أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

ممكن نتعرف؟!

أحمد عباس

الخميس، 29 أغسطس 2019 - 09:02 م

ترررن ترررن.. ترررن ترررن، على رنين التليفون الأحمر، صاحب السماعة الأطول من ذراعى، والقرص الدوار صاحب الصوت المزعج الذى طالما فضح مكالماتى الليلية، استيقظت يومها على صوت ضاحك، لازلت أذكر يومها كيف كانت نبرات أمى: «قوم اصحى، بيقولوا الانترنت هايدخل مصر»، وباعتبارى «سقراط» فى نفسى منذ الصغر، أيقظتنى أمى تسألنى ما هذا البتاع الجديد اللى اسمه «انترنت»!
كُنا فى إجازة العام الدراسى من صيف العام 1997، والحقيقة أننى كنت أصغر حتى من أفتى كعادتنا، أو أن أسرح بخيالى وأضم جفونى وأعمل فيها فاهم، كنت حينها لم أتجاوز أربعة عشر عاما، وبوجه متجهم لم تفارقه علامات البلاهة البادية أيضاً منذ الصغر، سألتها من أين جاءت بهذا الكلام الخطير، قالت: «التليفزيون.. وبيقولوا انه هايبقى فى كل بيت كمان، آه وقالوا العالم هايبقى قرية صغيرة».
ولم يكن وقتها معروفا من الأصل ما هو هذا البتاع ولا حتى وظيفته، هل سيأتينا جارياً فى مواسير مثل المياه، أو يصل مضغوطا فى مواسير كما الغاز المسال، أم سيمر عبر كابلات كهرباء، أو سنقوم بشرائه وتخزينه فى النملية أسفل رخامة حوض المطبخ، أم ماذا بالضبط، أو ما هذا البتاع أصلا؟!
سألتها بقلق: «طيب.. طمنينى مقالوش هايدخل ازاى، واللا منين، واللا مين اللى هايجيبه»، ردت بعصبية لم اتبين سببها حتى الآن: «يعنى لو كانوا قالوا أى حاجة من دى كنت هاصحيك أسألك ليه.. فاهم أوى اسم الله عليك مثلا»، وأردفت: «قوم قوم انزل المدرسة شوف نتيجتك زمانها طلعت».. أغلقت يومها السماعة وأنا حائر، يقظ أترقب من أين سيدخل هذا البتاع، وأى عالم هذا الذى سيصبح قرية صغيرة، حتى ولو أصبح ماذا سنصنع حينها؟
ومع مرور الوقت، ومعافرة طويلة مع والدى المتحفظ، وافق على شراء كمبيوتر بهارد ديسك 4.6 جيجابايت، يعنى اختراع وقتها، ولأن رزق أمى كان واسعا ولديها من الأبناء الذكور ثلاثة وبنت، فكتب لها لاحقا أن تعرفه حق المعرفة على صوتهم، فأنا الأكبر وحقى محفوظ فى استخدام الـ «مدعوق» كما كانت تسميه أمى لأننى أقرأ بحثاً مهما على الانترنت، وأيمن عايز يقرأ أكثر عن أحدث مضارب التنس المولع بها، وأمجد بيلعب «كونكر» أونلاين وحان وقت لعبه، وأختى عايزة تتكلم فى التليفون وطبعا هذا مستحيل لأن الخيار وحيد إما الحديث فى الهاتف أو الاتصال بالإنترنت، وهذه هى الخناقة اليومية.
تذكرت الحكاية بتفاصيلها وأنا أتلقى دعوة الأسبوع المقبل لحضور اتفاقية لإتمام استحواذ موقع «Match.com» الأمريكى الأشهر للمواعدة بين الشباب والشابات عبر الإنترنت، على تطبيق «harmonica» المصرى الذى يزاول نفس النشاط عبر الهاتف المحمول، وما الذى يدعو شبكة أمريكية كبرى مثل «Match» لتأتى إلى مصر وتشترى تطبيق محمول، إذن الأمر أيضاً له علاقة بالتجارة.
تأكدت أنا أن العالم فعلا أصبح قرية صغيرة!
وأدركت أمى حقيقة أننى لم أقرأ بحثاً، ولا أيمن بيفهم فى التنس، ولا أمجد بيلعب أونلاين، لكن جميعنا كنا نبحث عن الـ«Dating» عبر مواقع 09995000، ونمرة واحد دوت كوم، و«ICQ»، و«Hi5» وغيرها من مواقع المواعدة، حينما دخلت يوماً لتفتش خلفنا ولم تجد إلا نوافذ مفتوحة جميعها يحمل نفس الجملة: «ممكن نتعرف»؟!

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة