أمنية طلعت
أمنية طلعت


حبوا بعض

التفاعل مع الحزن بإظهار

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019 - 08:14 م

اعتاد أغلب الناس على التفاعل مع الحزن بإظهار اللوعة من خلال البكاء الحار وفقد الأعصاب باللطم عند فقد عزيز مثلاً، فإذا لم يأت أحد بمثل هذه الأفعال، نظروا إليه فى تعجب مستهجنين ومتسائلين عن جحوده وقلبه القاسي!.
ما أسهل البكاء واللطم وشق الجيوب كما كانت تفعل النساء فى الماضى عند وفاة رب الأسرة! فبالفعل هذه الأداءات الحزينة تشبه تماماً الممثل الذى يدخل إلى موقع التصوير وهو يضحك مع زملائه، وبمجرد أن تُسلط عليه الكاميرات وتشتعل مصابيح الإضاءة، يرتدى قناع الدور وتنساب الدموع من عينيه مدراراً، فيسقط من يشاهدونه فى بئر الأحزان متفاعلين معه، وهم لا يدرون أنه بمجرد أن تنطفئ المصابيح وتغمض الكاميرات عدساتها، سينزع عنه مكياج الشخصية ويعود إلى الضحك وممارسة آليات حياته الطبيعية من جديد.
لا أشكك فى صدق مشاعر البكائين ولكن ألقى الضوء على من يسقط واقفاً على قدميه، تنغرز سيوف ثلاثة متعاقدة فى قلبه، فيقطر دماً بينما يقف منتصباً يحتضن صدره ليدارى الطعنات والنزيف، وكم فى حياتنا من هؤلاء الذين لا ترى سوى سحابة وراء عيونهم تطفو بالهموم، بينما شفاههم لا تحمل سوى ابتسامة مضيئة ينيرون بها وجهك، فإذا ما سألتهم عن حالهم أكدوا لك بأنهم فى أحسن حال وقلبوا السؤال عليك ليطمئنوا على أحوالك أنت، وربما عرضوا عليك مساعداتهم أيضاً وقدموا كل ما يستطيعون عليه لإسعادك، فى الوقت الذى تنزوى قلوبهم فى أبعد نقطة مظلمة من العالم تنتحب فى صمت وتفضل الأنين الداخلى على أن يسمعهم أحد.
أشخاص شامخون استطاعوا ترويض الأنا داخلهم وارتفعوا فوق صغائر الشكوى واللطم، ورفضوا إراقة ماء الوجه مع كل صرخة ألم، فهم تماماً يشبهون من قال عنهم الله فى سورة البقرة «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»، فقد تكون المصيبة التى وقعوا فيها مادية، لكنهم لن يطرقوا الأبواب سؤالاً وسيتعففون عن مد أيديهم أو أصواتهم معلنين احتياجهم. هؤلاء الذين لا يثقون سوى فى الله ولا يعرفون غيره. سعيهم مقصور عليه وحده، وإيمانهم بأنهم سائرون فى أقدارهم، يتقبلون حكم الله ويبحثون داخله عن قيمة ودرس يتعلمونه ويساعدهم فى إدراك حقيقة الوجود أكثر، فسعيهم فى الأرض كله من أجل الوصول إلى الله بالحق وليس بالمظاهر.
هؤلاء الذين كلما نظرت إليهم هانت علىَّ جراحى وآلامى واستهنت بمصابى فشددت ظهرى وانتصبت، هؤلاء الذين يعلموننا الصبر والقوة والثقة فى أقدار الله، هؤلاء الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون... محبة لا تنقطع.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة