عادل حلمى
عادل حلمى


يوميات الأخبار

كنز «السيدة العذراء»

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 05 سبتمبر 2019 - 06:38 م

عادل حلمى

«املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام، املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام، اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر، اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال».

تجاوز الليل شطره بساعتين.. بضع دقائق إلى مطار الكويت الدولى، مضت كأنها الدهر لمرض ألم بى.. باب الطائرة أغلق على ظلمات بعضها فوق بعض، شق ليلها طلة بهية لمضيفة أوكرانية تبلغنا بصوت رخيم ناعم بربط الأحزمة استعداداً للإقلاع.. ألم يعتصر جسدى، خفف أوجاعه تحليق الطائرة فوق الأجواء العراقية لتختفى آلامى، ويسبح عقلى فى تاريخ بلد عظيم صنع للحضارة مجداً.. دارت فى مخيلتى حقب تاريخية متوالية أقلب فى صفحاتها على بساط سندبادى يسابق الريح يجوب بلداً أهدى البشرية باكورة أولى حضارات عرفتها الإنسانية، صفحات فى زمن بهى مضى أقلبها، حتى تراءت أمام عينى خيوط فجر جديد من شرفة الطائرة.. سرق تسلسل أفكارى نداء خافت لقائدها باقتراب هبوطنا بمطار أتاتورك الدولى.. دقائق ولامس الطائر المعدنى العملاق المدرج، رافقتها دقائق أخرى لإنهاء أوراق دخولى للبلاد فى أناقة ويسر، مستقبلى فى بهو المطار أبلغونى الانتظار حتى وصول باقى الوفود الإعلامية من البلدان الأخرى.. وجدتها فرصة لاغتنام غفوة بعد ليلة سفر مرهقة.. افترشت أرض المطار ورحت فى نوم عميق لا أدرى لكم من الوقت استمر، كتب نهايته صوت عربى مألوف لأذنى ففتحت عينى لأتبينه، فإذا بى أَجِد أمامى وفدا مصريا يستقبلنى بابتسامات أعادت لى دفء الوطن.. اكتمل الجمع بوصول باقى الوفود لتقلنا حافلة خاصة تشق طريقها عبر جسر البسفور، وسط طبيعة خلابة وجبال رَوَاسٍِ قطع جمودها واعتلى صخورها وهاماتها أشجار الآرز والزيتون والتوت والخوخ والتين والعنب والبندق، وزينتها زهور التوليب والنرجس، فقدمت لوحة ربانية بديعة، انتهت بعبورنا لبحر مرمرة، ومنه إلى مبتغانا بمدينة بورصة تاج السياحة التركية والأوروبية، ودون أن تدرى أو تجد رغبة فى المقاومة تستسلم طواعية لمفاتن المدينة السابحة فى الجمال النابضة بالحياة... وبعد يوم حافل بالفعاليات الإعلامية، نظم لنا عمدة المدينة جولة سياحة لأهم مناطقها السياحية، وهو «جبل أولدج»، الذى يعد أحد أبرز المزارات، وله شهرة عالمية فى مسابقات التزلج الأوليمبية، والتلفريك، ويضم بين طياته الشجرة التاريخية الكبيرة التى لا تبعد عن وسط المدينة سوى 10 دقائق، ويبلغ عمرها 600 عام، والتى تستقطب يومياً آلاف السياح من حول العالم، وهنا تبادر للذهن، كيف أن تلك الشجرة تدر دخلا مهولاً من العملات الصعبة لتركيا، ونحن نمتلك شجرة «مريم العذراء»، فى المطرية والتى يقترب عمرها من الثلاثة آلاف عام ولا نستثمرها بالشكل الذى يليق ومكانتها التاريخية وقدسيتها ورمزيتها الدينية، خاصة أنها أحد معالم مسار رحلة العائلة المقدسة لمريم البتول والسيد المسيح عليه السلام.. إن كنز «السيدة العذراء»، يحتاج إلى عمل ضخم، وإلى تعاون وزارة السياحة والكنيسة المصرية وكافة الأجهزة المعنية لإحياء مسار العائلة المقدسة، الذى سيكون كنزاً مادياً وسياحياً وترويجياً كبيراً لمصر عالمياً.
بطل السلام
اختلاف الآراء رحمة من رب العباد لبنى البشر، وعلى مر التاريخ لا يوجد إجماع مطلق على شخصية بعينها، فالكمال لله وحده، ووسط هذا المنهج تداهمنى دائماً فكرة أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أحد أكثر الحكام الذين تعرضوا للظلم على مر التاريخ، فالرجل تولى قيادة البلاد فى ظروف عصيبة.. شعب منكسر بمرارة نكسة ٦٧، ودولة على حافة الهاوية أنهكتها عنتريات أفقدتها الصديق قبل العدو.. تقبل «بطل السلام» المهمة بصدر رحب وتحمل مرارات السخرية من شخصه وعمل فى صمت لإعادة تجميع شتات الدولة وبناء مفاصلها وتدعيم قدرات جيشها العظيم بدرع وسيف يستعيد هيبتها ويسترد شرفها، حتى كتب الله على يديه نصر أكتوبر العظيم.. أحب الشعب المصرى الرئيس السادات، ولكن حبهم ظل حبيس الضلوع، لأسباب عدة، فى طليعتها الخوف من آلة اليسار الجامحة التى كانت تصم كل من يشهر حبه للسادات بأبشع التهم وأولها الخيانة للناصرية والقومية العربية والإشتراكية الثورية، وغيرها من العبارات البراقة التى استماتوا فى الدفاع عنها.. محبو السادات ليسوا فى خصومة مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ولا ينكرون دوره القومى والعروبى، كما أنهم لا يكرهون الناصريين ودفاعهم المستميت عن قناعاتهم، ولكنهم ينكرون عليهم هذا الهجوم غير المبرر على الرئيس السادات، ولو كان الرئيس عبدالناصر نفسه حياً لأنكر عليهم هذا الهجوم على رئيس مصرى مخلص عبر ببلاده من مرارة الهزيمة إلى حلاوة النصر، ومن شظف العيش، إلى حياة كريمة للشعب ينعم فيها بالأمن والاستقرار.. التاريخ وحده أنصف بطل الحرب والسلام، وشهد له العدو قبل الصديق بعد ٣٨ عاماً على وفاته، وأشادوا بقراراته الصائبة وبفكره المستنير الذى سبق زمانه. وبحرصه على قيادة سفينة بلاده إلى بر الأمان فى عالم متلاطم الأمواج، وبتشيده جسراً للسلام بين الأمم بعبارته الخالدة فى الكنيست الإسرائيلى مخاطباً ألد أعدائه: «املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام، املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام، اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر، اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال».. رحم الله الرئيس السادات ورحم كل من عمل بصدق وإخلاص وتفان فى خدمة هذا الوطن العظيم.
جيهان السادات
طلتها الوقورة، تبعث الإطمئنان فى النفوس، حديثها العذب المهندم يشق طريقه إلى قلوب المصريين، انتقاؤها لكلماتها فرض احترامها على الجميع، لم أسمعها يوماً تخطئ فى حق أحد، حتى الذين هاجموا زوجها وأفاضوا فى شائعات أقرب ما تكون إلى الخيال، طالتها هى شخصياً.. صحيح أنها كانت إحدى هوانم الزمن الجميل، وكانت ذات يوم سيدة القصر الرئاسى، ولكنها مثل كل الأمهات المصريات المناضلات وقفت إلى جوار زوجها وقت المحن ووقت رئاسته للبلاد ووقت أن كانت كل الأضواء مسلطة عليه وعليها، وبعد رحيله انكفأت على رعاية أسرتها وتربية أولادها، وابتعدت عن الأضواء والشهرة طواعية، وكان من الممكن أن تظل فى بؤرة الضوء بحكم ما تملكه من خزائن أسرار حول فترة مهمة من تاريخ مصر، ولكنها رفضت المتاجرة بكل ما تعرفه وآثرت صالح بلدها وأمنه القومى على مصالحها، فزاد احترام وتقدير الشعب المصرى لها.. جيهان السادات سيدة تسكن قلوب المصريين، هم منها وهى منهم.
أم الدنيا
لقبه البعض بالداهية لحنكته السياسية ودهائه فى معالجة المهمات الصعبة، وسماه البعض برجل الأزمات، ووصفه آخرون برجل الساعة تقديرا لمهاراته السياسية.. إنه على باشا ماهر، أحد أعيان الشراكسة فى مصر، والسياسى المصرى البارز الذى شارك فى ثورة 1919، والذى كان عكازًا يستند إليه الملك فاروق فى أوقات الأزمات، والذى تمتّع بعقلية سياسية لا مثيل لها، وحقق أرقامًا قياسية فى عدد تولى المناصب الرفيعة فى الدولة، وأصبح أحد أشهر الساسة، الذين مروا على تاريخ مصر.. تولّى وزارة المعارف (التعليم) عام ١٩٢٥، ثم عُين وزيرًا للمالية عام ١٩٢٨، ثم وزيرًا للمعارف، ثم وزيرا للحقانية (العدل) عام ١٩٣٠، وشغل منصب رئيس وزراء مصر أربع مرات كان أولها فى 30 يناير 1936 وآخرها عند قيام ثورة يوليو 1952 حيث عُهد إليه برئاسة أول وزارة مصرية فى عهد الثورة المصرية.. تذكرت تاريخ هذا الرجل عندما حضرت ندوة ثقافية نظمتها وزارة الإعلام الكويتية بحضور وزير الإعلام الكويتى الأسبق محمد السنعوسى، حيث قام أحد الشباب الحاضرين فى الندوة وبغير سبب واضح ودون وجه حق محاولاً الإساءة إلى مصر، وقبل أن يتصدى أحد المصريين الحاضرين لخزعبلات هذا الشاب، انتفض السنعوسى مدافعاً عن مصر، ولقن الشاب درساً تاريخياً موثقاً أخرسه عن الحديث، عندما أبلغه أن مصر أكبر مما يدعيه وأنها سبب فى تعليمه وملايين العرب غيره، حيث شكلت الحكومة الكويتية وفداً وأرسلته إلى مصر لمقابلة على باشا ماهر وزير «المعارف» فى ذلك الوقت ليطلبوا منه السماح للطلبة الكويتيين بالالتحاق بالمدارس والجامعات المصرية، فاستقبلهم على باشا بترحاب كبير وأصدر قراراً فورياً بأن تفتح جميع المدارس والجامعات المصرية أبوابها مجاناً لتعليم الأشقاء الكويتيين ومعاملتهم معاملة الطلاب المصريين.. كم شعرت بالفخر لحظتها وبعظمة بلادى وبأنها حقاً «أم الدنيا».
زواج كاثوليكى
قصة حبنا كانت حديث المدينة، غرامى بها تفضحه عيونى وسط أحاديث العاشقين، وولهى بحسنها لا تكتب له نهاية، احفظ ملامحها درباً بدرب، وأعرف من أسرارها ما غاب عن غيرى من المحبين، أسمع كلماتها دون أن تنطق بحرف، وافهم ما تريده قبل أن تطلب، لغة الهيام حديثنا.. شائعات سرت فى جنباتها بأن العاشق قد ترك محرابه، وانفصل عن محبوبته بعد أن جهر علانية بعدم شغفه بها، تساؤلات تلو الأخرى طاردتنى: «هل حقاً انتهت فصول رواية حبكما؟»، وهم لا يعلمون أن قصتنا ليس لها نهاية، تشخصها كلمات ذهبية لكامل الشناوى فى أبياته الشهيرة لمحبوبته الغائبة قائلاً: «أحببتها وظننت أن لقلبها نبضًا كقلبى لا تقيده الضلوع !.. أحببتها.. وإذا بها قلب بلا نبض.. سراب خادع.. ظمأ وجوع ! !
فتركتها.. لكن قلبى لم يزل طفلًا يعاوده الحنين إلى الرجوع.. إذا مررت - كم مررت - ببيتها، تبكى الخطى منى وترتعد الدموع!»، هذا هو حالى مع محبوبتى الإسكندرية، فالعلاقة بيننا مثل الزواج الكاثوليكى، قد أغضب منها عندما تخلع رداء الجمال وتصبح كغيرها من المدن، قد أهجوها لعرض قبيح ألم بها، قد أتركها غاضباً لطارئ أفقدها ملامحها، ولكنى أبداً لا أفارق هواها، فهى تسكننى وأنا أسكنها.
 رحيق الكلام
لو أن النسيان يباع لكان أغلى من الذهب.. «غاندى».
المحبة هى القوة الوحيدة القادرة على تحويل عدوك إلى صديق.. «مارتن لوثر كينج».
ليتنا استطعنا أن نحب أقل.. كى لا نتألم أكثر.. «محمود درويش».
لا يهمنى أين ومتى سأموت بقدر ما يهمنى أن يبقى الوطن.. «جيفارا».
إلهى وسيدى ومولاى متعنى وفرحنى برضاك عنى، ولا تسبب لى سبباً يحجبك عنى.. «نفيسة العلم».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة