أحمد رجب
أحمد رجب


في الذكرى الخامسة لرحيل الساخر أحمد رجب.. كان يهوى محاربة الأقوياء وعناق الضعفاء

د. طارق عبدالعزيز

الخميس، 12 سبتمبر 2019 - 12:16 ص

- السادات رفض ترشحه لرئاسة تحرير آخر ساعة لأنه لايسمع الكلام!!

- مصطفى أمين: كان يبتسم وهو يكتب فإذا انتهى عاد لتكشيرته!

- مصطفى حسين : كان يجيد الكاريكاتير لكننى لم أعطيه الفرصة!!

 

تمر اليوم الذكرى الخامسة لرحيل الفيلسوف الساخر الكاتب الكبير أحمد رجب الذي غيبه الموت في 12 سبتمبر 2014، وبرحيله فقدت "أخبار اليوم" أحد أعمدتها الرئيسية، وفقد المصريون من محبي أحمد رجب ضحكتهم التي كان ينتزعها منهم صباح كل يوم من خلال عموده الأشهر في الصحافة المصرية والعربية "نص كلمة" التي كان يكتبها على صفحات الأخبار الغراء.

بدأ أحمد رجب عمله في "أخبار اليوم" عام 1952، وكان يعمل مراسلًا لمكتب أخبار اليوم بالإسكندرية، وعقب تعيينه كانت مهمته سكرتيرًا للتحرير، وكان يعمل مباشرة مع العملاقان على ومصطفى أمين.

 ولد أحمد إبراهيم رجب في 20 نوفمبر 1928 بمحافظة الإسكندرية، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1951، وتعود قصة رجب مع نص كلمة إلى أن على أمين أعطاه مقالًا طويلًا مكون من 40 صفحة وطلب منه أن يختصره في 10 سطور، فاختصر أحمد رجب الموضوع، ولكن علي أمين أعاده مرة أخرى ليختصره ويلخصه أكثر، وأستمر في الاختصار حتى أصبح الموضوع الصحفي عبارة عن بضع كلمات، لكنها تلخص الموضوع دون النقصان من معناه، ويومها قال له على أمين: "تصور أنك تكتب تلغرافًا ستحاسب فيه على كل كلمة"، حيث التكثيف والعمق والصياغة الفنية المستمدة من الموهبة والرؤية والنفاذ والبلاغة لتتواءم مع سرعة العصر والقارئ المهموم، وليس الهدف هنا إضحاك القارئ، بقدر وضع ومضة مشرقة تجعله يبتسم ابتسامة يبدأ بها يومه الطويل الصعب.

ورغم صعوبة المهمة إلا أن أحمد رجب نجح فيها باقتدار وأصبح أكبر ساخر في الصحافة المصرية والعربية.

يقول عنه إبراهيم سعده: "سطور أحمد رجب أصبحت أول ما يحرص مئات الآلاف من القراء على قراءتها، سطور قليلة تتضمن كلمات معدودة تعالج قضية جماهيرية كبيرة يعجز كثيرون عن معالجتها فى أقل من عمود طويل أو صفحة كاملة".

لا يسمع الكلام!

كتب عنه مصطفى أمين مقالًا يلخص شخصيته فقال: سخرية أحمد رجب سريعة وهى أشبه بالمدفع الرشاش، لكن الفرق بينه وبين المدفع الرشاش أنه يجرح ولا يسيل دمًا، وهو يحب الذين يهاجمهم ولا يحقد عليهم، يقاتل الحكام وهم فوق الحصان، فإذا وقعوا توقف عن حربهم واشترك في تضميد جراحهم، وهو يكتب وهو يبتسم، فإذا انتهى من كتابة كلمته عاد إلى تكشيرته المعتادة..، وهو سريع الغضب سريع الرضا، شديد الحرص على كرامته، لكنه كثير التواضع يهوى محاربة الأقوياء وعناق الضعفاء.

 

رشحته رئيسًا لتحرير آخر ساعة، ولكن الرئيس أنور السادات لم يوافق عليه، لأنه لا يسمع الكلام، والواقع أن أحمد رجب يسمع كلام القارئ البسيط ولا يسمع كلام الحكام العظام، ويقبل يد العجوز الغلبان ويبارز الوزير الخطير..، وأكبر صفة في أحمد رجب الوفاء، إنه يخلص للصديق حيًا وميتًا ورئيسًا للوزارة ومطرودًا من الحكم، ينقده وهو في النفوذ والسلطان، ويدافع عنه وهو يجلس على الرصيف، عرفته متحمسًا لأحد الوزراء يرشحه للوزارة، يصفه بكل الصفات والأوصاف، وأصبح هذا الرجل رئيسًا للوزارة، وإذا بأحمد رجب أول من يهاجمه، لقد رأه فوق الكرسي واكتشف أنه أصغر كثيرًا منه!

 

وأحمد رجب خفيف الدم، يملأ المجلس الذي يجلس فيه ضحكًا ومرحًا، وكلامه المنطوق هو صورة من كلامه المكتوب، وأعرف كُتابًا ساخرين وهم يكتبون ولكنهم ثقلاء الظل وهم ينطقون، يجلسون في المجلس الضاحك فيحولونه إلى مأتم!

 

 أفكاره الكاريكاتيرية لا تقل خفة دم عن كتاباته الكاريكاتيرية فرسومه تضحك كما تضحك كلماته، فالريشة ليست فى فمه بل أنها فى يده أيضًا، وهو يضحك من كل قلبه، ولهذا تجىء كل كلماته ضاحكة باسمة مرحة.. هذا هو أحمد رجب كما أعرفه.

أي كلام

مؤلفات عديدة كتبها أحمد رجب منها: يخرب بيت الحب، كلام فارغ، توتة توتة، ضربة في قلبك، الحب هو، أي كلام، الأغاني للأربجاني، صورة مقلوبة، الحب وسنينه، فوزية البرجاوزية ... وغيرها، هذا بخلاف الشخصيات التي أبدعها من قلب المجتمع المصري مع الفنان الكبير مصطفى حسين مثل: فلاح كفر الهنادوة، ومطرب الأخبار، قاسم السماوي، عزيز بك الأليت، جنجح، عباس العرسة، عبده حريقة، عبد الروتين، بالإضافة إلى أفكاره الكاريكاتيرية بـ"الأخبار" و"أخبار اليوم" التي كان يرسمها توأمه العبقري مصطفى حسين، فقد صنعا من خلالها تاريخًا طويلًا من الصعب أن يتكرر في الصحافة المصرية والعربية.

 

 لا أخفى أنني كلما عدت إلى قراءة أحد مؤلفات رجب أجدني أقرأها وكأنني أشاهدها لأول مرة، أضحك من قلبي رغم الهموم ورغم أنني قرأتها من قبل، لذا فقد اخترت جزء من كتابه "أي كلام" لأعيد كتابته هنا فربما نعيد ضحكة مصر التي غابت ولو لدقائق، كتب رجب في أحد فصول الكتاب تحت عنوان "قراءة جديدة في أمثال قديمة" قال فيه: ظل السجع موضة الكتابة عصورًا طويلة.. حتى عنوان الكتاب كان لابد أن يكون مسجوعًا مثل "دليل الحيران في ركوب مترو حلوان" و "العقد النفيس في انفجار ماسورة رمسيس" و المعذبون والحيارى بالتليفون والحرارة"، ولم يكن السجع في تلك العصور وقفًا على الكتابة الأدبية بل امتد أيضًا إلى لافتات المحال فنجد مثلًا .."راجي عفو الخلاق.. الأسطى بهلول الحلاق" و "كل كشري بالهنا والشفا واقرأ الفاتحة لسيدي أبو الوفا" .. كذلك حملت أقوال المنجمين والمشعوذين الطابع السجعي "حدرجة بدرجة من كل عين زرجة" و "رقيتك واسترقيتك ومن عين الحسود خبيتك" ..، لكن هذا السجع للأسف جني على أمثالنا الشعبية فمثلًا نجد "كل حمارة سابت.. ودوها بيت أبو نابت" و "يا قلبي يا كتكت أسمع الكلام واسكت".

 

التوأمان

يقول الفنان مصطفى حسين: بدأت علاقتي به على يد مصطفى وعلي أمين بعد عودتهما إلى "أخبار اليوم"، بعد فترة طويلة من تعرض الأول للسجن وللإبعاد، كان ذلك في أوائل السبعينيات في عهد السادات عندما قرر الأخوان أمين استنادا إلى تقاليد مدرسة "أخبار اليوم" أن أصاحب كرسام كاريكاتير كاتبًا أو عددًا من الكتاب الساخرين، ولذلك فكرا في أن يجمعاني بالكاتب الساخر الوحيد الموجود وقتها بالمؤسسة أحمد رجب، وكانت فكرة صائبة لأنه لم يكن فقط مجرد كاتب ساخر، بل كان أيضًا يجيد فن الكاريكاتير ولا ينقصه سوى أن يرسم لكنني لم أعطه هذه الفرصة.

ويضيف حسين :أنا كرسام أعتقد أن أحمد رجب قد أضاف كثيرًا لريشتي، لأن تفكير شخص واحد يختلف بالتأكيد عن تفكير شخصين، وفى النهاية ما كنا نقدمه معًا للقارئ من كاريكاتير يعد بمثابة قراءة واعية جدًا لنبض وأحاسيس الشارع المصري والمواطن البسيط".

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة