رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي
رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي


الحكومة «تفك» التشابكات المالية بين الوزارات والجهات الحكومية

مؤمن عطالله

السبت، 07 سبتمبر 2019 - 12:15 ص

تحركات عديدة تقوم بها الحكومة لتحقيق العدالة الاجتماعية والوصول بها لكل المواطنين على اختلاف طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية، والبداية من التأمينات والمعاشات بضبط الأداء وفك التشابكات الموجودة مع وزارة المالية والتى أثرت طوال السنوات الماضية على أصحاب المعاشات.

وبحسب البروتوكول الأخير الموقع بين وزارتى التضامن والمالية أصبحت التضامن هى المسئولة عن المعاشات وزيادتها وعن كل ما يتعلق بها من ممارسات مالية لينتهى تشابك دام سنوات وأثر على تقديم الخدمة.

نفس الأمر بين وزارة البترول ووزارات مثل: الكهرباء وشركات قطاع الأعمال وغيرها.. الأموال المتشابكة أثرت على أداء الوزارات خلال الأعوام الماضية وعطل خطط التنمية، والتحرك القادم يسعى لحل تلك الأزمات المتكررة وينهى الخلاف من جذوره ويوفر سنوات من النزاع غير المجدى بين الوزارات المختلفة ويحد من الدين الداخلى وهو ما يعطى للحكومة قدرة أعلى على تنفيذ مشروعات تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين.


التشابكات المالية بين الجهات الحكومية المختلفة أمر معقد، وإحدى المشكلات الأساسية التى تعوق حركة الاقتصاد، وتقف حجر عثرة فى طريق الانطلاق وتحقيق التنمية الاقتصادية للعديد من الجهات والمؤسسات الحكومية، ونشأت نتيجة قيام هذه الجهات او المؤسسات بتلقى خدمة او تنفيذ مشروعات دون سداد التكلفة مباشرة للجهات المنفذة، فكل مؤسسة حكومية لديها مستحقات لدى الأخرى، وكل المحاولات بتصفيتها أو تسديدها لم تحل حتى الآن، رغم أهميتها وتأثيرها السلبى على الوضع الاقتصادى، مما أدى إلى تراكم مستحقات كل وزارة لدى الأخرى ولتكون الحكومة بكل وزاراتها وهيئاتها مديونة ودائنة فى نفس الوقت.
جراحة مؤلمة.


وما تقوم به الحكومة حاليا يعد بمثابة جراحة مؤلمة واقتحام للمشكلات المزمنة التى تقف فى طريق تطوير الأعمال وحركة الاقتصاد، ولكنها تهدف إلى دفع الدولة للأمام، وتحقيق الإدارة الرشيدة للتعاملات المالية بين مختلف الجهات الحكومية، بما يسهم فى تخفيف العبء عن كاهل المالية العامة، ويحقق وضعاً مالياً أفضل للوزارات والجهات محل التشابكات، وهو ما سينعكس بدوره على أداء تلك الوزارات والجهات، وما تقدمه من خدمات للمواطنين.


بدأت هذه المشكلة فى الظهور مع نهاية ثمانينيات القرن الماضى بمبالغ محدودة للغاية، ولكن نظرا للتأخر فى حلها، فقد تفاقمت بصورة كبيرة، نتيجة تعدد القرارات والقوانين بشأن هذه المديونيات واختلاف التفسيرات الخاصة بها، بما يؤدى إلى صعوبة تنفيذها، فضلا عن اختلاف القيود المالية بين أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية والشركات، وقيام بعض الجهات بعدم إثبات هذه المديونيات فى دفاترها وحساباتها الختامية، بجانب نقل تبعية بعض الجهات المدينة إلى جهات أخرى، ورفض تلك الجهات إثبات هذه المديونية، مما يؤدى إلى استبعاد بعض الجهات للمديونيات المستحقة عن المشروعات التى صدرت قرارات لنقلها من قوائمها المالية، هذا بالإضافة إلى عدم قدرة الهيئات الاقتصادية على الالتزام بسداد المديونيات المستحقة عليها نظرا لسياسات التسعير الاجتماعى لخدماتها مراعاة للأبعاد الاجتماعية.


ونتج عن تلك التشابكات زيادة قيمة المديونيات محل هذه التشابكات نتيجة الأعباء المتراكمة عليها لعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحل هذه المشكلة، وعدم القدرة على وفاء الجهات المدنية بكامل الالتزامات، وارتفاع نسبة القروض إلى حقوق الملكية، وصعوبة الحصول على الائتمان من الجهاز المصرفى.


وقد قامت الحكومة منذ عام ٢٠١٥ برصد هذه التشابكات وتحديدها حتى يمكن وضع حلول لها بعد ان تعدت قيمتها التريليون جنيه، وشكلت لجنة لفك هذه التشابكات بين العديد من الجهات والمتمثلة فى هيئة التأمينات الاجتماعية، ووزارة المالية، وبنك الاستثمار القومي، وهيئة السكك الحديدية، بجانب اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ووزارتى البترول والكهرباء، وشركات المياه، والمجتمعات العمرانية، وشركات قطاع الأعمال.


فك التشابكات


وبعد أكثر من أربع سنوات من عمل هذه اللجنة اعلنت الحكومة مؤخرا عن انتهائها من فض التشابكات المالية لهيئة التأمينات والمعاشات والتى بلغت ٨٨٩ مليار جنيه، ووضعت الحكومة خطة لجدولتها بفوائدها، وبموجب قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجديد رقم ١٤٨ لسنة ٢٠١٩ ستتلقى هيئة التأمينات مبلغ ١٦٠٫٥ مليار جنيه سنوياً بفائدة مركبة ٥٫٧ ٪، بداية من العام المالى الحالى، وسيتم خلال السنوات السبع المقبلة سداد تريليون و٣٣٧ مليار جنيه لصناديق التأمينات الاجتماعية، طبقا للقانون الجديد.


وأكدت الحكومة انها مثلما نجحت مؤخرا فى حل واحدة من أعقد القضايا الشائكة والمتعلقة بالتشابكات المالية الخاصة بأموال التأمينات والمعاشات، من خلال إيجاد حل يتسم بالاستدامة والكفاءة، فهى أيضا عازمة على إيجاد حل سريع للتشابكات المالية بين وزارات المالية والكهرباء والبترول.


وبعد عدة اجتماعات ترأسها د. مصطفى مدبولى رئيس الوزراء بهذا الشأن تم الاتفاق على انه سيتم قريبا توقيع بروتوكول بين وزارتى الكهرباء والمالية، لفض التشابكات المالية بين الوزارتين، يتضمن قواعد واجراءات واضحة ومحددة تحسم العلاقة بين الوزارتين.


مستحقات البترول


وتشكل مستحقات وزارة البترول الجزء الأكبر من تلك المديونيات لدى الوزارات والهيئات الحكومية وشركات قطاع الأعمال العام تصل إلى اكثر من مائة مليار جنيه بينما تصل مستحقات وزارة الكهرباء إلى ما يقرب من ٣٠ مليار جنيه، ويبدو أن أحد الحلول المطروحة لإنهاء هذه التشابكات هو حصول الوزارات على أصول من الجهات المدينة مقابل مستحقاتها، وهذا ما بدأت الحكومة فى تنفيذه فعليا.


حيث تقوم الحكومة حاليا بحصر أصول الدولة غير المستغلة المملوكة للجهات المدينة لمبادلتها بنظام المقاصة مع الجهات الدائنة لفض التشابكات المالية بينهم، وسيصدر رئيس الوزراء قريبا قراراً يتضمن قائمة بعددٍ من قطع الأراضى التى تتبع بعض الجهات المدينة لبنك الاستثمار القومى لإنهاء مديونية هذه الجهات، وسيتم عمل مقاصة لهذه المديونيات، كما سيتم تسوية ١٥٫٧ مليار جنيه من مديونية هيئة السكك الحديدية عن طريق حصول البنك على أصول تمتلكها هيئة السكة الحديد، كما سيحصل البنك على أصول تمتلكها هيئة النقل العام، وتقدر قيمة المديونيات المتشابكة التى عقد بنك الاستثمار تسويات بها مع الجهات المختلفة حوالى ١٠٠ مليار جنيه منها جزء فى صورة أراض والآخر تم الحصول عليه فى صورة سداد نقدى.


ويرى خبراء اقتصاديون أن فض التشابكات المالية بين الوزارات سوف يؤدى فى المستقبل إلى خفض حجم الديون، وتطوير عمل الوزارات وتحسين مستوى الخدمات للمواطنين، واعتبروا قيام الحكومة بحصر أصول الدولة غير المستغلة ومبادلتها بالديون بنظام المقاصة، بهدف فض التشابكات المالية، خطوة أولى لحل هذه المعضلة والحد من الدين الداخلى.


وقال د. رشاد عبده رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية ان التشابكات المالية كارثة على الاقتصاد، لأنها تكبل عمل الوزارات وتؤثر سلبًا على الاقتصاد القومي، وتعرقل وضع رؤية واضحة لانطلاقته، مطالبا الحكومة بتشكيل لجنة للقضاء على هذه التشابكات من خلال الإجراءات الاقتصادية، ومنها نظام «المقاصة»، موضحا ان مشكلة التشابكات المالية ترجع إلى سنوات طويلة حيث يعود بعضها إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضى نتيجة لتراجع أداء شركات قطاع الأعمال، وأيضا النظرة إلى أن الوزارات والهيئات كلها تابعة للدولة وبالتالى لن تكون هناك مشكلات عن عدم سداد الفواتير بين الوزارات والهيئات، مشيرا الى ان حجم التشابكات بين الوزارات يقدر بمليارات الجنيهات بسبب تراكم الديون والفوائد السنوية، فبنك الاستثمار القومى أقرض إحدى شركات القطاع العام ٢٠ مليون جنيه ومع تراكم الفوائد لسنوات أصبحت المديونية ٨٠٠ مليون جنيه الأمر الذى يخرج عن استطاعة هذه الشركة على سداد هذا المبلغ الذى يفوق رأسمالها.


عائق للاقتصاد


وشدد د. رشاد عبده على ان التشابكات المالية تنتشر فى كل قطاعات الدولة حتى إن هناك تشابكات مالية بين الشركات فى الجهة الواحدة، وتعيق هذه التشابكات حركة الاقتصاد وتقف عائقا فى سبيل انطلاقته، كما أنها تسبب ارتفاعا لمديونية هذه القطاعات، مما يعد محفزا لجهات الإدارة على عدم الانضباط وانتشار الفوضى، وتمنع الشركات أيضا من إجراء تقييم واقعى لها، وبالتالى عدم وضع رؤية للتطوير والتحديث، كما أن فوائد الديون تجعل هذه الشركات تتكبد خسائر على الرغم من زيادة الإنتاج، لافتا الى ان فض تلك التشابكات أمر معقد لأنها حدثت على مدى فترات طويلة ومن خلال قوانين متعددة تحتاج لإعادة النظر فيها، كما أن الشركات تحتاج إلى مواد خام للتصنيع أو مواد لتقديم الخدمة مثل الكهرباء التى تحتاج إلى وقود وقطع غيار وإنشاء محطات جديدة.. ومع تعويم الجنيه ارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج أو أسعار المواد اللازمة لتقديم الخدمة، والتى تستورد فى الغالب من الخارج، وبالتالى تظل أزمة الديون على هذه الشركات والجهات رغم ارتفاع أسعار الخدمات، ولحل هذه المشكلة يجب على الحكومة تشكيل لجنة لفض التشابكات المالية من خلال عدد من الإجراءات الاقتصادية ومنها المقاصة اى مبادلة الديون بأصول تمتلكها الشركات المدينة.


وقال ان نجاح الحكومة فى فض التشابكات المالية بين جهاتها سوف ينعكس على حياة المواطنين عن طريق تقديم خدمة مميزة لهم، بالاضافة الى زيادة فى معدلات النمو وتطوير وتحسين مستوى التنمية فى كل المجالات، كما ان فك التشابكات يمكن الشركات من اجراء اعمال الصيانة بصورة دورية، وتطوير مستمر للآلات والمعدات، وبناء منشآت جديدة، كل ذلك سيحسن من مستوى الخدمات المقدمة ويساعد على مزيد من الانتاج والتقدم.


نتائج ايجابية


ويتفق د. عبد الرحمن عليان استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس مع الرأى السابق، ويشدد على ضرورة فض الاشتباكات المالية بين الجهات الحكومية فى أسرع وقت ، ويضيف: أن عدم تحصيل الوزارات لفواتيرها لدى الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى أدى إلى قصور كبير فى الموارد مما عطل خطط التطوير، وانعكس سلبا على الخدمات المقدمة للمواطنين خاصة فى قطاعا الكهرباء والبترول ، مؤكدا ان فض التشابكات وحصول الجهات الدائنة على حقوقها المالية بشرط ان تكون واضحة وليست على ورق فقط سيؤدى الى نتائج ايجابية، أهمها ان هذه الجهات سوف تستطيع القيام بأعمال التطوير والصيانة لمعداتها او انشاء فروع جديدة لها، وكل ذلك سيعود فى النهاية على الخدمة المقدمة للمواطن بالنفع، كما يؤيد استاذ الاقتصاد خطوة سداد بعض المستحقات عبر نقل أصول، ولكن بشرط أن تكون هذه الأصول تتناسب مع أنشطة الوزارة أو الجهة الحكومية التى ستحصل عليها.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة