ثورة 23 يوليو
ثورة 23 يوليو


رغم مرور 67 عامًا .. ثورة 23 يوليو ستظل مشتعلة بوهجها الناصري

أ ش أ

الإثنين، 22 يوليه 2019 - 10:01 ص

في فصل الثورات البيضاء من الدستور العالمي للتحرر الوطني تتربع ثورة 23 يوليو منذ 67 عاما، ثورة لا تزال هي العلامة البارزة في تاريخ الوطن ونقطة تحول أساسية في مساره الوطني، بما قدمته من إنجازات وما أحدثته من تحولات جذرية، فقد غيرت ثورة يوليو وجه التاريخ المصري، وكانت عنوانا ونقطة التحول الأبرز في مسيرة الوطن، فلم تكن مجرد تحويل لنظام الحكم من ملكي إلى جمهوري بقدر ما كانت شرارة للتغييرات الاجتماعية، وارتقاء معنويًا بمفهوم التحرر الوطني وتحقيق استقلال البلاد، وجعلت من مصر والأمة العربية مشروعًا وسطيًا بمضمونه الحضاري قبل موقعه الجغرافي.

 

تميزت ثورة ٢٣ يوليو التي عرفت في بدايتها بالحركة المباركة، بأنها ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، وبأن من قام بها جيل من الضباط والشبان ، حيث كان تشكيل الضباط الأحرار ذا طبيعة خاصة لا تنفرد باتجاه معين ولا تنتمي لحزب سياسي واحد، فقد كان التنظيم يمثل مختلف الاتجاهات السياسية، وتميز بالمرونة وعدم الجمود في سياستها الداخلية لصالح الدولة، واتجاهها نحو تنفيذ المشروعات القومية.

 

ومازالت الثورة حتى يومنا هذا تقف بوهجها الناصري شامخة مرفوعة الرأس ، فقد رسمت ملامح الحياة علي وجه الوطن العربي لتبشر بانتهاء حكم المستعمر ، واستطاعت التأثير بقوة فى المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية محليا وإقليميا ودوليا ، فباتت أم الثورات العربية التي خرجت من رحمها.

 

جذوة ثورة 23 يوليو مازالت وستظل مشتعلة رغم مرور كل هذه الأعوام، حيث مثلت حدثا ضخما فى حياة المصريين والشعوب المحبة للحرية، وواحدة من أهم الثورات فى التاريخ الحديث، و نقطة تحول جوهرية فى تاريخ مصر، لما عبرت عنه من إرادة شعب وانتصار أمة، وبما أحدثته من آثار إيجابية غيرت وجه الحياة في المنطقة، وما ألهمته من انطلاق للعديد من الثورات وحركات التحرر الإقليمية، وعلى امتداد العالم الثالث في آسيا وأمريكا اللاتينية والتى طاقت شعوبها لنسائم الحرية .

لم تطح الثورة بالأوضاع السياسية وبالاستعمار فحسب، بل إنها غيرت المعادلة الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية فى مصر تغييرا جذريا ، بانحيازها لصالح الأغلبية العددية من المصريين، الذين لا يظهرون في صدارة المشهد ولا في بؤرته، لكنهم يذوبون عشقا في تراب مصر، إنهم ملايين المصريين الذين وقفوا بجانب الثورة وساندوها، فهي ثورة العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة التى عانت من الظلم والحرمان من العدالة الاجتماعية.

 

وما أن استقرت الثورة وأخذت تحقق أهدافها الستة، إلا وتصاعدت بالتوازي مع التغيير المجتمعي ثورة أخرى تمثلت فى النهوض الاقتصادي والأدبى والفنى والثقافى والفكرى ، عبر قرارات الإصلاح الاجتماعى والزراعى ، ومجانية التعليم ، وصولا إلى معاهدة الجلاء وكسر احتكار السلاح ، وقرار تأميم قناة السويس والصمود أمام العدوان الثلاثي ، وكان السد العالى حكاية شعب هزم المستحيل ، وإنشاء ١٢٠٠ مصنع للصناعات الثقيلة والتحويلية مقرونا بتوسع زراعى ، والتوسع فى مشروعات قومية فى مسيرة البناء ، وانطلاق مرحلة التنوير والثقافة بإنشاء مراكز الثقافة الجاهيرية.

 

٦٧ عاما لم ينس فيها التاريخ أن ثورة يوليو لم تكن حكاية الشعب المصرى فحسب ، بل كانت حكاية شعوب من الثائرين الذين رفضوا القهر والظلم وتمردوا على الاستعمار ، فكانت بوتقة انصهرت فيها حركات التحرر الوطنى فى العالم العربى وأفريقيا لتبقى مصر دائما قاعدة النضال والدفاع عن الحقوق المسلوبة ، و تحولت إلى حركة ملهمة للثورات الأخرى ، فحلم الثورة لم يقتصر على تحقيق الوحدة العربية ، لكنه كشف عن وجه مصر الإفريقى وانتمائها الاصيل للقارة، فساندت حركات التحرر في إفريقيا والعالم العربي وقادته نحو عهد جديد من العزة والكرامة، واستمرت فى تقديم الدعم اللوجيستي للدول المحررة على كافة الأصعدة.

 

إسقاط النظام الملكي، وإقامة حكم جمهورى كانا هدف الثورة المحدد منذ اللحظات الأولى ، فيما جاءت مبادئ ستة لتمثل عماد سياستها وخريطة طريقها، وهى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار القضاء على سيطرة رأس المال، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، و بناء جيش وطني، وإقامة عدالة اجتماعية.

 

ومن أهم قرارات مجلس قيادة الثورة فور إعلان الثورة على التوالى ، إعلان الدستور المؤقت فى ١٠ فبراير عام ١٩٥٣، وإلغاء النظام الملكى وإعلان الجمهورية فى ١٨ يونيو عام ١٩٥٣ ، و إعادة تشكيل لجنة مصادرة أموال وممتلكات أسرة محمد على فى ٨ نوفمبر عام ١٩٥٣، وحل جماعة الإخوان المسلمين في ١٤ يناير عام ١٩٥٤ وظلت الثورة على مدى 67 عاما ذات جذوة مشتعلة، أمجادها لا يستحيل طمسها أو إخفاء معالمها، ساعدت اليمن الجنوبي في ثورته ضد المحتل حتى النصر وإعلان الجمهورية، وساندت الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال، ودعمت حركة التحرر في تونس والمغرب حتى الاستقلال، ودافعت عن حق الصومال في تقرير مصيره ، وساهمت في استقلال الكويت، وقامت بدعم الثورة العراقية والسورية، وساندت الشعوب فى محاربة الاستعمار بكافة أشكاله وصوره في أفريقيا وآسيا.

 

إرهاصات الثورة ودلائلها الاجتماعية والسياسية كانت لا تخفي على أحد، فقد تضمنت التقارير البريطانية على مدى الأعوام من عام ١٩٤٥ إلى عام ١٩٥٠ مرور مصر بحالة من الغليان، وكانت تتحدث دائما عن وجود حالة سخط وتذمر داخل صفوف الجيش، ولم تأخذ القيادة البريطانية هذه التقارير مأخذ الجد، فحفلت تلك الفترة بالإضافة إلى سنوات ٣ أخرى بأحداث عنف واضطرابات اجتماعية، عززها عودة الوفد إلى الحكم، ثم حريق القاهرة في يناير عام 1952.

 

وفى 20 يوليو عام ١٩٥٣ أرسلت السفارة البريطانية في القاهرة تقريرا وصفته بالـ " سرى للغاية " لوزارة الخارجية البريطانية في لندن تناولت فيه بعض الشائعات "غير المؤكدة "، حول تحرك عدد من وحدات الجيش في اتجاه الإسكندرية، وما يقال حول رفض عدد من ضباط الجيش المصريين إطاعة الأوامر، وتطرق التقرير إلى احتمال قيام تمرد عسكرى، وكانت هذه هى المرة الأولى التي يشار فيها إلى مثل هذا الاحتمال، وما سيؤدي إليه من فوضى لا محالة، ثم توالت التقارير بعد ذلك حتى فجر يوم 23 يوليو.

 

ومع انطلاق الثورة نجح تنظيم الضباط الأحرار في السيطرة على الأمور والمرافق الحيوية فى البلاد ، وحدد البيان الأول الذي أذاعه أنور السادات عضو التنظيم فى ذلك الوقت أسباب قيامها ، حيث جاء فيه " اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم ، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين ، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد ، وتآمر الخونة على الجيش ، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا ، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج ، والترحيب".

 

ودعا البيان الملك فاروق إلى التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، على أن تكون إدارة أمور البلاد فى يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابطا "هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار" ، وغادر الملك فاروق مصر يوم 26 يوليو 1952 ، وألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في عام ١٩٥٤، و اكتسبت ثورة يوليو تأييدا شعبيا جارفا من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة. 

 

وكشفت عن توجهها الاجتماعى وحسها الشعبى مبكرا عندما أصدرت قانون الملكية يوم 9 سبتمبر 1952 ، فقضت على الاقطاع وأنزلت الملكيات الزراعية من عرشها، وحررت الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعى ، وأممت التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب، و ألغت الفوارق بي طبقات الشعب المصري وأصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصرى ، و قضت على معاملة العمال كسلع تباع وتشترى ويخضع ثمنها للمضاربة في سوق العمل ، وقضت على السيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي.

 

ومن الإنجازات السياسية المحلية لثورة ٢٣ يوليو تأميم قناة السويس ، استرداد الكرامة والاستقلال والحرية المفقودة على أيدي المستعمر المعتدي ، السيطرة على الحكم في مصر ، وإجبار الملك على التنازل عن العرش والرحيل عن مصر ، وإلغاء النظام الملكي وقيام الجمهورية ، و توقيع اتفاقية جلاء الإنجليز بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال ، وبناء حركة قومية عربية للعمل على تحرير فلسطين.

 

فيما تضمنت الإنجازات الثقافية ، إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة وإنشاء المراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديموقراطي عادل للثقافة ، وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته مدينة القاهرة ، و إنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية ، و رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية التي أنشأها النظام السابق ، وسمحت الثورة بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية. 

 

وشملت الانجازات التعليمية، مجانية التعليم العام و التعليم الجامعى، وضاعفت من ميزانية التعليم العالي، وأضافت عشر جامعات أنشئت في جميع أنحاء البلاد بدلا من ثلاث جامعات فقط، وأنشأت مراكز البحث العلمي وطورت المستشفيات التعليمية، ومن الإنجازات العربية لثورة يوليو، توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات العربية لصالح حركات التحرر العربية، حيث أكدت للأمة العربية من الخليج الى المحيط أن قوة العرب في وحدتهم ، يجمعهم تاريخ واحد ولغة مشتركة ووجدان واحد، وكانت تجربة الوحدة العربية بين مصر وسوريا في فبراير 1958 نموذجا للكيان المنشود.

 

ولعبت قيادة الثورة دورا رائدا مع يوغسلافيا بقيادة الزعيم تيتو، ومع الهند بقيادة نهرو في تشكيل حركة عدم الانحياز مما حقق لها وزنا ودورا ملموسا ومؤثرا على المستوى العالمي، ووقعت صفقة الأسلحة الشرقية فى عام 1955 والتي اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمي، ودعت إلى عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الافريقية والاسيوية في القاهرة عام ١٩٥٨ .

 

إنه قدر مصر أن تكون قطب القوة في العالم العربي، الأمر الذي فرض عليها مسؤولية الحماية والدفاع عن نفسها ومساندة من حولها من شقيقاتها العربيات٠

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة