القانون لا يحمي المغفلين..ضحايا «المستريحين» يواصلون السقوط
القانون لا يحمي المغفلين..ضحايا «المستريحين» يواصلون السقوط


ألاعيب «المستريحين» مصيدة لراغبي الثراء السريع.. وخبراء يقدمون روشتة العلاج

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 26 أغسطس 2019 - 04:49 م

خبير أمني: هذه إغراءات النصابين للضحايا.. وعدم إبلاغهم الأمن لنظرة المجتمع لهم كمغفلين

- «الخولي»: الطمع يسيطر على الضحايا.. وانحراف مجتمعي بأساليب جديدة للإغراء

- خبير قانوني: العقوبة 3 سنوات.. وأحكام غير رادعة للنصابين 

خبير اقتصادي: تشغيل الأموال في البورصة واقتحام الشباب سوق العمل وإيجاد آلية لتوظيف الأموال

- بيع مستشفى أم المصريين وتأشيرات الحج والفائدة 30%.. أغرب طرق النصب

 

"المستريحين" وريان الصعيد.. ليس عنوان مسرحية هزلية، بل ألقاب أطلقتها وسائل الإعلام على كل من يقوم بالنصب على المواطنين بحجة تشغيل أموالهم مقابل أرباح شهرية كبيرة، وبين حين وأخر تنتشر  أخبارا عن ظهور "مستريح" جديد، فشهدت مصر في الأونة الأخيرة 22 حالة نصب خلال ثلاث أشهر فقط، وذلك ما حرر به محاضر، أما على الجانب الأخر، هناك ضحايا يساومون المتهمين أملاً في الحصول على أموالهم دون اللجوء للقضاء.


اللافت للانتباه، أنه بالرغم من سقوط "المستريحين" بصفة يومية، وتشابه نفس أساليب النصب المستخدمة باختلاف الأماكن، إلا أن المواطنين يتكالبون عليهم، ويرون فيهم الطريق الأمثل للكسب السريع السهل، فمنهم من يبيع عقار أو مشغولات ذهبية، لجمع أكبر قدر من الأموال، لتكون النهاية "موت وخراب ديار".
لم ينج حجاج بيت الله من "المستريحين"، فتزامناً مع موسم الحجّ، بدأ نشاط السماسرة للنصب على البسطاء، الحالمين بتأدية فريضة الحج، مستغلين عدم درايتهم بأمور السفر.


حكايات ضحايا المستريحين


تروى "أم محمود"، المقيمة بإحدى قرى محافظة المنيا لـ"بوابة أخبار اليوم" أن أحد أقاربها أخبرها بشخص يقوم باستخراج تأشيرات الحج مقابل 80 ألف جنيه، شاملة الفندق وتذاكر الطيران.


وتضيف: "لم تكن الفرحة تسعني، أخيراً هحقق حلمي وأحج بيت ربنا.. وبدأت إعداد العدة للحج، لم يبدو الأمر غريباً فالبداية، لكن عند وصول مطار السعوديّة تحول الحلم إلى كابوس، أخبرونا في المطار أن التأشيرات ليست لحج بيت الله، إنما هي تأشيرة سياحية للمشاركة في حدث ترفيهي لا غيّر، وأنه سيتم إعادتنا إلى مصر".


لم تكُن أم محمود وحدها من تعرضت لهذه الصدمة، فقد سبقها الكثير ممن أعيدو إلى البلاد يحملون خيباتهم، فاقدين أموالهم، لا تنطق أفواههم إلا "حَسْبِي الله ونعم الوكيل" "القانون لأ يحمي المغفلين".


لن نبتعد كثيراً، ففي إحدى محافظات الصعيد، يروى عبدالله محمود المحامى، أن أحد الأشخاص استأجر معرض سيراميك وبدأ بإحضار البضائع وعرضها بتخفيضات 70%، فتكالب عليه الزبائن للشراء، واستمر هذا الأمر لشهرين، مما جعل الثقة تترسخ بينه وبين التجار والزبائن، فالكل يتسابق للحصول على الخصم، فبدأ بتجميع "عربون" للسفر لإحضار البضائع من خارج مصر، لكن طال السفر هذه المرة، وبدأ أصحاب الأموال بالقلق، فذهبوا إلى المعرض ليكتشفوا حقيقة الأمر هناك، أن المعرض للإيجار، والمستريح كالعادة "فص ملح وداب".


الطمع ومواسم النصب


 يقول اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق: "طول ما في طمع، النصاب لسه بخير"، مؤكدا أن هناك مواسم للنصابين كالحج ومولد النبي وموسم المدارس وغيره، فيقومون بالنصب على الأشخاص، بما يتماشي مع المناسبة، لكن الدائم طول العام هو جمع الأموال بغرض تشغيلها، فأحد المستريحين يدعى بتشغيلها في البترول، وآخر في كروت الشحن، أو الأدوية النادرة، كلها إدعاءات كاذبة، لكن تجد الاستجابة من الأشخاص.


وأوضح أن السبب كان فى الماضي ضعف الفائدة البنكية، لكن حالياً الفائدة مناسبة جداً، فمن يقلل من نسبة أرباح البنوك التي تضمنها الدولة ويذهب للمستريحين! فهو ينطبق عليه مقولة "القانون لا يحمى المغفلين".
ويروي "نور" أغرب قصة نصب مرت عليه بأن أحد الأشخاص باع لعمدة مستشفى أم المصريّين، بـ5 آلاف جنيه.


ويوضح "نور" أن سبب رفض كثيرين الإبلاغ لأنهم يروا ذلك "عيب كبير" بأن يظهر أمام أهله "مضحوك عَلَيْه" فيرفض عمل قضية خشية من الفضيحة.


وذكر أن أقوال الضحايا الذين تعرضوا للنصب تتشابه بدءا من إغرائهم في الشهور الأولى بأرباح تتجاوز 30% فيطمعون أكثر ويعطوهم مبالغ مالية أكبر، ولا يكتفي بنفسه، بل يحاول إقناع أقاربه وأصدقاءه لتوظيف أموالهم، وما هي إلا قليل حتى تنكشف الحقيقة، أنهم وقعوا ضحية عملية نصب وذلك باختفاء "المستريح".


 "ثقافة الاستثمار الشرعي"


ويوضح د. وليد جاب الله، خبير التشريعات الاقتصادية، أن النصب عرف قديماً وتطور عبر التاريخ بالتوازن مع التطور التكنولوجي وتطور المعاملات المادية بين الأشخاص وفى الفترة الأخيرة انتشرت عدة حيل اتخذها المستريحين من أجل الإيقاع بضحاياهم، وفى لمح البصر تتبخر أموالهم.


ويؤكد "جاب الله"، أن نشر ثقافة الاستثمار الشرعي هي الحل الأمثل للقضاء على "توظيف الأعمال".


وذكر أن النصب أحد الجرائم التي عرفها المجتمع المصري بشكل أوسع، مُنذ بداية الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، ولعل هذه الجريمة تعبر من الناحية الاقتصادية، عن وجود أموال لدى شريحة من المجتمع، وهم غير قادرين على الاستثمار، لعدم توافر ثقافة ريادة الأعمال لدى الأشخاص، خصوصاً الطبقة المُتوسطة، التي تفضل الإيراد المنتظم، أو البعيد عن المغامِرة.


وأضاف أن الضمان الوحيد للانتهاء من المستريحين اقتحام الشباب سوق العمل، ودعم البورصة، ومعرفة آلية عملها، لقدرة هذا القطاع على امتصاص جانب من الودائع، إذ تيقّن الأشخاص في السوق المصرية من ربحهم.


وأشار إلى أننا نحتاج إعادة النَّظر في تشريع ينظم عمل توظيف الأموال، أو على الأقل زيادة ثقافة عمل شركات مُساهمة بينهم، يقوم عليها من لديهم الخبرات، ولكن في وجود تشريع ينظم حقوقهم دُون ابتزاز، فالنصاب لا يوفر نسب ربح إنما ينصب فخ.


وأوضح أن الفائدة لها حدود، فبمجرد سمع أنماط غير مألوفة في الأسواق اعلم أنها إحدى حيل المستريحين، فإذا كانت هذه الأرباح الكبيرة سلمية، ما تركها رجال الأعمال دُون استثمار.


أحكام غير رادعة


ويرى شعبان سعيد، المحامى بالنقض، أنه طبقا لقانون العقوبات وللمادة ٣٣٦، والتي تنص على العقوبة في قضايا النصب من سنة وَلا تزيد عن ثلاث سَنَوات" وهذا الحكم غير رادع.


ويكمل "سعيد"، أنه إذا قام شخص بالنصب على مجموعة من الأشخاص، تضم المحاضر إلى محضر واحد، ويصدر فيها حُكم واحد لا يتجاوز الثلاث سَنَوات، وذلك غير كافي لردع النصابين.


تحليل نفسي


وحين ننظر في الأسباب الاجتماعية والنفسية وراء سُقُوط الضحايا.. يخبرنا د. حسن الخولي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أنها حالة نفسية متصلة بشخصية الإنسان الّذي يتسم بالطمع، والرغبة للحصول على المكاسب بدون تعب، فهو إما يستجيب عن "جهل" لعدم معرفته، أو يستجيب بسبب تغلب الطمع عليه.


ويضيف "الخولي"، أن النصاب زى الصياد اللي بيرمي الشبكة في البحر، ويجمعها وفيها حصيلته من السمك على حد تعبيره، فهو انحراف مجتمعي بأساليب جديدة للإغراء، فمن كان لهو أذنان يسمع ومن كان له عينان يبصر.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة