مبروك عطية
مبروك عطية


يوميات الاخبار

لا شىء فى دنياك ينتظر

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 22 أغسطس 2019 - 08:31 م

 

يكتبها اليوم : د. مبروك عطية

لقد كانوا يقومون كما يقوم العاشقون الذين كانوا يستعجلون طلوع النهار من أجل موعد ضربوه مع من يعشقون

السبت:
يطلق النوم، ويراد به حقيقة النوم المعروف بإسلام البدن لفراش، والغياب عن اليقظة، والانتباه والإدراك، وهو راحة للنفس والبدن، حتى يتجدد النشاط فيهما من أجل عمل تقوم به الحياة، ويطلق ويراد به مجازا كل كسل وترك وإدراك عمدا أو غباء، يقال نام عن الصلاة أى تركها، ونمنا طويلا بينما تقدمت الأمم، أى تأخرنا وتخلفنا، والنوم الحقيقى الذى هو مقابل اليقظة ممدوح إن كان مناسبا لحاجة المكلف العامل المجد المرهق من عمله، وفى مغازى الواقدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحفر الخندق مع أصحابه، وأرهق فنام قليلا على جنبه الأيسر، لأنه كان قريبا من الحفرة التى اضطجع فيها قليلا، مع أنه صلى الله عليه وسلم يحب التيامن فى كل شيء، ينام على جنبه الأيمن، ويقدم اليمنى على اليسرى فى مأكله، ومشربه، وملبسه، تبركا بها لكنها الضرورة، وعندها لا يمنى ولا يسرى، وإنما الأنسب للمضطر يفعله، وافق يمناه، أم كان الأيسر أن يفعله على يسراه، ومع أن النوم الذى هو استرخاء مشروع، قال تعالى: «وجعلنا نومكم سباتا» أى راحة وجدنا الله عز وجل يمدح عباده المحسنين بقلة النوم، قال عز وجل: «كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون» أى كان عباد الله المحسنون فى الدنيا ينامون قليلا، ويستغفرون الله تعالى فى وقت النوم فيه محبب لكل بنى آدم، ويقول سبحانه: «تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا» أى كان بينهم، وبين مضاجعهم جفاء، لا مودة وعشق، وإدمان كما نرى عند كثير من الشباب الذين وصفناهم، ووصفوا أنفسهم بالعاطلين، يقولون: وماذا وراءنا ؟!، وهناك مثل شعبى قديم يقول بالحرف: «السنين السودة فايدتها نومها» والحق أن السنين السوداء تحتاج إلى يقظة، تبدد سوادها، وتجلب النور إليها، لأن من يعيش سوادا من ضيق الحال بنومه يزداد الحال به سوءا، والله عز وجل يقول لنا فى سورة الشرح: «فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب» أى كلما فرغنا من عمل تعبنا واجتهدنا فى عمل جديد راغبين إليه عز وجل ليجعل عملنا المتواصل إلا عن قليل من الفواصل للنوم وتناول لقمة - سببا فى غنانا، وازدهار أحوالنا، ورفع رايتنا، حتى لا يظهر علينا غيرنا؛ فيقهرنا، ألا ترى إلى قول ربنا: «كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة»، وقوله عز من قائل: «إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا».
وإذا كان الخطاب الدينى موجها إلى الأمة الغنية العزيزة المنتصرة، فاتحة البلاد، صانعة الأمجاد، التى يشار إليها بالبنان، يقال: هذه خير أمة أخرجت للناس؛ وهى فى حاجة إلى قليل من النوم، وكثير من اليقظة ليدوم عزها، ومجدها فإنها فى حال الضعف والفقر والتخلف عن ركب الناس الذين سبقوا فى كل مجال - فى أشد الحاجة إلى هذا الخطاب لتقوم من عثرتها، وتنهض من سباتها، وتدرك ما فاتها، وتستعيد مكانتها، فلا يشار إليها من طرف غير خفى بأنها نامية على سبيل التفاؤل لا الحقيقة؛ فالحقيقة أنها فى تخلف لا نمو، وسبب تخلفها طول نومها بكلا معنييه الحقيقى والمجازى.
لا تقل كيف ينام ؟!
الأحد:
إذا وجدت مريضا نائما فلا تقل: كيف ينام؟! بل احمد الله، واشكر له فضله عليه؛ فلولا أن أوجاعه هدأت قليلا ما كحل النوم جفنه، وإذا وجدت مرهقا من عمل شاق نائما فلا تقل: كيف ينام؟! فقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نام على جنبه الأيسر إثر عمل شاق فى حفر الخندق مع أصحابه، وكان أكثرهم عملا، وأقواهم عطاء فيه، أعيت الأقوياء من الصحابة صخرة اعترضت سبيل حفرهم، وحاول كل منهم أن يفتتها بضربة قوية فأعيتهم؛ فلم يستطيعوا، وأقبل عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وأمسك بالمعول، وسمى الله، وعلاها بمعوله، فطارت أشلاء فى كل اتجاه، فإن رأيته نائما على جنبه الأيسر مع أنه يحب الأيمن فلا تقل: كيف ينام؟! ولا تترك الشاهد الأساس الأصلى، وتضيع عمرك وفكر أمتك بمسألة النوم على الجانب الأيسر دون الأيمن، فالأيمن والأيسر مذهب ومدرسة عطاء ومنع لا الجوارح، إنما يكون التيامن فى كل الأمور للتبرك فقط، وأنت علم أنه لابد لنا من وجود شيء نسعى إلى أن يبارك الله فيه، فأين هذا الشيء!.
وإن وجدت شخصا ساهرا الليل كله فغلبته عيناه قبل الفجر فلا تقل: كيف نام؟! وبما أن الدين النصيحة وجب عليك أن تنصح له بأن ينام قليلا، ويقطع هذا السهر حتى يؤدى صلاة الفجر، وهى ركن، أما قيام الليل فسنة، روى مالك فى الموطأ أن عمر رضى الله عنه فقد رجلا اسمه سليمان فى صلاة الفجر يوما؛ فلما قضيت الصلاة قصد بيته للسؤال عنه فوجد أمه، فسألها عنه؛ فقالت: قام الليل كله، وقبيل الفجر غلبته عيناه؛ فأمرها عمر رضى الله عنه أن تبلغه أن حضوره صلاة الفجر مع الناس خير له من قيام الليل كله، أى أن الفرض مقدم على السنة، والسنة التى يضيع الفرض بسببها لا خير فيها، فقم ما استطعت من الليل شريطة ألا تنام عن صلاة الركن التى هى ركعتان خفيفتان، وهكذا فى كل موضع يكون النوم فيه ضرورة ملحة.
أما أن ترى من ليس من هؤلاء ولا من غيرهم الذين يكون النوم علاجا مشروعا لمتاعبهم، وأوجاعهم - نائما فلابد أن يأخذك العجب، ولابد أن تسأل متعجبا: كيف ينام ؟!
أى كيف ينام صحيح غير عليل، وعياله يصطرخون كما يصطرخ أصحاب النار من الجوع، والحرمان، ولا يشقى من أجلهم، وينهض للبحث عن رزقهم، والتوسيع عليهم، وكيف ينام طالب علم نذر عمره لتحصيله، ووضع طموحا على مائدة الكلام ينصع بصفحاته الغراء، ويرسم أمام نفسه، وسامعيه صورة له، وقد صار طبيبا مشهورا، أو مهندسا عظيما، أو معلما بارزا ذا مدرسة فريدة فى طرق التدريس، وكيف ينام صاحب حاجة يقوم عليها معاشه، ويزدهر بها حاله، ولا يشكو علة، وهو قادر على أن يصحو لها مبكرا، فإن الحاجات لا تنتظر، بل كل شيء فى لا الحياة لا ينتظر، وإذا عرفنا ذلك أدركنا أننا نحن الذين يجب أن ننتظر.
ومن ترنيماتى
انهض بعزمك لا بمعسول سطر
لا شيء فى تلك الحياة ينتظر
الليل يأتى هاجما لا ينتظر
حتى تقول قد انتهيت من السفر
والصبح يشرق لامعا فى وقته
والوقت من قبل الخليقة قد قدر
والغيث ينزل من سحاب فوقه
يجرى بخير أو بشر للبشر
إن لم تضع فى الأرض بذرا قبله
صارت هشيما للجراد المنتشر
قم فالقطار على الرصيف مسافر
من قال ينتظر النؤوم إذا حضر!
قم فالمنية رغم أنفك ساعة
تدعو الذى من بعد عيش قد قبر
فانهض لما بعد الرقاد بصالح
ينجيك من لهب الجحيم المستعر
هدفا وأدرك أنه لا ينتظر
كانوا يقومون فى الفجر
الثلاثاء:
ولدت فى قرية دبركى بالمنوفية حيث كان أهلوها، وكذا كل القرويين فى بقاع مصر الغالية يقومون فى الفجر، ولا أتوقف عند التوقيت وهو مهم، بل أتوقف عند حالهم وهم يقومون فى تلك الساعة المبكرة المباركة، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ك اللهم بارك لأمتى فى بكورها، لقد كانوا يقومون كما يقوم العاشقون الذين كانوا يستعجلون طلوع النهار من أجل موعد ضربوه مع من يعشقون، فما أن بدت تباشيره حتى قاموا كأنهم كانوا واقفين بشاطئ البحر يتطلعون إلى سفينة النجاة، وإبل المفازة، كأنهم لم يناموا، وكيف ينامون وهم أصحاب حاجة وجدانية تثور داخلهم، ولن تهدأ حتى يصلوا إلى غايتهم، ويروا بعين اليقين معشوقهم، بعد أن طال إليه نظرهم بعين الخيال والتمثل التى لا تنام عنه طرفة عين، كانوا يقومون فى تلك الساعة يصلون الركعتين، ويتناولون القليل من الزاد، ويهرعون إلى معشوقهم (الغيط) لا تسكن نفوسهم الثائرة حتى يروه بأعينهم، وقد اهتزت أشجاره، ولمعت تحت قطرات الندى أزهاره، ونمت بالليل ثماره، وسلمت من أيدى المعتدين الأشرار زروعه التى بالكد والعرق زرعوها، وفى أقل من طرفة عين يلبون حاجته دون أن يسألهم، فبينهم وبينه لغة تسمى لغة الوجدان، وللوجدان لغة لا يدركها اللسان، ولا تلتقطها الآذان، وإنما يرسلها القلب أخفى من النجوى، وتلتقطها الأرواح كما تلتقط لغة الحياة التى تدب داخلها، دون مرور بسبيل إلا سبيلا قدره الله هكذا ليبقى سره الأعظم فيما خلق فسوى، وقدر فهدى، ولا أتوقف عند الساعة توقفى عند تلك الحالة التى هى المغزى والمعنى، فرب مستيقظ فى تلك الساعة أو قبلها، ولو لم يستيقظ لكان خيرا له، وللدنيا جميعا، كما قال الله تعالى للمؤمنين فى المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معهم للجهاد «لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين» إن البكور مهم، وأهم منه الحالة التى يكون عليها المبكرون.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة