عصام السباعى
عصام السباعى


يوم صعد قلبى للسماء !

يوميات الآخبار

عصام السباعي

الإثنين، 02 سبتمبر 2019 - 08:05 م

وحمدت الله كثيرا على ظل تلك الشجرة، وسرحت فى نعم الله على شخصى الضعيف وكيف يسر لى تلك الرحلة المقدسة.

السبت:
التقطنا أنفاسنا بمجرد أن وجدنا سيارة تقلنا مع زملائى الخمسة من أسرة أخبار اليوم من «مني» إلى عرفات الله، وكنا قد فضلنا مفارقة باقى الزملاء الذين سبقونا وقضاء يوم التروية فى منى، وشاء الله أن نقضيه بجوار المستشفى، حيث تعرض أحد الزملاء لنكسة صحية، واندمجت مع التلبيات والدعاء، وأنهكنى التعب بعد أداء صلاتى الظهر والعصر جمع تقصير، فلم يزر النوم عينى فى ليلتنا فى منى، وفضلت عدم الجلوس فى الخيمة، والاستلقاء تحت الشجرة التى بجانبها،وفردت سجادة الصلاة ونمت عليها، وكلما استدارت الشمس وضربتنى غيرت مكانى، وحمدت الله كثيرا على ظل تلك الشجرة، وسرحت فى نعم الله على شخصى الضعيف وكيف يسر لى تلك الرحلة المقدسة، وجاء الوقت الذى انتهت فيه مهمة الشجرة، وأصبحت وجها لوجه مع الشمس القاسية. ولم تمر دقائق حتى جاءت سحابة كبيرة حضنتنا بظلها، ودعوت الله حتى يطول بقاؤها، وفوجئت بعدها وفى تمام الساعة الثالثة عصرا وفى عز الشمس،بهواء شديد وصوت خبطات السحب فى السماء ثم بسيل منهمر من قطرات المطر الثقيلة غسلت أجساد الحجيج وقلوبهم، لينطلق لسانى مع مايفوق مليونين ونصف المليون حاج بالتلبية فى مشهد يصعد بالقلوب إلى السماء، وظللت أسير هنا وهناك ولسانى وقلبى يلبيان، حتى التقيت بزميلى الأستاذ محمود فراج الذى أخذنى معه إلى حيث مكانى مع حجيج المجموعة 174، وشربت معه الشربات الأحمر الذى قام أحد المواطنين السعوديين بتوزيعه ابتهاجا بسقوط الأمطار.
 وأصبح الصعب.. سهلا !
الحج رحلة مقدسة شاقة، ومهما كانت التيسيرات فسوف تؤدى مناسكه أشعث أغبر، ومهما واجهت من صعوبات ومشاق، فسوف تجد كل أمورك سهلة ميسرة، وماكنت تستصعبه ستجد فيه بعدها حلاوة تتمنى لو عادت وتعيشها من جديد، وسبحان من جعل الصعب سهلا،وهكذا كان حالى وبلاشك حال ملايين مثلى فى نفس المكان فى عرفات الله وفى منى. حيث استقبلتنا رحمة الله فى أول أيام العيد «منى»، برخات من المطر الثقيل غسل قلوبنا ثم رمينا جمرة العقبة الكبرى ثم قمنا بتقصير شعر الرأس، وكنا قد اشترينا قبل أيام صك الهدى، فأمكن التحلل الأصغر بخلع الإحرام وارتداء الملابس العادية، وفى يوم التشريق الأول ولليوم الثالث هطلت الأمطار علينا قبل ساعة من الزوال ونزولنا لرمى الجمرات، وكانت هذه المرة أطول فى الوقت وأغزر فى الكميات ومصحوبة برياح أقوى، وخرجنا وسط المياه حتى رمينا ثم عدنا وقد قامت الأجهزة المسئولة بالتخلص من كل تلك المياه فى فترة وجيزة، وكأن السماء لم تمطر. وأعترف أننى تعبت جدا فى «مني»، وأعترف أن فضل الله قد غمرنى وغسلنى كما قطرات المطر، فحرارة الجو لم نشعر بها، والجو داخل خيمتنا مع أهلى فى دار أخبار اليوم أو غيرهم الذين لم نعرفهم إلا فى تلك المناسك تحول إلى أننا أصبحنا أسرة واحدة، وفى اليوم الثانى من أيام التشريق تعجلنا فرمينا الجمرات ثم انصرفنا وسط ملايين الحجيج، وفضلنا السير حتى عدنا إلى مكة،فى مسافات سرناها لا تقل عن تسعة كيلومترات، ونمت للحظات ثم ذهبت إلى المسجد الحرام لأداء طواف الإفاضة وعدت إلى السكن لأنام فى الفراش ثلاث ليال متتاليات مصابا بالحمى والتهاب صديدى شديد بالحنجرة،وكان مسك الختام فى الرحلة المقدسة هو زيارة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهناك بلغته سلامى وسلام كل من حملنى تلك الأمانة، وفى رحاب المسجد النبوى هدأ قلبى واكتمل سلامى، ويارب اكتبها للجميع.
وضعونا فى عيونهم
الإثنين:
وأنت فى المشاعر المقدسة تكون رائقا مثل ماء الثلج الذائب، تكون ذائبا فى المكان، وربما ذائبا طائرا لا على الأرض تمشى ولافى السماء تطير، ولكنك تكون وبتعبير جلال الدين الرومي «مثل الثلج الذائب قدغسلت نفسك من نفسك»، وعندما تنتهى تنتابك مشاعر فياضة لو أنك بدأتها من أول وجديد، تتضح لك الصورة أكثر شمولا، تفكر فى تلك الملايين التى كانت معك فى نفس المكان، تتذكر أمواج البشر التى تسير معك إلى نفس المكان لتؤدى نفس المشاعر، تستعيد المشاهد التى رأيتها من أعلى لتلك الأمواج وهى تنساب وخطوط السير التى تم تنظيمها بدقة، وهنا يصبح تسجيل ذلك النجاح فى تنظيم الحج أمانة يجب أن تؤدى، منذ الوصول إلى مكة أو المدينة المنورة أو المغادرة من أى من المدينتين المقدستين، وباختصار فقد كان موسم الحج ذكيا تم استخدام أحدث التكنولوجيات والتطبيقات الإلكترونية فيه وبكثافة وبنجاح فى تسهيل حركة وسير ملايين الحجيج فى نفس التوقيت لأداء نفس المناسك، وخدمات الحجيج، وحمل شرف تلك المهمة المقدسة العديد من الأجهزة والمؤسسات، وأشرف عليها العديد من المسئولين الذين يستحقون الشكر والدعاء، ويكفى مجرد الإشارة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذى تابع مايقدم من أجل راحة حجاج بيت الله الحرام، وتأمين تنقلاتهم فى المشاعر المقدسة ومكة المكرمة، وعرفت فيما بعد انه كان متواجدا فى منى ليطمئن بنفسه على تقديم كل الخدمات اللازمة، وعن نفسى فهناك شكر موصول واعتزاز كبير بماقدمه رجال الأمن العام السعودى، من أكبر القيادات وحتى أصغر المتدربين، وهناك مشاهد عديدة لا تفارق ذهنى، عندما رأيت بعضهم يحملون المسنين على ظهورهم، أما المتطوعون لخدمة الحجيج فما رصدته بشأنهم يدعو للفخر وأسجل هنا اسمين..الشاب محمد الفاهمى الطالب الجامعى و»الكبير» يوسف الوهيبى رجل الكشافة، فما يقدمه الأول فيه حب وانتماء، وما يبذله الثانى فيه قدوة وإخلاص رغم اصابته منذ الصغر بشلل الأطفال، وقس على ذلك بقية المؤسسات التى أجبرتنا الظروف على التعامل معها فى مستشفى منى وخدمة الاسعاف التى تصلك بمجرد الطلب، والخدمة الطبية التى تجعلك تدعو لمن يقدمها لك بابتسام واخلاص بلا ضجر أو تململ، ويكفى مجرد إشارة إلى أن مدينة الملك عبدالله الطبية فى مكة أجرت أكثر من 596 عملية قسطرة قلبية، و31 عملية قلب مفتوح للحجاج، وكان الأجمل ماسمعته عن استضافة المعمر الأندونيسى الحاج أوهى عيدروس 130 عاما هو وأسرته وكذلك عائلات شهداء مذبحة المسجدين اللذين وقع فيهما الهجومان الإرهابيان فى مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا، ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة.. ولا يبقى لكل فرد فى تلك المنظومة الكبيرة وضعنا فى أعينه سوى الشكر وخالص الدعوات ل»عباد الرحمن» الذين يخدمون «ضيوف الرحمن».. يمشون على الأرض هونا.. وإذا خاطبهم الجاهلون أو حاولوا التقليل من فضلهم، قالوا سلاما.
كلام توك توك:
اللى ياكل ببلاش ما يشبعش!!
إليها:
ومن أجمل مافيك هو «الرضا».

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة