محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

هذا اليوم.. منذ ثمانية عشر عاما

محمد بركات

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019 - 05:41 م

 

فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 كان انهيار مركز التجارة العالمى فى نيويورك، وسط ذهول العالم وعدم تصديقه.. لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ أمريكا وعلاقتها بالعالم العربى والاسلامي.

فى مثل هذا اليوم الحادى عشر  من سبتمبر منذ ثمانية عشر عاما، كنا فى عام2001 وكان العالم منقسما ما بين الذهول وعدم التصديق،  لما يراه رؤية العين، وما يشاهده منقولا على الهواء مباشرة عبر كل القنوات الفضائية.. ولكن كان من الصعب فهمه أو استيعابه أو تصديقه.
كان المشهد صادما ومروعا وخارجا عن نطاق العقل والمنطق، ومتعديا حدود الخيال، وحدود التوقع لامكانية حدوثه فى أى يوم من الأيام.
فى مثل هذا اليوم الحادى عشر من سبتمبر 2001 كان يوم الثلاثاء ولم يكن يوم أربعاء مثل اليوم،.. ومن شدة الهول الذى رآه الأمريكيون ومعهم العالم أجمع، يحدث أمامهم فى ذلك اليوم الذى اطلقوا عليه «الثلاثاء الأسود»،..، وصار الاسم علامة مسجلة يطلقها العالم كله على ما جرى وما كان من أحداث خارقة لكل المسلمات التى اعتادوا عليها قبله.
ففى هذا اليوم وقعت أحداث جسام لم تكن متخيلة الوقوع على الاطلاق.. وبوقوعها اختلف العالم عما كان قبلها،..، فلم يكن أحد يتخيل أو يتصور انهيار برجى التجارة العالمى فى نيويورك فى أى لحظة ولا فى أى يوم، ولكنه حدث فى يوم الثلاثاء الأسود الحادى عشر من سبتمبر، لتبدأ بسقوطه وانهياره حقبة جديدة وصفحة جديدة من تاريخ أمريكا، امتدت أثارها فورا الى العالم كله.. وخاصة الدول العربية والاسلامية والتى نحن فى القلب منها.
انهيار مركز التجارة
فى هذا الحدث غير المتوقع ولا المتخيل من قبل، شاهد الأمريكيون ومعهم الدنيا كلها عددا من الطائرات المدنية، المخصصة للركاب والسفر عبر بلاد العالم ومدنه وعواصمه، تصدم عامدة برجى مبنى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، وتقتحم المبنى بصورة مباشرة بعد الاصطدام، وتفجره ليصبح أثرا بعد عين فى لحظات.
كان عدم التصديق هو الانعكاس المباشر ورد الفعل اللحظى والتلقائى، الذى أصاب الكل فى بادئ الأمر، ثم اعقبته موجة عاتية من الذهول وعدم القدرة على الفهم أو الاستيعاب،..، وما بين موجات الذهول وعدم التصديق، كان المهرب أمام الكثيرين، هو تصور أن ما يشاهدونه عبر شاشات الفضائيات، هو مجرد لقطات من فيلم سينمائى جنح فيه الخيال واشتط فيه المخرج،..، وانه بالقطع لم يكن احداثا واقعية تجرى على الأرض وفى مدينة نيويورك، فى قلب امريكا النابض بالحياة والمليء بالحركة ليل نهار،..، وأنه فى المركز من نيويورك حيث مركز التجارة العالمى المؤثر فى حركة المال والتجارة فى العالم كله.
لحظة فارقة
وإذا ما حاولنا اليوم إلقاء نظرة فاحصة ومتأملة على ما حدث منذ ثمانية عشر عاما، والتوقف بالبحث أمام ما جرى وما كان فى يوم الثلاثاء الأسود الحادى عشر من سبتمبر 2001، سنجد ان أحدا لم يدرك فور رؤيته أو سماعه لهول الزلزال الذى تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، قدر ومدى التغيير الجسيم الذى يوشك أن يطرأ على العالم كله نتيجة هذا الزلزال الذى هز الدولة العظمى فى العالم.. وأصاب الدنيا كلها بالذهول.
ولن نجد أحدا قد أدرك وقتها وهو يشاهد تلك الصورة الدراماتيكية، لانهيار برجى مبنى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، انه يقف على اعتاب لحظة فارقة فى حياة البشرية، تفصل بالفعل ما بين تاريخين مختلفين، هما ما قبل الحادى عشر من سبتمبر وما بعده.
وأحسب أن أحدا من العرب ونحن منهم، لم يطرأ على ذهنه وهو يتابع مبهورا ما يجرى وسط أكبر المدن الامريكية واشهرها على الاطلاق، أن منطقة الشرق الاوسط التى نحن منها وفيها، ستكون أكثر المناطق تأثرا بتتابعات هذا الزلزال الهائل، والأكثر تعرضا لأثاره المدمرة والفظيعة، وأن العرب - والمسلمون بالذات - سيكونون هم المتهم الأول بارتكاب هذه الفعلة، وأنهم سيصيرون الهدف لكل انتقام.
وبالفعل لم يستطع احد من المسلمين فى شرقنا الاوسط، أو فى غيره من بلدان المسلمين الممتدة من افغانستان وباكستان وغيرها، وصولا الى المسلمين فى الولايات المتحدة ذاتها، أن يفطن أو يتوقع ولو بالحدس والتخمين، لحظة اصطدام الطائرات ببرجى مركز التجارة العالمى، مدى المعاناة والاضطهاد الذى سيواجهونه فى أماكن كثيرة من العالم نتيجة ما جرى فى صباح الثلاثاء الاسود الحادى عشر من سبتمبر 2001.
نظرية المؤامرة!
وفى تفسير ما حدث وما جرى هناك رؤى كثيرة وروايات عدة، ظهرت فى الولايات المتحدة الامريكية واوروبا، وغيرهما من القارات والدول بامتداد العالم وعلى طوال السنوات الممتدة منذ 2001 وحتى الآن.
ورغم اختلاف التفسير وتعدد الرؤى وكثرة الروايات والاجتهادات، الا أن  الكل أجمع على أن أحدا فى الولايات المتحدة من عامة الناس، لم يكن يتخيل فى يوم من الايام رؤية أو مشاهدة أو معايشة ذلك الفزع الهائل والرعب الرهيب الذى وقع على أرضه وفى أشهر مدينة فى بلاده، وأهم موقع فى هذه المدينة.
ولكن اللافت للانتباه بين كل هذه الرؤى وتلك الروايات والاجتهادات، وجود توجه ملحوظ لايمكن اغفاله نحو الأخذ بنظرية المؤامرة فى تفسير ما جرى وما كان،...، حيث نجد من يقول بأن ما وقع وما جرى كان بترتيب وتخطيط واعداد، الأجهزة ذات القوة والتأثير فى الدائرة الضيقة لقمة السلطة والحكم فى الولايات المتحدة الامريكية والتى رأت فى ذلك ضرورة لبدء مرحلة جديدة من مراحل سيطرة الولايات المتحدة على مقاليد العالم، ورسم خريطة جديدة له، تخدم المصالح الامريكية وتعزز هيمنتها على الشرق الاوسط والعالم الاسلامى، تحت مسمى محاربة الارهاب، فى حين انها هى التى اخترعت الحدث والواقعة، حتى تخلق غول الارهاب وتصدره الى الدنيا كلها، ثم تعلن الحرب عليه وترفع شعار من ليس معنا فهو ضدنا.
ويقول أصحاب هذه الرؤية وذلك التفسير التآمرى لأحداث الحادى عشر من سبتمبر، أنه من أجل ذلك كانت هذه الاحداث ضرورة أمريكية لتحقيق الهدف، والاعلان عن انطلاق غول الارهاب مهددا العالم كله،..، ولابد من إعلان الحرب عليه.
وسواء أخذنا بنظرية المؤامرة أو لم نأخذ بها، فلابد أن نعترف بحقيقة أن المواطن الامريكى كان قبلها غارقا فى بحر من الاحساس المفرط بالأمن والأمان بعيدا عن تقلبات العالم، نظرا لإطمئنانه للمسافة الواسعة التى تفصله عن هذا العالم الخارجى،..، ولكنه استيقظ فجأة فى الثلاثاء الاسود على أحداث مفزعة ودوامة هائلة من الرعب، جعلت منه ضحية للعنف والارهاب.
عالم جديد!
وحتى لو استبعدنا ولو مؤقتا نظرية المؤامرة رغم ما لها من قبول ملحوظ فى العالم كله الآن، لوجدنا أن وقع الصدمة كان شديدا بالفعل على الشعب الامريكى كله، وكذلك على شعوب العالم التى فوجئت وروعت بما حدث واضطرت لتصديق الرؤية الامريكية التى تؤكد أن غول الارهاب هو المسئول وأنه قد انفلت من عقاله واصبح يهدد العالم كله.
ومع الصدمة وبعد الدهشة لم يجد الكل مناصا من تصديق ما يراه ويسمعه، بعد انهيار مركز التجارة العالمى ببرجيه الضخمين، بما لهما من ثقل ومعنى اقتصادى كبير بالنسبة لأمريكا والعالم، وبعد محاولة ضرب مقر وزارة الدفاع الامريكية، «البنتاجون» بطائرة ثالثة بما يعنيه من ثقل عسكرى وأمنى ضخم بالنسبة لامريكا،..، وجد الجميع انفسهم أمام واقع جديد يقول أن أمريكا تواجه حربا شاملة وجديدة.. حربا مع الارهاب ومع إعلان الولايات المتحدة للحرب، ووسط العصبية والارتباك الذى ساد العالم كله فى ظل الغيامات الكثيفة والسحب المعتمة والداكنة التى غلفت الاحداث كلها، بدأت ملامح عالم جديد تلوح فى الافق، وبدأت ظلال العالم الذى كان قائما قبل الحدث تذوى وتتوارى، بفعل ما جرى وما وقع فى الحادى عشر من سبتمبر يوم الثلاثاء الاسود، الذى أصبح علامة فارقة فى سجل العالم بصفة عامة ومنطقة الشرق الاوسط والعالم العربى والاسلامى على وجه الخصوص.
وخلال تلك اللحظات ادرك العالم، ان الولايات المتحدة باعلانها الحرب على الارهاب، قد فتحت بابا واسعا يطل على فضاء لانهائى واحتمالات لاتعد ولا تحصى، حيث أنه من السهل أن تبدأ الحرب، ولكن من الصعب أن تتحكم فى نتائجها، أو أن تحدد نهاية لها، خاصة فى ظل أهداف فضفاضة وعدو غائم خفى يصعب البحث عنه أو التعرف عليه وسط دلائل باهتة وغامضة.
الفوضى الخلاقة!
وفى اطلالة واسعة على ما جرى وما كان، وصولا الى ما هو قائم اليوم، بعد ثمانية عشر عاما مما حدث فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، نجد ان الولايات المتحدة قد فتحت باب الحرب ولم تستطع ان تغلقه، رغم انها ضربت افغانستان وغيرها بالصواريخ والقنابل وكافة أنواع أسلحة الدمار، كما لم تضرب دولة من قبل، ولكن رغم ذلك مازالت افغانستان وغيرها مرتعا وموئلا للارهاب وموطنا له.
ولم يقتصر الامر على افغانستان، بل امتدت اثار الحدث الذى جرى فى الحادى عشر من سبتمبر وما تلاه من تتابعان الى العراق، حيث شنت امريكا حربا شعواء على العراق دمرته تدميرا كاملا وشاملا بحجة كاذبة قالها «بوش الابن» الذى كان يتولى الرئاسة الامريكية وقتها، وهى ان صدام حسين رئىس العراق فى ذلك الوقت، أصبح خطرا على العالم كله، وان العراق يمتلك ترسانة نووية وكمية هائلة من اسلحة الدمار الشامل، ولابد من تدمير هذا الخطر والقضاء عليه.
ورغم ان العالم كله لم يصدق كذبة بوش، وبالرغم من ثبوت عدم صحتها، إلا ان امريكا أصرت على شن الحرب على العراق.. وكانت النتيجة دمار العراق، وقتل ما يزيد عن نصف مليون عراقى، والقضاء على وحدة وسيادة الدولة العراقية وتفكيك تماسكها،..، وكانت النتيجة كذلك اعلان وزيرة الخارجية الامريكية فى ذلك الوقت «كوندى ليزارايس» صيحة الفوضى الخلاقة، ونبوءة أو بشارة الشرق الاوسط الجديد، وخريطة جديدة للمنطقة العربية والشرق أوسطية،..، والتى كانت فى حقيقتها وجوهرها التمهيد للنيل من الدول العربية القائمة فى المنطقة، وبداية التحرك لتفكيك وهدم هذه الدول، وهو ما رأيناه يحدث فى عواصف وزوابع ما سمى بالربيع العربى، فى كل من سوريا وليبيا واليمن،..، وهو ما كان مقررا ومخططا له ان يمتد ويحدث فى مصر وغيرها من الدول العربية، لولا عناية الله ويقظة شعب مصر وجيشها.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة