الكاتب الصحفي عمرو الخياط
الكاتب الصحفي عمرو الخياط


عمرو الخياط يكتب| الطـريق إلى ٣٠ يونيـو (٢-٢) 

عمرو الخياط

الجمعة، 28 يونيو 2019 - 10:50 م

في المــقــال الـسـابـق حـاولـنـا إبــطــال نـظـريـة الـشـرعـيـة الإخــوانــيــة المـزعـومـة، واسـتـعـرضـنـا كيفية تجسيد ثــورة يـونـيـو لـفـكـرة «الـثـورة عـلـى الــثــورة»، والآن سنستكمل شرح طبيعة ثورة يونيو وكيفية انطلاقها من رحم ما يمكن تسميته بـ«ثورة الدولة»، وكيف تحولت المحنة إلى منحة؟، وما الذي يستوجب وصفها بعملية إنقاذ شاملة؟، وكيفية تفجر الثورة ارتكازا على قاعدة التجربة المتكاملة التي كشفت حقيقة تنظيم الإخوان الذي قدم نموذجا عمليا لكل مساوئ هذا التنظيم التي ذكرها التاريخ ثم عاشها المصريون واقعا أليما، كيف كانت ثورة يونيو تحولا من النظرية إلى التطبيق ؟، وما الذي كان يمكن أن يجرى إذا فشلت هذه الثورة ؟، وقدرتها المذهلة بعد ذلك على الخضوع للدولة وترشيد المد الثوري انطلاقا نحو البناء؟.
بداية سنستعرض الـسـلـوك الرئاسي المعلن بداية لـلـمـعـزول مـحـمـد مـرسـى الذي انتهت صفته الـرئـاسـيـة في اللحظة التي بــدأت فيها عـنـدمـا صـمـم أن يـعـود إلــى مـوقـعـه التنظيمي داخــل الإخــوان كما لـو كـان قـد ظهر بمظهر ما يمكن تسميته بـ «الحارس الرئاسي» لدولة بحجم مصر أراد التنظيم أن يضعها تحـت «الحـراسـة التنظيمية» لتنفيذ تكليفات التنظيم الدولي وهـو كيان أجنبي ظـن أن دولـة بحجم مصر قد خضعت له.
منذ اللحظة الأولـى راح مرسى يرفض فكرة الخضوع للدولة التي يرأسها برفضه أن يكون حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا أمرا معلنا، فصمم أن يعيد الحلف أمام ميدان التحرير محاولا إعلاء «اليمين التنظيمي» على «اليمين الدستوري».
اتجه الرجل المأمور تنظيميا بعد ذلك إلى إصدار قرار بعودة مجلس الشعب الذى كانت المحكمة الدستورية قد حكمت ببطلانه وحله.
بعدها أصـدر الـرجـل قــرارا بـعـزل النائب العام بعدها بالمخالفة الصريحة للقانون، ثم تجلت حالة الخـروج على القانون عندما أصـدر إعلانا دستوريا تنظيميا ألغى به فكرة الدولة ليسحب المشهد العام من حالة» دولة القانون» إلى حالة «دولة الأمر الواقع»، هنا تحولت المحنة إلى منحة بعدما أدرك المصريون أن عليهم فـرض واقعهم الثوري لإعــادة المـشـهـد إلى واقــع الـدولـة وليس واقـع التنظيم ولتأكيد أن ما حدث لم يكن أبدا نـزوة ثـوريـة أو حـالـة مراهقة سياسية بـل حركة بدأت واضحة النضوج منذ لحظتها الأولى والتي جـسـدهـا الـهـتـاف «يـسـقـط حـكـم المــرشــد» وليس الرئيس الذي تخلى عن صفته الرئاسية والتزم صفته التنظيمية، ليكون مرسى أول من أسقط نفسه بنفسه ملتزما بالخضوع لمرشده.
ردا على الإعلان الدستوري الصادر في نوفمبر ٢٠١٢ كان الخروج الأول للمصريين، ليس خروجا على الشرعية بل ضد من خرج عن الشرعية، لقد كان خروجا سلميا إلا أن تعامل التنظيم مع هذا الخـروج من خلال ميليشيات معلنة كان إمعانا في إهدار فكرة الدولة فتحولت الحالة من السلمية إلى حرب شوارع ظهر فيها السلوك العصابى للتنظيم بوضوح وراحـت حالة استقطاب طائفي تتجلى بوضوح بعدما التفت جماعات الإسـلام السياسي حول تنظيم الإخوان وأصبحت الحالة تهدد السلام الاجتماعي تهديدا صريحا.
بـل تجـــاوزت الخـطـورة المشهد الظاهر عندما حـاول التنظيم اسـتـدعـاء مؤسسات الـدولـة الشرعية لتأمين خروجه عن الشرعية.
ساعتها لـم يكن الخــروج ضـد مـرسـى وتنظيمه ساعتها فقط بـل ضـد النخبة التي كانت سببا في الـتـوريـط بالجهل أو الخــداع، وبـقـدر مـا كان الخروج بقدر ما كانت حالة استدعاء الدولة.
منذ تلك اللحظة نستطيع أن نقول أن الشعب المصري أدرك حقيقة التنظيم الذي ظن أن بإمكانه تحويل الدولة المصرية كأداة لخدمة التنظيم، بل وإلى وسيلة من وسائل التنظيم الدولي الذي تديره قيادات أجنبية، فكانت النتيجة أن تعامل المصريون مع الحكم الإخوانى باعتباره نوعا من الاحتلال الذي اتخذ من المحلية الظاهرية غطاء لمخططه، وبالتالي تحولت الحركة المصرية إلى تطورها التالي من الفعل الثوري إلى فعل المقاومة.
لم تقتصر اللحظة على ذلك فحسب بل كانت اختبارا عمليا لوطنية مؤسسات وأجهزة الدولة التي راحت تنحاز لــــلإرادة الشعبية بـوضـوح معلن، وأصـبـحـت الإشـــارات والإيمـاءات والإيحاءات والرسائل ما بين الإرادة الشعبية
والدولة الصلبة. واضحة وظاهرة للجميع بمن فيهم تنظيم الإخوان وعلى ذلك تكون نظريتهم التي يرددونها عن ٣٠ يونيو باطلة تماما لأن ما حـدث هو فعل لم يكن سريا مفاجئا وإنما كان مرحليا وعلنا.
نعود إلــى مـشـاهـد الاتحــاديــة التي أعـقـبـت ما نعود وصــف بـالإعـلان الدستوري في محاولة لـلإسـقـاط مـن المشهد الذي جـرى والذي جسد الـسـلـوك الـعـصـابـى لـلـتـنـظـيـم، نـقـول لإسـقـاط المـشـهـد بـالـكـامـل نـحـو حـالـة تـخـيـل لـلـوضـع إذا فشلت ثورة يونيو، لنقول بكل يقين أن التنظيم كان سيدير منظومة انتقام كاملة وعنيفة وقاسية ضد الإرادة الشعبية وضـد مؤسسات الدولة في نفس التوقيت لنقول إن سلوك التنظيم المعلن والذي اتسم بالغباء الشديد ساعتها قد استفز غريزة الدفاع عن الـذات لدى آحـاد الناس الذي جـسـد اجـتـمـاعـهـم عـمـوم الإرادة الـشـعـبـيـة كما اسـتـفـز غـريـزة الـبـقـاء لــدى المـؤسـسـات الحاكمة فـتـوحـد الجـمـيـع عـلـى قــاعــدة الخــطــر الــداهــم المرتكزة على إيمان راسخ بضرورة إنقاذ الدولة.
نتجه الآن نحو العلاقة بـين ثــورة ٣٠ يونيو والـدولـة المصرية، لنقول منذ البداية إن الخروج الثوري لم يكن ضد النظام بل ضد التنظيم، الخروج منذ اللحظة الأولى كان نداء على الدولة واستدعاء لها واحتماء بها.
ولذلك فإن خضوع الحالة الثورية للدولة بعد أن تمت عملية العزل كان خضوعا منطقيا وهو الأمـر الذي بدا واضحا من حالة الاستجابة والالـتـزام بتعليمات حظر التجوال التزاما كاملا بعكس ما جرى عشية يناير ٢٠١١حيث كان الحظر صوريا وليس واقعيا، ليس ذلك فحسب بل تجلت الثقة في الدولة إلى حد احتضان الجموع الثورية للشرطة المصرية داخل ميدان التحرير بعد تصدعات في العلاقة منذ صدام الثامن والعشرين من يناير ٢٠١١.
بعد مـــرور ســت ســنــوات نـسـتـطـيـع أن نـقـول بعد إن ثــورة يـونـيـو هي بـحـق تجـسـيـد عملي لـثـورة الـدولـة التي واجـهـت خطرا داهـمـا على وجـودهـا فاستدعت كـامـل أدواتـهـا واستطاعت أن تـدمـج صـلابـة المـؤسـسـات مــع زخــم الإرادة الـشـعـبـيـة في لحــظــة تــوحــد نــــادرة لـلـفـطـرة والإدراك والغريزة الوطنية.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة