إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

رمضان.. وتجريف الإبداع!

إيهاب الحضري

الأربعاء، 28 أغسطس 2019 - 07:35 م

انشغلتُ عن المنظر الساحر بمتابعة الفنانين الشباب، معظمهم يستعد للوقوف أمام الكاميرا للمرة الأولى. انفصل أحدهم عن الجميع، وجلس يراجع بعناية مشهدا يستعد لتصويره، بينما أخذ زملاؤه يُطلقون القفشات، وسخروا من جديته قائلين: الأستاذ أحمد زكى بيذاكر دوره! شاهدتُ أداءه خلال التصوير، واقتنعت بأنه يمتلك موهبة حقيقية.

بعد الموقف السابق بسنوات قليلة، تابعتُ عن بُعد مشهدا آخر للشاب نفسه، على شاطئ جديد.

الفارق لم يتمثل فقط فى اختلاف طبيعة خليج العقبة الهادىء، عن الساحل الشمالى الصاخب، بل امتد ليسجل تحولات جذرية أصابت الشاب نفسه، ونقلتْه من فنان مغمور إلى نجم شباك، فتبدّلت هيئته إلى النقيض، وأصبح من أكثر الفنانين إثارة للجدل، وكانت آخر فرقعاته أداءه وملابسه فى حفله الأخير.


شهدتُ مولد محمد رمضان الفنى، عندما سافرتُ إلى مدينة طابا، لإجراء حوار مع الفنان الكبير جمال سليمان، لمجلة أخبار النجوم حيث كنت أعمل وقتها. كان يقوم بتصوير فيلم ضم عددا من الوجوه الجديدة، لكنه لم يكتمل لظروف إنتاجية.

ومضت فترة قليلة ثم ظهر رمضان فى فيلم» احكى يا شهرزاد»، الذى أكد موهبته. وكان أمام الفنان الشاب واحد من طريقين: الاختيار الجيد لأعماله التالية مع انتشار بطىء نسبيا، أو الانطلاقة السريعة مع أعمال جماهيرية ضعيفة المستوى. وأعتقد أن أعماله التالية أثبتت أنه حسم أمره لصالح البديل الثانى.


استعرضتُ تحولات الفنان الشاب، خلال متابعتى صور حفلته الغنائية الأخيرة، بعد أن وجد من يقنعه بأن مواهبه تتجاوز حدود التمثيل، وتصنع منه مطربا يُقبل الجمهور على حفلاته، فلم يكتف بذلك بل تمادى فى أساليبه الغريبة على مستويى الأداء والملابس، وهو أمر مُتقبل إذا جاء فى اطار شخصية درامية بعمل فنى، مثلما فعل احمد زكى فى كابوريا، لكن يبدو أن الظهور الصاخب بأى ثمن، أصبح الهدف الوحيد لرمضان، الذى يجب أن يراجع نفسه إذا كان يرغب فى إنقاذ موهبته.


لن أصدر أحكاما اخلاقية مثل التى أطلقها منتقدو حفله الأخير، لأننى ضد الوصاية بكل أشكالها، لكن ما يستوقفنى هو ما يفعله بعض تجار الفن بمواهبنا الجادة، فيبرعون فى اقتناص مبدعين حقيقيين، ويستغلون تراجع الذوق العام فى تحويلهم إلى دجاجات تبيض ذهبا، فإذا ما انخفض معدل إنتاج البيض، سرعان ما يبحثون عن غيرهم.

ربما تكون الظروف عاملا مساعدا لا يستهان به، فقد استمر فنان شهير يؤدى أدوارا مسرحية بالغة الأهمية دون أن يعرفه إلا القليلون، والتقطه سماسرة الفن الهابط، وصنعوا منه «كاراكتر» نقله إلى مصاف الشهرة، وأصبح نجم شباك ظل يدر الملايين لسنوات، ثم بدأ التراجع بعد أن انتقصت سلسلة أفلامه من قيمته كفنان كان قديرا.


لا تشغلنى إذن ظاهرة محمد رمضان كفرد، بقدر ما يؤرقنى من يسعون إلى إهدار الذوق العام، وتجريف تربة الإبداع فى مصر، ويرتكبون بذلك جريمة تشبه التعديات التى ساهمت على مدار سنوات، فى تقليص رقعتنا الزراعية الخصبة بشكل مُفزع.


من حق أى فنان أن يستثمر موهبته أو يهدرها، لكن من واجبنا جميعا البحث عن آليات لحماية موهوبين حقيقيين لم يتعرضوا للإفساد بعد، من تجار «يُزغللون» أعينهم ببريق الشهرة السريعة، لأن تلك الممارسات تضرب قوتنا الناعمة فى مقتل، وتؤدى لتجريف تربة الإبداع المصرى.

لا أملك حلا مُقترحا، لكن المواجهة بالتأكيد تقع على عاتق مجتمع اكتفى بصراخ «السوشيال ميديا»، وجاء الوقت ليقوم بفعل إيجابى، ويفرض مقاطعة حقيقية على الفن الهابط، لوأد تلك الظواهر الغريبة فى مهدها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة