طارق عبد العزيز يحكى أسرار من حياة الفنان مصطفى حسين
طارق عبد العزيز يحكى أسرار من حياة الفنان مصطفى حسين


فى ذكرى رحيل العبقرى الخامسة..

طارق عبد العزيز يحكي أسرار من حياة الفنان مصطفى حسين

د. طارق عبدالعزيز

الخميس، 15 أغسطس 2019 - 10:42 م

 

تمر اليوم الذكرى الخامسة لرحيل صانع البسمة وصانع الشخصيات التى أدخلت البهجة على قلوبنا.. صاحب كمبورة الانتهازي وفلاح كفر الهنادوة الخبيث، وقاسم السماوي الحاقد على كل شىء يقابله، وصاحب عبد الروتين والكحيت والكوماندا وجنجح ومطرب الأخبار، وعبده حريقه.. شخصيات مازلنا نعايشها وتعايشنا.. أبدعها بريشته وفكر الكاتب الكبير أحمد رجب.

الفنان مصطفى حسين رحل عن عالمنا فى 16 أغسطس 2014 .. ورغم مرور خمس سنوات كاملة على رحيله إلا أن أعماله مازالت باقية تمس قلوبنا .. تنقل وتشعر بالآم واحساس البسطاء .. ومن حسن حظى أننى عملت معه لفترة ليست بالقصيرة فى دار أخبار اليوم وخارجها.. وافتتح لى معرضين شخصيين للفنون التشكيلية فى عام 2011 ، وعام 2014 ، وهناك عدة مواقف حدثت بينى وبينه .. سأذكر بعضها

 

حاول تبتسم أغضبت الجنزورى!

مازلت أسمع صوته الرخيم يرن فى أذنى وهو يسألنى عن صفحة "حاول تبتسم" التى كانت تصدر أسبوعيًا فى الأخبار وكنت مسئولًا عن إخراجها الصحفى والفنى .. قائلًا : "أيوا ياطارق إيه أخبارك ؟" فأرد : الحمد لله ياريس كله تمام .. فيقول : ها أخبار الصفحة إيه .. ياترى خلصت .. ونزلت إيه فى باب الهواة .. وكان فى معظم الأوقات التى لا يستطيع ان يحضر للجريدة بسبب مرضه .. كان يطلب منى أن أصف له الكاريكاتير الموجود فى الصفحة والخاص بالفنانين عبد العزيز تاج وعمرو فهمى وأحمد عبد النعيم وأيضًا الخاص بالهواة .. وكان يسأل عنهم بالأسم ..

وأذكر فى إحدى المرات كان المرض اشتد عليه ولم يتصل بى كعادته ولم يرسل لى الكاريكاتير الذى رسمه لينشر فى الصفحة كالمعتاد .. وكان يترك لى هذا الاختيار عندما لم يرسل لى رسمه جديدة .. فاخترت كاريكاتير قديم له وكان هذا الكاريكاتير ينتقد الحكومة بطريقة لاذعة .. فوجدته يتصل بى فى وقت مبكر على غير عادته يوم صدور عدد الأخبار الذى يضم صفحة حاول تبتسم .. وقال لى ان  كمال الجنزورى رئيس الوزراء آنذاك اتصل به معربًا عن غضبه من الكاريكاتير الذى نشر فى الصفحة .. وطلب منى الأستاذ مصطفى حسين عدم نشر أى كاريكاتير ينتقد الحكومة فى تلك الفترة الحساسة إلا بعد العودة له .. فقد كان بينه وبين الجنزورى صداقة ومحبة .. ولأنه جاء رئيسا للوزراء فى فترة عصيبة .. وكان هذا إيمانا من مصطفى حسين بمساندة الحكومة فى الظروف الصعبة.

بكيت يوم حضر لإفتتاح معرضى !

 عندما أقمت معرضى الخاص "رؤية مصرية" بقاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا .. كان ذلك فى فبراير 2014 أى قبل رحيله بشهور قليلة .. طلبت منه على استحياء أن يحضر لافتتاح المعرض مع الكاتب الصحفى ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم .. وكنت أعلم تمامًا أن حالته الصحية ربما لا تسمح بذلك .. ولكنه وعدنى بأنه سيحاول أن يحضر .. وفرحت جدًا وبكيت فى آن واحد حين رأيته يحضر فى موعد الافتتاح .. وكان بكائى بسبب مالاحظته من صعوبة حركته لدرجة أنه لم يستطع أن يصعد عددا قليلا من درجات السلم ليشاهد باقى المعرض بالدور العلوى من القاعة .. هذا هو الفنان الكبير والإنسان العظيم مصطفى حسين الذى افتقدته كفنان وكأب استشيره فى أمور كثيرة غنية وغير فنية .. فقد كان لا يبخل على بأى نصيحة .

انتحال شخصية محمد المصرى :

 نال الرئيس الليبى جانبًا كبيرًا من سخرية مصطفى حسين وكان دائمًا يرسمه جالسا على "القصرية" كالأطفال وكان يعتبر القذافى تلك الرسومات بمثابة إهانة له كرئيس لليبيا وقد تسبب كاريكاتير مصطفى حسين اللاذع للرئيس الليبى بمنع دخول جريدة الأخبار ليبيا كما رصد القذافى مبلغ مليون دولار للتخلص من مصطفى حسين مما جعل الجهات الأمنية المصرية تفرض حراسة عليه بعد تأكدها بالفعل من التخطيط لاغتياله من جانب الرئيس الليبى .. ومن المواقف الطريفة التى حكاها لى مصطفى حسين أنه ذهب لألمانيا فى عام 1978 فى أجازة اعتداد عليها سنويا كان يقضيها فى أحد القرى الريفية هناك ولكن بجواز سفر مزيف باسم محمد المصرى والطريف أن الجهات الأمنية المصرية هى التى قامت بعمل هذا الجواز خوفا على حياته من الاغتيال ولا ينكر مصطفى حسين أنه كان قلقا فى تلك الفترة من تصرفات القذافى التى كان يصفه بأنه "رئيس مجنون وممكن يعمل أى حاجة" .. وقد استطاع الرئيس السابق حسنى مبارك بعد ذلك أن يتوسط بينهما ويصلحهما فى أحد زيارات القذافى للقاهرة .. فقد اصطحب مبارك معه مصطفى حسين وأحمد رجب لاستقبال القذافى بمطار القاهرة وتم حل المشكلة بالفعل وتم الصلح بلا رجعة ..

عامل البنك وصورة مصطفى حسين :

فوجئت مثلى مثل باقى عشاق مصطفى حسين يوم 7 سبتمبر 2010 بصورته الشخصية موضوعة أعلى الكاريكاتير الخاص به .. واستمر فى وضعها حتى وفاته فى اغسطس 2014 وكان يضعها بالألوان لفترة قصيرة ثم عدلها لأبيض واسود حتى لاتؤثر على الكاريكاتير أو بمعنى اصح حتى لا تجذب النظر عن الرسم .. وقد كان لدى حب استطلاع وشغف فى هذا الأمر فسالته بمكتبه عن السبب ولماذا الأن وليس قبل ذلك .. وكان رده بمثابة المفاجأة .. فقال لى كنت فى أحد البنوك بمنطقة الزمالك بصحبة المحامى الخاص بى وأنا على باب البنك سألت أحد العمال المتواجدين بمدخل البنك عن مكتب رئيس الفرع فرد "قدام شوية" ولم يتحرك من مكانه مما أزعج مصطفى حسين وقد تدخل فى ذلك الوقت الأستاذ بسيم محامى مصطفى حسين وشخط فى العامل قائلاً : انت مش عارف مصطفى بيه يابني ولا إيه فرد العامل والله ماأعرفه ومخدتش بالى يافندم .. وقفذ من مكانه بعد علمه بأنه مصطفى حسين رسام الأخبار واعتذر ثم اصطحبه لمكتب مدير البنك على الفور .. وبعد ذلك شعر مصطفى حسين رغم شهرته الواسعة  أن هناك من لا يعرف شكله فقرر وضع صورته على الكاريكاتير دون الرجوع لأحد واستمر فى ذلك حتى أخر رسمه له بالأخبار .

غرامة إجتماع أحمد رجب:

 كان اجتماع مصطفى حسين مع توأمه الكاتب الكبير أحمد رجب يوميا بمكتب الأخير فى الساعة الثانية عشر ظهرا وكان هذا الموعد بمثابة الأسرار العسكرية التى لا يجرؤ أحد على اختراقها .. ساعة كاملة يجلسان معا ليخرجوا لنا كاريكاتير ينتزع مننا الضحكة وأحيانا الألم .. وفى أحد الأيام شاهدت مصطفى حسين ينزل من عربيته قبل الوصول لمبنى الأخبار بسبب ازدحام الشارع وتكدس السيارات به وبالفعل ترك السائق وكان يخطو بسرعة لمحاولة اللحاق بالموعد المحدد مع الكاتب أحمد رجب وعندما سألته عن هذا الموقف رد بصوت منخفض وبابتسامة أن أحمد رجب أتفق معه على دفع غرامة عن كل دقيقة تأخير عن الموعد المحدد !!

بيكار ينقذه من مفرمة هيكل !

كان مصطفى حسين يعشق أستاذه حسين بيكار الذى يعتبره مثله الأعلى ولما لا وهو من تنبأ له بالنبوغ عندما كان طالبا بكلية الفنون الجميلة .. ولكن هناك سببا أخر كان يحتفظ به مصطفى حسين لنفسه فعندما تولى محمد حسنين هيكل رئاسة مجلس ادارة أخبار اليوم فى منتصف الستينات بجوار رئاستة لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ذهب إليه بيكار ليهنئة على المنصب الجديد فقال له هيكل أنه يريد أن يختصر عدد العاملين بأخبار اليوم وسوف يبدأ بالرسامين وطلب من الفنان بيكار كشفًا بأسماء الرسامين وكان يضم الكشف آنذاك أسماء كبيرة أشهرها صاروخان ورخا ومنير كنعان وتلاهم مصطفى حسين أصغر السامين سنا وأقترح الأستاذ هيكل الأستغناء عن مصطفى حسين .. وكان رد بيكار كالصاعقة : ممكن ترفدنى أما ولكن مصطفى حسين لأ .. ده هايبقى أهم رسام فى مصر , فرد هيكل : لهذه الدرجة .. ووافق على استمرار مصطفى حسين الذى بالفعل كما تنبأ بيكار أصبح علامة فى تاريخ الكاريكاتير والصحافة المصرية والعربية والعالمية .. ويقول بيكار عن مصطفى حسين : أنه انسان من الصعب اكتشافه فهو لديه طموح يفوق طموحات طلبة الكلية إذا تعدى التخصص الأكاديمى الى الجماهيرى من خلال الصحافة .. يتمتع بنبوغ لا ينضب وقد فرض نفسه دون الحاجة الى مساندة من أحد وأنا سعيد بأننى كنت واحدًا من أساتذته وبكل حب أقول أن قول مصطفى حسين أننى من أكتشفته هو تواضع منه !

 


 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة