سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الأخبار

نظرية.. فى المسألة "التوكتوكيه"

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 18 أغسطس 2019 - 12:16 م

عندما عبر أمامنا هـذا الغلام بسيجارته فى فمه على طريقة نجوم السينما.. واصوات الكاسيت تزلزل المكان من التوك توك الذى يقوده.. جاءت فكرة الموضوع.. ولكنها لم تشحشع فى رأســى.. الا عندما كشف لى الاسطى »هانى زوايا« وكنت اجلس معه فى ورشته.. كشف لى ما غاب عنى فى خبايا المسألة »التوكتوكيه« وقد وجدت فيها مما يقال وما يجب كشفه.. والناس على قدر شكواها من هذه المركبة التى تحولت إلى ما يشبه القطط السوداء فى الليلة المظلمة.. لن تجد ما يدلك عليها.. الا لمعان العين.. وبرغم الشكوى تنمو وتتكاثر وتتوغل.. وقد تأتيك وانت فى سيارتك أو مواصلاتك أو على قدميك من بين يديك أو من خلفك.

حتى قال أحد الاصدقاء: عندما أعود إلى منزلى أخشى وأنا أخلع بنطلونى أن يسقط من جيبى »توك تـوك«.. كلبش فى ملابس وسط الزحام قال لى الاسطى هانى فى نطريته إن المسألة ليست فى فوضى الـشـوارع.. لكن ما هو أخطر ان هذا الفتى هو بحق ما يكسب يتحول إلى رجل قبل الآوان.. ويستكمل اركان هذه الرجولة الكاذبة بالتدخين والبانجو وتوابعهما من اشكال »القرب« المختلفة إلى حد الادمــان.. واذا دارت الدماغ فهو يتجاوز الحـــدود.. وتأتى جرائمه العديدة نتيجة طبيعية.. لكل مـا سـبـق.. وفـى كـل منطقة لهم جــروب على »الفيس بوك« فاذا ما دعى الداعى عند أدنى مشكلة خرجوا كأنهم الجراد المنتشر للعون قبل ان يعرفوا أصل الحكاية وقانونهم البلطجى : »نضرب الاول.. ونعرف المشكلة بعدين«.. لان استعدادهم النفسى والشخصى يعتمد على الاعــلان عن أنفسهم.. ولاحساسهم بانهم فئة ينظر إليها المجتمع.. بعين الضيق.. لكنهم يتعاملون معهم بنظرية »لا أحبك ولا أقدر على بعدك«.. لأن الغالبية ترى فى »الباجباج« أو »آلركشة« أو ستوته »مسميات هندية وعراقية للتوك توك«.. ترى فيه وسيلة يمكن أن توصلهم إلى داخل الشقق والإنسان بطبعه يميل إلى الكسل خاصة السيدات العائدات من الاسواق وهن محملات بالأكياس مع أن أجرته قد ارتفعت حتى ناطحت أجرة التاكسى فهو يجرى فى أى حته وفى أى اتجاه ولانه بلا رخصة.. »اللى يعرف أبويا يقول له« رغم محاولات ترقيمه فى عدة محافظات.. لكن الشروط الموضوعية تصعب المسألة بدلا من ان تسهلها وتقول الارقام إن لدينا فى مصرنا المحروسة ما يقرب من ٣ ملايين المرخص منها لا يصل إلى ١٠٠ ألف.. فهناك تأمينات وأوراق إفراج جمركى وفحص فنى ومستندات ملكية وصاحب الترخيص عند أى غلطة يجد نفسه متورطا.. بينما الآخر يهرب بجلده..

 

خطوة خطوة

قد تحتاجه قرية الطريق الموصل اليها ليس سهلا للسيارات.. لكنه فى المدينة كارثة.. والتعميم خطيئة لا أحب أن انزلق اليها بحيث آخذ العاطل بالباطل.. لان هناك ما يجده وسيلة لأكل العيش براحته.. يعمل وقت ما يريد ويرجع وقت أن يحب.. ثم انه يتجول ويرى ويلاغى ويفرفش.. ومسألة أكل العيش هنا فيها كلام.. لأن الورش بدأت أغلبها تقفل ابوابها لان العدد الأكبر من الصبيان يهربون إلى التوك توك.. ومعنى ذلك أن الصنايعية والحرف فى خطر.. وهناك صناعات هامة تنقرض لأن الكبار انقرضوا.. والشباب نفروا منها.. ومنع الاستيراد.. الخطوة الأولى لأن البلد فيها ما يكفيها

وزيـادة.. وكأن هذه المركبة ارنبة تنافس شطارتنا فى تحدى تنظيم النسل وشنبات وشوارب سيد أبو حفيظة »الذى اختلط عليه عيال فلم يعد يعرف كبيرهم من صغيرهم ولا سعيدهم من تعيسهم.. وهنا يجب أن نـوازن بين الاحتياج إلى »تـوك توكنا« وبين أضـــراره.. والمسألة ليست سهلة لان ملايين البيوت باتت تعتمد على دخله ولا يجب الاستهانة بهذا البعد الاقتصادى والاجتماعي.. فهل يمكن أن نأخذ المركبة.. ونقدم له التدريب والوظيفة.. أو نحدد خط السير ونحوله إلى وسيلة منظمة لها ضوابطها.. ونعيد تأهيل السائق عند الترخيص.. بحيث نردده الى رشده والى وطنه.. وإلى أكل عيشه بما يرضى القانون..

له ماله وعليه ما عليه. نعم جحافل »التوكتوكيه« أعدادها كبيرة.. وهى تحتاج إلى عملية تصنيف ورصد ودراسة شاملة حتى لا يصعب الحل مستقبلا..

وتقول قصة حياة هذه المركبة المجنونة انها فى الاصل كانت عربة لها ثلاث عجلات يجرها السائق بيده وهو يعتبر نفسه عجلة من بين الثلاث.. وفى مرحلة ما بعد ذلك دخل عليها الموتور وانطلقت فى الهند وتايلاند والعديد من دول آسيا.. وكوبا والسلفادور وجواتيمالا فى أمريكا اللاتينية.

حوار مع الكاتبة

عندما صعدت إلى التوك توك الذى يقوده هذا الغلام الذى لا يتجاوز عمره ١٣ عاما.. طلبت منه أن يغلق صوت الكاسيت المدمر.. نظر ناحيتى مندهشا وكأنى أسحب منه كرامته.. وفعلها مضطرا واكتشف أنى أريد سؤاله. < يابنى مع هذا الصوت العفاريتى الذى تمشى به طوال النهار.. كيف يكون حالك مع نهاية يومك! - نظره ناحيتى ضاحكا فى مبالاه.. وأخرج علبة سجائره لكى يشعل واحــدة وهددته اذا فعلها سـوف انـزل واستحى مضطرا ربما لان نبرة صوتى ارتفعت وفيها من الغضب ما استلفت نظره.. وبينه وبين نفسه.. يود لو أنى نزلت.. وقدمت له الأجرة مضاعفة.. وسألنى: - ده كثير الأجرة خمسة وحضرتك ادتنى عشرة! اجبته ضاحكا: خمسة ليك وخمسة للسجاير يا صاحب المزاج.. ونزلت وهو يضرب اخماسه فى أسداسه من تعاملى معه..

بعد أيام ركبت مع آخر فى نفس سن صاحبنا ولما تجاوزنا بأمتار قليلة المكان.. رفض الأجرة وطلب زيادتها ولما سألته: هل تحسبونها بالمتر؟!

كانت اجابته: كل حاجة غالية إشمعنى احنا! مع ان هذا التوك توك يمشى بمعلقتين بنزين.. لكن أجابته تكشف ان الطائفة التى ينتمى اليها تشعر بأنها أفرزت ثقافتها وقانونها رغم ان فيها بعض كبار السن.. وشباب ملتزم محترم اتخذوا منها سبيلا لأكل العيش.. وهنا لابد من وقفة.. لانك قد تطلب الحلال باسلوب حرام.. البائع السريح يقف فى عرض الطريق ويسحب الكهرباء سرقة من أعمدة الانارة ويغش فى الميزان.. وبضاعته غالبا مضروبة لأنه يتعامل غالبا مع زبون طياري.. وياويله اذا اعترض.. وفى الشارع مليارات فيما يعرفه خبراء الاسواق بانه الاقتصاد غير المعترف. وقد رجعت إلى دراسة تم نشرها فى عام ٢٠١٥ تؤكد على أن ٣٠ مليون مواطن يستخدمون التوك توك.. وأنه ساهم فى خفض نسب البطالة ومعدل الدخل الذى يوفره ٢٠٠٠ جنيه شهريا.. وهو يفتح مجالات لارباب الصيانة وبيع قطع الغيار والشركات المستوردة.. وهذه الدراسة أوصت بإرسال أوراق أى مركبة يتم بيعها إلى المروررأسا وتسهيل إجراءات الترخيص وخفض التكلفة على أن يسمح بقيادته من سن ١٨بـدلا من ٢١ وربط الضمان بالترخيص.. مع وجود فارق فى التعامل المـرورى مع سيارات الأجـرة عن التوك تـوك.. ومن الواضح ان الشركة التى قامت بعمل الدراسة منحازة إلى الجانب الاقتصادي.. وهو أمر يبدو معقولا لكنها تجاهلت الارقام التى تقول ان التوك توك يلتهم أكثر من ٦ مليارات من أموال دعم المواد البترولية.. ونأمل بعد الشريحة الأخيرة لرفع الدعم ان

تدخل هذه المليارات إلى خزينة الدولة. وهناك جوانب أخــرى كشف عنها خبير الادارة المحلية الدكتور »حمدى عرفة« عندما أكد ضرورة إنشاء وحدة مرورية تخص التوك توك وأشار إلى جرائم بلطجة وسرقة ومخدرات وأعمال منافية للآداب ارتبطت بهذه المركبة الطائشة وتقول الارقام إن إتمام عمليات الترخيص سوف توفر.. للدولة ما يقرب من ٢ مليار سنويا هى حصيلة الغرامات والمخالفات بالاضافة إلى مثل هذا الرقم من رسوم التراخيص والضرائب.

زفة صاحبنا

مثلما يوجد فى كل مهنة -يحاول أن يتميز.. أحدهم استغنى عن سقف التوك توك.. ولونه وأضاف إليه بالونات ودباديب واستثمر صفحات الفيس بوك فى الترويج لهذا المتميز وقد خصص لزفة العرسان مقابل ٢٠٠ جنيه فى الساعة وعلى الـسـادة المـعـازيم البحث لأنفسهم عـن »تـكـاتـك« عـاديـة أو يشاركونهم جريا وعندما يقول الدكتور على عبدالعال فى تصريح صفحة أوائل العام الحالي: ان من قام بابتلاء مصر بالتوك توك لا يعرف كيف سيكون الجـزاء الذى يستحقه؟! ورأى البعض فى تصريح عبدالعال اشارة إلى تورط الاخوان فى فترة حكمهم القصيرة.. اعطوا الضوء الاخضر لهذه المركبة ان تتنمر وتتجبر وخاصة ان المعزول مرسى قدم لها التحية فى خطاب من خطاباته الكوميدية والمفاجأة ان القانون رقم ١٢١ لسنة ٢٠٠٨ حذفت منه المـادة رقم »٧«.. فاصبح الحبل على الغارب امام سيدنا التوك توك.. مطرح ما يحب.. يمشى بجوار »الجيب« ولا علامة وهناك مادة أخرى رقمها ٧٤ تسمح بالتصالح إذا دفع ٥٠٠ جنيه هى قيمة المخالفة.. وتستثمر المحليات هذه الفوضى لكى تقلب عيشها.. ومعنى ذلك ان القانون يحتاج إلى تعديل وقبل هذا يحتاج إلى تطبيق.. وقد ظهرت اقتراحات حول استبدال التوك توك بالعربات »الــڤــان«.. والـسـؤال إلـى أيـن ستذهب المـلايـين مـن المركبة الثلاثية العفريته حتى لا نطفيء الحريق بالبنزين.. ثم ان هذا الڤان ما يزال يجرى فى الشوارع على انه ملاكى ابن ملاكى وهى المعروف »بالتومنه« على اساس ان سعته أركاب بما فيهم السائق.. وهى مشكلة أخرى »عايزه قعده« وفى ذلك قال قائل ليكن »الڤان« للمدن والتوك توك.. للقرى والنجوع.. وبدون ترخيص رسمى سيظل الحـال على ما هو عليه بل أصعب وأخطر.. وأول خطوة هى منع الاستيراد قبل ان نجد توك توك لكل مواطن فى دنيا الكسل حيث الاكـل يصل دليفرى عن طريق التليفون والتليفزيون والتكييف والمروحة والباب بالريموت.. انتظروا قريبا ان يدخل هذا العفريت الثلاثى إلى بيتى.. اذهب به من الصالة إلى الحمام وإلى غرفة النوم وبالعكس.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة