إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

الثقافة الاستهلاكية

إبراهيم عبدالمجيد

الأحد، 18 أغسطس 2019 - 12:09 م

يتراجع الكتاب المطبوع فى العالم كله لصالح الكتب الالكترونية. وبين الكتب الالكترونية والكتاب المطبوع هناك الآن الكتاب الصوتى. والأخيران من إنتاج الميديا الحديثة وثقافة الإنترنت. إن من يقرأ على الإنترنت يحتاج إلـى لاب تـوب أو تـابـلـت جـيـد سـعـره آلاف الجنيهات بالإضافة إلى الاشتراك الشهرى فى الإنترنت. وبالاشتراك الشهرى وبجزء من قيمة اللاب توب يستطيع أن يشترى الكتب التى يريدها.

لماذا إذن يميل الشباب وبعض الكبار إلى الإنترنت أكثر من الكتب الورقية؟ لــم أجـــد الأمــــر منفصلا عــن الـرأسـمـالـيـة الجـديـدة الـتـى تتوحش فـى الإعــلانــات عن منتجاتها وعــن قنواتها ومواقعها المشفرة بحيث أصبحت السمة الكبرى للعولمة.

ربما لدينا يصبح الأمر عاديا فى بلد يعتمد على الاستيراد أكثر من الانتاج فى أساسيات حياته لكن لقد غلب الأمر حتى فى الدول المتقدمة. بل دخلت الدول المتقدمة التى تبدو بعيدة عن التوحش العالمى فى قلب التوحش العالمى. أوربـا ليست بعيدة عن الولايات المتحدة فى هـذا التوحش رغـم أن أمريكا تبدو الأولـى دائما. وشكل القارئ على الموبايل أو التابلت فـى المـواصـلات العامة أو فـى الحـدائـق هو نفس شكل الـقـارئ قديما للكتاب فى نفس الأماكن. لقد سافرت إلى أوربا أول مرة عام ١٩٩٢ ولم تكن الإنترنت قد توحشت كما هى الآن.

كنت أرى فى كل حديقة من يجلس وحده يفتح كتابا يقرؤه وكذلك الأمر فى المترو أو القطارات أو على الشواطئ. تماما كما كنا نفعل فى مصر. مع تعدد زياراتى لم أعد أرى إلا من يقرأ فى التابلت أو الموبايل رغم أنى حين أدخل المكتبات أجد من يشترون الكتب. أين يقرءونها؟ لابد فى بيوتهم. وحين أدخل المكتبات القديمة أجد الزحام عليها شديدا. تماما كما هو لدينا فى سوق الأزبكية.

إذن كيف اختفى الكتاب من المواصلات والحدائق والشواطئ مـادام هناك من يشترى الكتب؟ لا تقل لى إنه صارت للكتاب قداسة ومن ثم فقراءته فى البيت هى الأفضل. هى العادة الجديدة استلبت القراء لأنه مع الكتب المحولة إلكترونيا هناك لحظات يدخل فيها المشاهد إلى الأخبار التى بدورها صارت أكثر سرعة وأكثر إثـارة فى العناوين التى فى بلاد مثل بلادنا كثيرا ما يكون لا علاقة لها بالموضوع. أستطيع أن أعطيك أكـثـر مـن مـثـال يجعل الـقـارئ على التابلت ينشغل بفتح الموضوع تحت العنوان بينما لو كـان فى يـده جريدة لن يفتحها لأن تحت العنوان يوجد الموضوع وسيعرف من أول سطر أن العنوان مضلل. رغـم ذلـك لا يكف قــارئ الإنترنت عن تتبع الأخبار بين قراءته لكتاب ما تحت أثر التوقع للغرائب بينما حين ينفرد المرء بكتاب ورقى لا يتركه للأخبار إلا إذا قرر تكملة القراءة فيما بعد، فلن يستطيع ولن يفكر أن يكون وقته بين الكتاب والأخبار معا. لقد نجحت الرسمالية المتوحشة فى استلاب القارئ رغم أنه يدفع فى الإنترنت شهريا ما يمكن أن يدفعه فى الكتب.

وفى بلاد مثل بلادنا يكون الدفع مضاعفا لأن الانترنت بطيئ ويتم استهلاكه فى انتظار أن تستجيب المواقع ففى اللحظة التى تقتح فيها الموقعيبدأالعدفىالاستهلاكوليسمهًّما بعد ذلك إذا استجابت المواقع أم لا. المهم أنك دخلت على الانترنت ولا يمكن طبعا قياس الاستهلاك بما تقرأ لكن بما يمضى من وقت بحثا عن القراءة. هل التفكير فى التكلفة يعيد الناس إلى الكتاب الورقى والصحافة الورقية؟ لا أظن الآن. الأمـر متروك للزمن. يأخذنى الخيال إلـى القول بـأن التوحد فى القراءة على الإنـتـرنـت سيجعل البشر لهم سحنة واحدة وعيون واحدة وجبهات واحدة تتحرك أصابعهم بحثا فى الفراغ عن العدم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة