عباس العقاد
عباس العقاد


 حتى لا تنساهم الأجيال.. كيف نجعل أعلام مصر ونجومها يرفرفون فى الذاكرة؟

بركسام رمضان

الخميس، 05 سبتمبر 2019 - 05:32 ص

 

فى أحد امتحانات الالتحاق بكلية مرموقة جدًا، سئل الشاب المتقدم: ماذا تعرف عن عباس العقاد! فأجاب من غير تردد: أنه شارع فى مدينة نصر!، وهذه ليست طرفة، ولكنها واقعة حقيقية حكاها أحد المسئولين الكبار المهمومين بمستقبل بلادنا، وهى دالة جدًا على ما آل إليه أمر الأفذاذ والمبدعين وأصحاب العطاء العظيم لدى الأجيال الصاعدة، وعند قطاع ليس بالهين من الناشئين والشباب، مما يعنى أننا فى حاجة لاستعادة هؤلاء الأفذاذ فى شتى المجالات، وجعلهم ماثلين فى الذاكرة دائمًا، حتى لا تضيع ذكراهم إلى الأبد، وتطوى صفحاتهم حتى النهاية، أولًا: لأنه لا يليق بالأوطان المتفوقة أن تنسى أفذاذها ورموز التفوق والعطاء فيها، وثانيًا: لأن حضور مثل هؤلاء فى المشهد على الرغم من رحيلهم إثراء للواقع، وبث للثقة فى الأجيال بأنهم أبناء وطن عظيم ينجب النابهين ويرعى المتفوقين، ويحفظ لهم ذكراهم فماذا نفعل كى يظل هؤلاء ماثلين فى الضمير، حاضرين فى الوجدان؟،

 

 فى البداية يقول الناقد الكبير د.سعيد توفيق أستاذ الفلسفة بآداب القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة: أذكر ـ فى يوم لا ينسى ـ أثناء تدريسى لطلاب الليسانس أننى سألت إحدى الطالبات عن زكى نجيب محمود فقالت: نعم أعرف زكى نجيب محفوظ جيدًا وأحبه!، فوجدت نفسى أقول لها: ياللهول! فهذا يعنى عدم معرفتها بالشخصيتين، ومنذ ذلك الحين عزفت عن التدريس لطلبة الليسانس، ويضيف الناقد الكبير قائلًا: نحن فى محنة حقيقية، ومن أسباب هذه المحنة تهميش دور الثقافة بدءًا من التعليم وانتهاء بالمؤسسات الثقافية، لأن التعليم غيب كبار المبدعين الحقيقيين عن المناهج، ومن المخيف أن سيادة ثقافة «الإنترنت» أصبحت بديلًا لهذه الثقافة الحقيقية، فاللوحى أو»التابلت» لا يغنى عن الكتاب أبدًا، وعلاج هذه المشكلة يكمن أولًا: فى التعليم يجب أن تكون موضوعات الأدباء الكبار مقررة على الطلاب، كل فئة عمرية وما يناسبها، أما ثانيًا: فالدولة ممثلة فى وزارة الثقافة لابد أن تضطلع بهذا الدور الخاص بإحياء هذه الرموز الأدبية والفكرية التى شكلت وجدان وهوية مصر فى مرحلة تاريخية مضت، فانقطاع الجيل الجديد عن الأدب بالغ الخطورة، لأنه يغيب عقولهم ويقطعهم عن تاريخهم ويجعلهم منقطعى الصلة عن جذورهم وتراثهم الذى يجب أن يكون ممتدًا فيهم.


التعريف بالجذور
ويقول الناقد الكبير د. أحمد درويش: أظن أنه يجب وضع تخطيط استراتيجى بين مؤسسات الثقافة والإعلام والتعليم والتأكيد على أن من مكونات حضارة أى مجتمع معاصر هو فكرة التراكم والجذور وأن من لا جذور له لا ثبات له، وفى هذا الإطار ينبغى التأكيد فى مناهج التعليم على التعريف الإيجابى بالشخصيات الثقافية والعلمية والاقتصادية المصرية على الأقل خلال نهضتها المعاصرة منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، لأن كثيرًا من التلاميذ لا يتلقون فى دراستهم شيئًا عن العالمة سميرة موسى مثلًا، ولا يعرفون من الذى قدم بحوثًا فى التجربة الذرية فى النصف الأول من هذا القرن، كما لا يعرفون كثيرًا عن المجلات الأدبية والمفكرين الكبار ولا الشعراء، المخطط أيضًا، لابد أن يضع فى اعتباره الجانب الإعلامى الذى ينبغى التفكير فيه عند وضع خريطة البرامج، ليس بعدد الإعلانات التى ستظهر ولكن تربية العقول جزء من الجانب الوطنى الذى لا ينبغى إهماله، لأن فى إهماله ضياعًا كبيرًا جدًا، ينبغى أن يعاد تخطيط برامج الإعلام ليس باعتبارها تخاطب المستهلك السريع وصاحب الإعلانات وإنما برامج خدمية، وينبغى أن تكون هناك خطة كالخطط الصحية لتطهير العقول المصرية من الإهمال الثقافى والتذكير بأعلامنا.


بعيدًا عن برامج الطبخ!
فى حين يقول الناقد الكبير د. محمد حسن عبد الله: الكلام فى هذا الموضوع يتأسس على مفهوم ووعى الإدارة الثقافية، والإدارة الثقافية عندنا متخاذلة تمامًا، وشخصية ومتهاونة فى حق الثقافة والمثقفين، تأخذ بطابع الشللية وتجميع الأصدقاء وإسباغ الجوائز على من لا يستحقون باعتبارهم أصدقاء أو أنصارًا، كل هذا لابد أن يفت فى عضد الجمهور المبدع والعام، لابد لأجهزة الدولة المشرفة على الثقافة مراعاة الفترة الزمنية الطويلة التى يتولاها بعض القائمين على أمور الثقافة، فلا يوجد فى العالم من يتولى منصبًا لمدة طويلة إلا فى عالمنا العربى، لقد ترك أمر الثقافة لاجتهادات السوق، والسوق الثقافى فى مصر مثل المهر الجامح لا يردعه شيء، والناشر تحول إلى تاجر، بمعنى أنه يريد أن يأخذ منك ثمن ما سينشر لك، وتكون النتيجة أنه لا يعبأ بالمستوى، وليس لديه قضية أو حافز أو رسالة، ولذلك توقفت الدور المحترمة القديمة عن النشر تقريبًا، فماذا تنشر فى ظل هذه الظروف، إلى جانب الضراوة فى المعاملة، وهناك أسباب أخرى لابد من التوقف أمامها مثل قضية التعليم، فالجيل الجديد أصبح لا يقرأ ولا يعرف من هو على سبيل المثال نجيب محفوظ، بينما هناك من هو موجود على كافة القنوات.. للأسف ليس لدينا العقليات الكبيرة التى تبرز، وتعيد ذكرى من يستحقون التذكير بهم، كما أن المدرس فى المدارس لا يؤدى بشكل جيد لكى ينقل ثقافته وعلمه إلى تلاميذه، بالإضافة إلى الاختيار السيئ للنصوص التى تقدم إلى الطلاب، وتجبرهم على كراهيتها، والغريب أنه عندما نفتح أية فضائية مصرية، نجد عليها برنامجًا للطبخ، وآخر للتحليل الرياضى، ولا نجد فيها برنامجًا ثقافيًا، وهذه كارثة، كان زمان عندنا: عالم الحيوان، عالم البحار، والعلم والإيمان، وأمسية الثلاثاء للراحل فاروق شوشة، وكان لدينا لقاءات ومحاورات جدية رائعة فى العرض تجعل المثقف المصرى جديرًا بمكانته وجديرًا بريادته، الآن المثقف أصبح يجرى وراء جوائز هنا، أو ندوة هناك، ونشر كتاب يلحق بمجلة فى بلد ما، وأصبحت هذه هى الثقافة المصرية ثقافة تابعة، وليست رائدة، صاحبة رسالة، ولذلك لابد من إعادة تشكيل الهيكل كله.


رد الاعتبار
أما الشاعرة والناقدة د.نجاة على فتقول: هناك نوع من غياب الوعى عند بعض القائمين على أمور الثقافة فى مصر، فالثقافة على هامش الاهتمامات، فبالتالى كتب وأفكار المثقفين لا يتم الاحتفاء والاهتمام بها بالرغم من أن القوى الناعمة فى مصر هى الحل الأساسى لمشكلة الإرهاب، لأن حلها سياسى قبل أن يكون أمنيًا، بالإضافة إلى أننا لا نحتفى بالقيمة الأدبية، فمثلًا نجيب محفوظ القيمة والقامة الأدبية العظيمة والذى تمر 30 عامًا على نيله جائزة نوبل، وهو العربى الوحيد الذى صنع وجودًا للعالم العربى فى الغرب لم نجد احتفاء به كما يجب، وبرغم مرور 13 عامًا على وفاته، فإن مبنى متحفه لم يخصص بكامله لتخليد اسمه بسبب خلاف بين وزارتى الثقافة والآثار، فهل يعقل هذا؟، وعندما نحتفى بنجيب محفوظ، فنحن لا نحتفى به كشخص ولكن بأفكاره وبالقيم التى كان يدعو إليها، فقد كان يدعو إلى الحرية فى المجتمع، وأن يكون هناك احترام للدولة، ولكل من يعيش على أرضها، لابد أن يتم رد الاعتبار لهؤلاء عبر قوافل ثقافية وإنشاء متاحف تخلد أعمالهم، ولابد أن يكون ذلك من خلال إرادة دولة.

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة