات الاقتصادية فى الفترة الاخيرة والذى جعل من مصر منطقة جاذبة للاستثمارات والمؤسسات الدولية التى وجدت فيها البيئة المناسبة للعمل من حيث الخدمات البنكية والبنية التحتية الجيدة فى مجال الاتصالات، والاستقرار السياسي.


>  وما هو الفرق بين مقركم فى القاهرة ومقر لبنان؟


- المقر الرئيسى للمنظمة يوجد فى لبنان، وقد انتقلنا إلى هناك بعد أن حرمتنا الأوضاع فى سوريا من التواجد فى مقرنا الرئيسى هناك، ولكن مقرنا فى القاهرة هو مقر إقليمى يلعب دورا هاما فى تنفيذ الأجندة البحثية للإيكاردا، ويعمل فيه الآن حوالى 80 باحثا فى مجالات الاستشعار عن بعد، الموارد المائية، التدريب وبناء القدرات، الاقتصاد الاجتماعى، التكنولوجيا الحيوية.. وهذا العدد من الباحثين يزيد حوالى 8 أضعاف عن وضعنا السابق فى مصر، حيث كان يوجد مقر صغير يعمل فيه 10 باحثين فقط.


مشروع المليون ونصف فدان


>  من بين التصريحات الصحفية القليلة لك، تصريح تتحدث فيه عن استعداد المنظمة لدعم مشروع المليون ونصف فدان بمصر.. هل أخذتم خطوات واضحة فى هذا الاتجاه؟


-  مشروع المليون ونصف فدان، هو أحد الأمثلة الحية للتوسع فى المناطق الزراعية التى توجد بها مواصفات مختلفة من حيث ملوحة التربة والجفاف، وقد وقعنا مذكرة تفاهم مع شركة الريف المصرى لتصميم برنامج دعم لأجندة الشركة من خلال توفير حبوب تنمو فى هذه المناطق الصعبة، فنحن لدينا خبرة اكتسبناها من العمل فى 17 دولة، فمثلا عملنا فى مناطق بالاردن بها شح فى المياه، وفى اوزبكاستان عملنا فى تربة تعانى من مشكلة الملوحة، وهذه ظروف مشابهة لأراضى المليون ونصف فدان، وستكون الخبرات التى جمعناها فى خدمة المشروع.


بنك الجينات


> وهل سيكون لمشروع المليون ونصف فدان نصيب من بعض الأصول الوراثية الموجودة فى بنك الجينات الخاص بالإيكاردا؟


- تستطيع أن تلمس سعادة المهندس أبو سبع بطرح هذا السؤال من مشاعر الحماس التى بدت واضحة على وجهه قبل أن يتحدث باستفاضة عن بنك الجينات قائلا: بنك الجينات ثروة لا تقدر بثمن، وهو يوجد فى مقرنا بسوريا، ولكن بعد الأحداث التى وقعت هناك قمنا بعمل نسخة كاملة منه يتم حفظها حاليا فى بنك الجينات العالمى فى «سفالبارد» بالنرويج التى توجد على مسافة 1200 كلم من شمال دائرة القطب الشمالي.


وتتضمن نسخ الإيكاردا المحفوظة فى هذا البنك العالمى جميع أصناف المواد الوراثية النباتية، سواء الأصناف الحالية أو الأصناف البرية وأقاربها، والتى لها أهمية خاصة، فهى أصل الأصناف الحالية وتحمل خصائص مقاومة للحرارة والجفاف تم تطويرها على مر السنوات بسبب الظروف الجوية التى مرت عليها، ويأخذ من هذه الأصناف بعض الجينات التى تعطى الأصناف الحالية خصائص مقاومة الحرارة والجفاف.


ورغم أن النسخة الموجودة فى «سفالبارد» مؤمنة بشكل كبير، إلى أن إدارة الإيكاردا، ولأهمية هذه الكنز الوراثى تقوم حاليا بعمل نسخة إضافية من خلال إنشاء بنكين فى المغرب ولبنان، حيث سيوضع فى لبنان الأصناف البرية، وهى أصل النبات، بينما سيوضع فى المغرب الأصناف الأحدث، وقد انتهينا حتى الآن من استنساخ 85 % من محتويات البنك، ومن المنتظر الانتهاء من هذا المشروع فى 2021.


مرض الهالوك


> وماذا عن تجاربكم الأقدم فى مصر مع محصولى القمح والفول؟


-  وكأنه كان ينتظر طرح هذا السؤال، فانطلق قائلا بعد أن الانتهاء من طرحه: تتذكر منذ عدة سنوات عانت مصر من مرض أصاب محصول الفول اسمه «الهالوك»، وقد نتج عنه انخفاض بشكل كبير فى انتاج الفول وصل إلى 80 %، وأصبحت مصر تستورد منه كميات كبيرة، باعتباره غذاء رئيسيا للمصريين باختلاف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية.


وقد نجحنا بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية فى استنباط أصناف مقاومة للمرض مصدرها بنك الجينات الخاص بالإيكاردا، وتمت تجربة هذه الأصناف فى أكثر من مكان بمصر، وهى تسهم حاليا فى استعادة مصر تدريجيا لحجم انتاجها السابق من المحصول.


ويجب الإشارة هنا إلى أن استنباط صنف مقاوم لا يعنى انتهاء المشكلة، لأن الأمراض التى تصيب النباتات تطور من نفسها دوما، ولذلك يجب أن تكون عجلة البحث العلمى دائرة بشكل مستمر لتسبق هذه الأمراض باستنباط الأصناف المقاومة، لأن هزيمة البحث العلمى فى هذا السباق تشكل خطرا كبيرا.


حلم الاكتفاء الذاتى


>  قبل ترك الحديث عن الفول.. هل يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى منه؟


- يصمت لبرهة قبل أن يقول: تحقيق الاكتفاء موضوع مهم ومعقد.. وليست له إجابة واحدة صحيحة، فيمكن أن تكون له20 إجابة وجميعها صحيحة، ولكن توجد إجابة مناسبة للوضع الحالى يتم تحديدها وفق مجموعة من المعطيات لا تتحكم فيها مساحة الأرض فقط، ولكن هناك أمورا أخرى مثل مصادر المياه والقدرة الاقتصادية للمواطن وظروف الدولة الاقتصادية، إذن هو قرار لا تملكه وزارة الزراعة فقط، ولكن تتداخل معها أكثر من وزاره.


وسأعطيك مثالا يوضح القصة، فمصر كانت مكتفية ذاتيا من الأرز، ولكن مؤخرا ولاعتبارات تتعلق بالمياه كان لابد من اتخاذ قرار تخفيض مساحات الأرز، وتعويض العجز الناتج عن ذلك باستيراد أصناف من الأرز مقبولة لدى المستهلك المصري.


وبالتطبيق على الفول، فتحقيق الاكتفاء الذاتى ممكن، ولكن قبل أن يتخذ قرارا مثل هذا، تكون هناك اعتبارات أخرى تتعلق بالمياه، وهل سيكون ذلك مجديا من الناحية الاقتصادية، أم أنه قد يكون من الأفضل الاستفادة من المساحات التى يمكن تخصيصها لهذا الغرض فى انتاج محاصيل للتصدير إلى الخارج.


رغيف الشعير


> بمناسبة الحديث عن خلط القمح مع محاصيل أخرى فى انتاج الخبز، هناك بعض الدول التى تخلطه مع الشعير، فهل تطبيق هذه التجربة ممكن فى مصر؟


-  ترتسم ابتسامة عريضة على وجهه قبل أن يقول: هذه الفكرة تحديدا خاطبنا الحكومة المصرية للعمل معا فى تنفيذها بمصر، وتم قبول الفكرة من حيث المبدأ وجار التفاوض على أدوات التنفيذ، والتى نسعى من خلالها للوصول إلى ادخال الشعير بنسبة 30 % مع القمح فى انتاج رغيف الخبز.


> وماذا عن تقبل المستهلك المصرى لهذا الرغيف المطور؟


- بالطبع لو أنتجت هذا الرغيف الآن، قد لا يباع رغيف واحد، ولكن الأمر يحتاج إلى حملة توعية تشارك فيها وزارة الصحة بتوضيح الفوائد الصحية للشعير والتى تفوق القمح بكثير من حيث الوقاية من سرطان القولون ومرض السكري.. كما يجب ادخال الشباب فى حملات التوعية باعتبارهم الأكثر مرونة والأكثر قدرة على تقبل الأفكار الجديدة، ولا يوجد ما يمنع من اشتراك بعض المطاعم الكبرى فى هذه الحملة بتوفير هذا المنتج لعملائها، فهذا سيكون دعاية جيدة له.


القمح الفرعونى


> قبل أن أترك القمح.. أود أن أعرف إلى أى مدى استطعتم مساعدة مصر فى مواجهة الأمراض التى تصيبه؟


- رغم أن مصر هى أكبر مستورد للقمح، لكن فدان القمح بها فى الوقت ذاته هو الأعلى انتاجية فى العالم، فمصر من أوائل الحضارات التى زرعت القمح منذ عهد الفراعنة، واللافت أنك تأخذ أصناف القمح التى تزرعها فى مصر وتحاول زراعتها فى دولة أخرى لا تعطيك نفس الإنتاجية، وهذا له علاقة بالموقع الجغرافي، وهذه ميزة حبانا الله بها، ولكن فى المقابل هناك تحديات تواجهنا وفى مقدمتها مرض صدأ القمح وهو مرض خطير عابر للحدود يأتى مع الرياح، ونجحنا بالتعاون مع الباحثين المصريين فى انتاج أصناف مقاومة له.


> بما أن مصر من أول الحضارات التى زرعت القمح.. هل يحتفظ بنك الجينات لديكم بأصول فرعونية لهذا النبات؟


- يصمت برهة قبل أن يقول: ربما سؤالك هذه مرجعه بعض الأخبار التى نشرتها وسائل الإعلام عن نجاح زراعة بذور من القمح لها أصول فرعونية، وهذا الأمر ليس له أساس علمى إلى الآن، ويقتصر الحديث عنه فى وسائل الإعلام فقط.


> كنت أقصد بسؤالى هو إن كنتم تمتلكون أصولا من القمح الفرعوني، فأنت أثناء حديثك عن بنك الجينات قلت أن لديكم أصولا وراثية من بعض النباتات تعود لآلاف السنين؟


- لا أظن أننا نملك أصولا من القمح الفرعوني.


> ولماذا لم تخاطبوا الآثار المصرية بذلك، فأثناء بعض الاكتشافات الأثرية يعثرون على حبوب قديمة من بعض النباتات مثل القمح وغيره؟


-  اقتراح طيب سنأخذه بعين الاعتبار، وقد يساعدنا توفير مثل هذه البذور فى حسم قضية القمح الفرعونى وهل يمكن بالفعل استخدام مثل هذه البذور فى الإنتاج، وهو أمر يثير اهتمامى وأتطلع إلى معرفته.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة