الطب البيطري يعاني في مصر
الطب البيطري يعاني في مصر


الطب البيطري والخروج من الإنعاش

عبدالمنعم ممدوح- محمد العراقي

الخميس، 22 أغسطس 2019 - 11:57 م

صمام للأمن الغذائى المصرى.... تعثرها خطر يهدد استثمارات لا تقل عن 250 مليار جنيه سنويًا كما أكد خالد العمرى نقيب البيطريين.. إهمالها ناقوس خطر قد يدمر الثروة الحيوانية والسمكية فى مصر.. مهنة إستراتيجية لا تقل أهمية عن مهن الطب والعلوم.... إنها مهنة «الطب البيطرى» القلب الحامى لبطون المصريين.. وعلى الرغم من أهميتها نال منها قطار الأزمات.. ليس هذا فحسب بل إنها خلال بضع سنوات ستتعرض للانقراض نتيجة خروج معظم العاملين بها للمعاش، وبالتالى سينال قطار الأزمات من الأمن الغذائى المصرى، ومن هنا فرضت أسئلة كثيرة نفسها على الساحة المصرية، ما الحل لمواجهة طاعون البطالة البيطرية القادم؟!، كيف نستطيع التغلب على هذه الأزمة، هل ستشهد مصر اغتيالا للأمراض لتصاب بها الثروة الحيوانية؟! ما الأسباب التى أدت إلى الوصول لهذا الحال؟!. وهل سيكون هناك جيل قادم يعوض نقص البيطريين، وأين دور وزارة الزراعة وكلية الطب البيطرى من هذه الأزمة؟!، ولماذا يتجه خريجو كليات الطب البيطرى للعمل فى مجالات بعيدة عن تخصصاتهم؟!
«الأخبار» فى هذه السطور حملت على عاتقها عناء الإجابة على هذه الأسئلة وقامت بجولة على وحدات 
أهمية وجودها إنها حائط الصد الأول فى التعامل مع الثروة الحيوانية.. منها يحصل هذا الكنز على التطعيمات والعلاج اللازم.. إذا حدث لها عطل اعلم أن كوارث الأمراض وشبحها سيراود كنزك الغذائى القادم.. إنها وحدات الطب البيطرى.. فى السطور القادمة قمنا بجولة على مجموعة من الوحدات للوقوف على مدى قدرتها على التعامل مع الكنز الغذائى المصرى.. الصدمة كانت فى أن الوحدات التى قمنا بزيارتها جميعها حدث ولا حرج جميعها اتفقت على رفع راية الإهمال وفقر الخدمات أو إنها مهددة بالانهيار أو إنها اقتصرت على علاج الحيوانات الأليفة فقط وغير صالحة لاستقبال الأنواع الأخرى.
البداية كانت «الزنكلون» بمدينة الزقازيق محافظة الشرقية.. فذهبنا إلى الوحدة البيطرية هناك.. غرفتان أكل منها الدهر وشرب بجوارها مبنى حديث على وشك الانتهاء ستعرف فيما بعد أنه مخصص للانتقال إليه ولكن يبقى السؤال كيف استمر الحال هذه السنوات الماضية داخل هاتين الغرفتين.
أمامها هيكل من الحديد يلقب بـ»الزناقة» ستكتشف فيما بعد أنه خصص لربط الحيوانات تمهيدا للكشف عليها من بعيد تظن أن هاتين الغرفتين ليستا سوى مبنى مهجور لا قيمة له ولكن ما أن تقترب منها ستصدم أن هاتين الغرفتين هما الوحدة البيطرية والتى من المفترض أنها مؤهلة لاستقبال الثروة الحيوانية لعلاجها، لينفجر بداخلك سيل من الأسئلة كيف لهاتين الغرفتين أن تكونا مسئولتين عن علاج الحشرات لا الحيوانات الكبيرة، وكيف ستحمى هاتان الغرفتان الأمصال التى يحصل عليها الحيوانات ولكن ما ان تقترب أكثر ستصدم من الوضع بداخل هاتين الغرفتين فالوضع يزداد سوءا فالغرفة التى تتواجد بها الأمصال ليست سوى غرفة بدائية رثة لا توحى بأنها تحوى على أمصال من المفترض أنها لعلاج الثروة الحيوانية من جدرانها المتآكلة والوضع المزرى بها، أما الغرفة الأخرى التى من المفترض أنها للكشف بمجرد أن تدخلها سيخطف نظرك وجود موظفات وظيفتهن الرئيسية اللعب فى هواتفهن المحمولة وعندما ينتهين يتحولن إلى مكلمة يعلوهن مجموعة من اللوحات كتب فيها بعض الإرشادات التى لا تغنى ولا تسمن من جوع.
تقول د.أسماء محمد، طبيبة بيطرية عاملة بالوحدة: إن الأطباء البيطريين فى مصر يعانون أشد المعاناة سواء ماديا أو معنويا على الرغم من أنهم هم أساس الأمن الغذائى المصرى وحائط الصد الأول الحامى لصحة المصريين وبدونهم ستتعرض الثروة الحيوانية والسمكية لأمراض تدمر صحة المصريين.
وتضيف أن الأطباء البيطريين بحت أصواتهم المطالبة بتعديل أوضاعهم بدءا من التقدير المادى المضحك فى رواتبهم والتى لا تتعدى الـ 1500 جنيه كما الحال معها خريجة عام 2009 والحاصلة على ماجيستير وتحصل على هذا الراتب الضعيف أضف إلى ذلك الظروف غير الإنسانية التى يعملون بها من مبانٍ غير مجهزة كالتى تعمل بها الآن والتى لحسن حظها ستتبدل خلال فترة قصيرة بالانتقال لمبنى أكثر إنسانية ناهيك عن فقر الأدوات الذى يحاول أن يتغلب عليه الطبيب البيطرى عن طريق خبرته التى اكتسبها من تراكم السنوات.
وتشير إلى أنه بالرغم من كل هذه المعاناة التى يحملها الطبيب البيطرى كرها فان المستفيدين من العلاج يتعاملون معهم بطرق بدائية ولا يقدرون عناءهم معهم وتحملهم كل هذه الظروف ودائما ما يعاملون الأطباء البيطريين كخادمين لهم واصفين إياهم بعبرات ساخرة «انتم آخركم دكاترة بهايم» وفق أقوالهم.
الكوارث داخل الوحدات والأوضاع المزرية تتضاعف لأنك ستتفاجأ أن ما رأيته فى الوحدة الأولى أهون بكثير من التى ستراها فيما بعد، وستتمنى أن تستنسخ السابقة لتحل محل التى أمامك، فمن بعيد ترى مبنى ضخما ستسر فى البداية وتظن أنك ستجد بالداخل صرحا عظيما يتوافر به الإمكانيات البشرية من أطباء بيطريين ومعدات حديثة للتعامل مع الثروة الحيوانية، ولكن ما هى إلا دقائق ويتحول السرور لحزن والفرح لبكاء عندما تصطدم بالسور الذى هدم والباب الذى نال منه الدهر وأصبح مباحا للجميع، ليس هذا فحسب فذاك المبنى الضخم والذى يحاوطه أشجار وتسر عينك بالنظر إليه ستصدم أنه ينتظر تنفيذ قرار بالإزالة والشروخ تملأه من كل جانب والعاملون بداخله ينتظرون التشريد بين الوحدات.. إنه مبنى الوحدة البيطرية بقرية «تل حوين» بمحافظة الشرقية.
ويوضح د. طارق محمد، طبيب بيطرى بالوحدة، أن مشكلة الطبيب البيطرى ليست فى المكان الذى كما تراه غير مؤهل للتعامل مع الحيوانات لا البشر والذى صدر له بالفعل قرار إزالة بل إن مشكلة الطبيب البيطرى الرئيسية تنقسم إلى شقين الأول عام والآخر خاص، أما عن العام فهو فى عدم الوعى لدى المستفيدين بالعلاج ومعاملتهم للطبيب البيطرى بطريقة سيئة، أى وصفهم للأطباء البيطريين «بدكاترة بهايم» .
ويضيف أن عدم الوعى ليس المشكلة بل يبقى الأهم هو عدم تطوير المهنة ومواكبتها لركب التطور فى عالم الثروة الحيوانية وبذلك بإيجاد آلية للتأمين الصحى للحيوانات عن طريق جعل لكل حيوان رقم إلكترونى يساعد أصحاب الثروة الحيوانية من الحصول على التحصينات والعلاجات التى تحتاجها ثرواتهم الحيوانية بطريقة دورية معلومة التكاليف مما سيسهل من عملية حماية الثروة الحيوانية من الأمراض كالحمى القلاعية والتهاب الجلد العقمى.
ويلتقط د.علاء الدين طرف الحديث قائلا: إن الطب البيطرى فى مصر ليس سيئا ولكنه يعانى من مشاكل كثيرة شأنه شأن الكثير من القطاعات فى مصر ولكن مع ذلك به بعض الإيجابيات كالحملات الميدانية التى تقوم بها الوحدات البيطرية فى الشوارع على الفلاحين وأصحاب المزارع للحفاظ على صحة الثروة الحيوانية.
ذهبنا إلى قرية أخرى وهى قرية اسطنها بمركز الباجور محافظة المنوفية لنكتشف أن الوحدة البيطرية هناك أشبه بالمقابر، فالوحدة منهارة ولها أبواب حديدية أكل منها الدهر وشرب وغير مؤهلة تماما لاستقبال الحيوات الخاصة بالفلاحين كما أن الصرف الصحى ضرب جدران الوحدة تماما وأصبحت تلك الجدران مهددة بالسقوط!.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة