الجمعة، 23 أغسطس 2019 - 03:21 م

يحجز فريق "واما" مقعدًا خاصًا في عربة ذكريات جيل كامل ، ولهذا فإن عودة الفريق تمثل استعادة لهذه الذكريات خاصة لو كانت عودة بألبوم قوي وعنوان صيفي جدًا مثل "الصيف ابتدى" وكأن الفريق كان في بيات شتوي طويل .

أربع سنوات مرت على آخر ألبومات الفريق الأهم في موسيقى "البوب" المصرية ، والذي حمل وقتها اسم "كان ياما كان"، ولكن الألبوم لأسباب عدة لم يحقق الأصداء المتوقعة، ربما كان انشغال كل عضو في الفريق بمشواره الفني الخاص سببًا في ذلك، ولكن هذا السبب تلاشى بشكل كبير في "الصيف ابتدى" والذي بدى فيه أعضاء الفريق أكثر اهتمامًا وحرصًا على تقديم عمل متماسك ظهرت فيه الخبرة التي اكتسبوها خلال السنوات الماضية .  

يتعاون فريق "واما" لأول مرة مع شركتي "هاي واي" للادارة والانتاج و "نجوم ريكوردز" التي تبدي مؤخرًا اهتمامًا بفكرة الدعاية عبر الوسائط الرقمية وأهمها موقع "يوتيوب" الذي تعتبره المنصة الأهم لعرض أعمالها ، وذلك بطرح أغنية من الألبوم كل فترة ، وهي الفلسفة التي يتبعها أغلب المطربين حاليًا دون مبرر تسويقي واضح !

الملاحظة الأبرز في ألبوم "الصيف ابتدى" هي جودة فيديوهات الأغنيات أو مايعرف بالـ Lyrics Video والتي جاءت تصميماتها متنوعة ومميزة وكأنها كليبات غنائية وهذا في حد ذاته يعكس ثراءً انتاجيًا حقيقيًا.

ملاحظة ثانية مهمة وهي عدم استئثار نادر حمدي بتوزع كل اغاني الألبوم ، فبين 10 أغنيات تم طرحها اكتفى نادر بتوزيع 7 أغنيات، بينما ظهر اسم موزعين مثل توما وأمين نبيل وإيهاب فاروق في 3 أغنيات.

ولكن هذا لا ينفي كون نادر حمدي واحد من أهم الموزعين الموسيقيين في مصر إن لم يكن الأكثر موهبة وتطورًا في جيله، وهذا لقدرته الواضحة على تطوير الأشكال الموسيقية التقليدية ليصبغها باضافات تحلق بها خارج الصندوق .

نبدأ بأغنية "شمس بحر" التي تأتي في قالب موسيقي أقرب الى الـ chill out "المهدئة للأعصاب" ، كلمات تامر حسين موفقة للغاية في خلق الحالة، مع لحن هاديء لخالد عز، يبرز وسط هذا صولو صوت اليكتروني لكمان يظهر من حين لآخر ليميز الأغنية .

أغنية "الله على الجمال" التي كتبها هاني رجب ولحنها مديح ووزعها نادر حمدي تبرز بوضوح ما أشرت إليه من تطور نادر حمدي، نحن أمام أغنية تنتمي لحنا وشكلًا لموسيقى "الريجي تون"، ولكن المختلف هذه المرة هو استخدام الفولكلور المصري متمثلا في "السمسمية" السواحلية بتآلفات مستمرة بامتداد الأغنية، ومعها روح يوناني تظهر مع صولو "البزق" بمطلع الأغنية، ووسط كل ذلك يبدو ايقاع الريجي اللاتيني كأساس لبناء الأغنية، أما كلمات هاني رجب فجاءت خفيفة بسيطة مناسبة للحالة وإن خلت من أي صور أو تعبيرات جديدة .

أغنية "الصيف ابتدى" كلمات هاني رجب وألحان مديح وتوزيع أمين نبيل بدت أقرب الى الأغاني الشعبية خاصة روح المهرجانات التي طغت على مقدمتها الموسيقية بصوت المزمار الاليكتروني، ثم ايقاع المقسوم المسيطر على الجو العام، أما كلمات الأغنية تدعو للانبساط والبهجة واستقبال الصيف.

ولكن في الحقيقة هناك رابط واضح بين أغنية "الصيف ابتدى" وأغنية "يلا نرقص" التي كتبها تامر حسين ولحنها ووزعها توما، ففي الحالتين هناك دعوة للحياة والسعادة والرقص، وإن كانت "يلا نرقص" تنتمي الى قالب موسيقى "الماريمبا" الافريقية بصبغة ثمانيناتي يتقنها توما في توزيعاته، وفي الغالب الاغنيتين تم اختيارهما للتأكيد على "صيفية" الألبوم !

أغنية "على فكرة" التي كتبها تامر حسين وألحان ايهاب عبد الواحد وتوزيع نادر حمدي واحدة من أفضل أغنيات الألبوم، هي نموذج لأغنيات "السلو" الرومانسية خاصة وأن دخول الأغنية بالغناء مباشرة كان موفقًا ، كلمات تامر حسين ترسم صورة دائمًا، ولهذا جاء اللحن والتوزيع ملائمًا لتلك الحالة، وبرز صوت الفريق في أداء الكورال الذي يتميز به في مثل هذه الأغنيات خاصة وأنهم يجيدون خلق "الهارموني" بهذا الصوت ، وتجدر الاشارة الى أن تصاعد اللحن على طريقة تدريبات "الصولفيج" في كلمة "محتار" التي يغنيها نادر حمدي كان جيدًا جدا .

لم يغفل الفريق الاهتمام بالأغنيات الدرامية، وهنا نتوقف أمام أغنية من أفضل أغنيات العام تقريبًا، وهي "بنتهرب"، من كلمات المتميز نادر عبد الله وألحان تامر عاشور وتوزيع نادر حمدي، للوهلة الأولى ستشعر ببصمة تامر عاشور في اللحن خاصة وأنه يميل لهذا اللون في أغلب أغنياته كمطرب، أما كلمات نادر عبدالله فجاءت غاية في الاختلاف، خاصة في كوبليه " ماحدش فينا بيوافق يودع ولا يتودع .. وكل ما نيجي نتفارق .. بنحضن بعض وندمع "، على مستوى التوزيع خرج نادر حمدي بالاغنية الدرامية من أي قالب تقليدي ومنحها صبغة موسيقى الـ rnb في صولو البيانو الذي افتتح به الأغنية مع الايقاع الهاديء بأصوات تؤكد حالة الضبابية في العلاقة التي تدور فيها الأغنية .

أغنية درامية أخرى تؤكد اهتمام "واما" هذه المرة بالكلمة وهي "كترت حكاياتي" كلمات جمال الخولي وألحان رامي جمال وتوزيع نادر، للمرة الثانية تظهر شخصية الملحن المطرب فكما شعرنا أن "بنتهرب" من روح تامر عاشور، جاءت "كترت حكاياتي" من روح رامي جمال المطرب والملحن خاصة أن لديه "لزمة" موسيقية متكرره وظهرت في كوبليه "كترت حكاياتي اللي نسيتها عشان انساك"، أما كلمات جمال الخولي فخلقت صورة شعرية رائعة وهو يحكي عن شخص يحاول نسيان قصة حبه الوحيدة بقصص أخرى ولكنه في النهاية لا ينساها، ويتجلى ذلك في جملة " ماوصلتش لسه في نسيانك لمكان يتراح"، توزيع نادر حمدي المبني على ايقاع المقسوم جاء مناسبًا جدًا للأغنية، وميزه كعادته بصولو البيانو الذي عزفه في دخول الأغنية بروح موسيقى "الجاز" ثم انتقل الى المقسوم الشرقي .

يواصل الفريق اهتمامه بالدراما الغنائية ليقدم أغنية ثالثة هي "بتحبي نفسك" كلمات أمير طعيمه وألحان أحمد فهمي وتوزيع نادر حمدي ، عنوان الأغنية يذكرنا بأغنية بتحب نفسك لمحمد محيي ، وإن كانت الصورة الشعرية هنا مختلفة فهي تتناول العلاقة بطرف يضغط على الطرف الآخر لتحقيق طموحاته وإن لم يحدث فالتخلي هو الحل الأنسب ، لحن أحمد فهمي جاء بسيطا من روح الفلامنكو الاسباني ، أما توزيع نادر فتميز في صولو الناي والكمان والقانون كتوليفة شرقية تمنح الاغنية اجواء مختلفة .

أما اغنية "اسمها إيه" فهي أغنية خفيفة بسيطة من كلمات تامر حسين والحان محمد يحيى وتوزيع نادر حمدي ، تدور في قالب الريجي تون معتمدة على لحن مشحون بالروح اللاتينية ، ولم يخرج التوزيع عن هذا الإطار .

في زمن آخر قدم العبقري محمد فوزي أغنيته الشهيرة "فطومة" والتي اعاد حميد الشاعري توزيعها في التسعينات ليحييها من جديد ، ولكن "فطومة" عادت مرة أخرى "إسما فقط" وبرؤية الشاعر أيمن بهجت قمر في أغنية أقرب لأغاني الأطفال وهذا أمر إيجابي خاصة وأن هذا اللون من الأغنيات مفتقد مؤخرا ، ولكنني أتوقف أمام ذكر اسم الملحن والموزع ايهاب فاروق مسبقًا بكلمة "رؤية موسيقية" وهو أمر يحتاج تفسير لنعرف أدوار صناع الأغنية بوضوح .

ألبوم "الصيف ابتدى" عمل صيفي جدًا ، مناسب للأجواء وأحيا من جديد فريق مهم له بصمة واضحة في مسيرة موسيقى البوب المصرية خلال العقدين الماضيين .