صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


ربع قرن من المعاناة.. قصة الشعب الأفغاني الأليمة في مستنقع الإرهاب الأسود

أحمد نزيه

السبت، 14 سبتمبر 2019 - 11:48 م

بين لحظةٍ وقع فيها العقل في غيابة الوعي وأخرى أقدم فيها على تنفيذ عمليةٍ انتحاريةٍ، ففجر نفسه في مكانٍ، ليودي بحياته قبل حياة الآخرين، وليروح ضحية جريمته أبرياء لا ذنب له في جرمه الشنيع.

ذلك هو الإرهاب الذي هو أحد آفات الشعوب الكبرى، والذي إن نخر في كاهل البلدان فإنه قد يهوي بها في مستنقع الخراب والدمار، وقد طال من الشعوب الكثير، ومن بينها كان الشعب الأفغاني.

أفغانستان استحضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حديثه خلال المؤتمر الثامن للشباب، كمثالٍ لتردي الأوضاع في بلدانٍ جراء الإرهاب، مسلطًا الضوء على ما آلت إليه الأوضاع في أفغانستان جراء الإرهاب، وما آلت إليه لما اعتبره إفراز سياق فكري من الألف للياء للإرهاب.

حكاية أفغانستان مع مرارة الإرهاب بدأت في تسعينات القرن الماضي، ولا تزال أفغانستان تذوق ويلاتها إلى يومنا هذا، دون أن تجف ينابيع الإرهاب الملوثة عن الطفح بسوادها على الأرض التي يمشي في مناكبها ملايين البشر.

أكثر من ربع قرنٍ من الصراع المسلح في أفغانستان، بدأت قصته مع استقلال البلاد عن الاتحاد السوفيتي، مع تفكك الأخير وانسلال حبات عقده في عام 1991.

بداية الصراع

ومن هنا بدأت معاناة الأفغانيين على أنقاض شيوعية الاتحاد السوفيتي، فتحول الصراع من حرب الأفكار والأيدلوجيات بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى صراعٍ ذي عباءةٍ دينيةٍ في أفغانستان.

الصراع بدأ مباشرة عام 1992 بين دولة أفغانستان الإسلامية، وهي الحكومة التي بدأت في سنة 1992 بعد سقوط الشيوعية في أفغانستان، وإمارة أفغانستان الإسلامية، المتمثلة في حركة طالبان، ليتحول الصراع بين الجانبين إلى حربٍ أهليةٍ دارت رحاها بين عامي 1996 و2001.

وتبادل الجانبان السيطرة على الحكم، فسيطرت حركة طالبان على الحكم، ووقعت العاصمة كابول في قبضتها أواخر سبتمبر عام 1996، قبل أن تعيد الحكومة الكرة عليها، وتنقض على حركة طالبان، والفريسة والضحية في هذا الصراع كان الشعب الأفغاني.

وما لبث شعب أفغانستان أن استفاق من غيبوبة تلك الحرب الأهلية، ليجد نفسه يفتح عينيه على كابوسٍ اسمه "الغزو الأمريكي"، فلم تغب أصوات طلقات المدافع والرصاص وضربات المقاتلات الجوية عن أعين الأفغان، الذين عانوا الأمرين.

معاناة ما بعد 11 سبتمبر

أمريكا ضربت أفغانستان في أعقاب 11 سبتمبر عبر عملتين، أحدهما كانت مصبوغةً بالصبغة الدولية عن طريق مجلس الأمن الدولي.

القوات الأمريكية تدخلت في أفغانستان تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي استهدفت برج التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع "البنتاجون"، وأودت بحياة ما يربو على ثلاثة آلاف شخصٍ.

تدخل أمريكا عسكريًا في أفغانستان كان يستهدف في المقام الأول القضاء على عناصر "تنظيم القاعدة"، وذلك في ظل تواجد معسكرات العناصر المتشددة هناك، وعلى رأسها زعيم القاعدة آنذاك، أسامة بن لادن، وذلك في وقتٍ كانت حركة طالبان تتبوأ مقعد الحكم في أفغانستان، وتقدم الدعم لتنظيم القاعدة.

وبدأت العملية العسكرية الأمريكي الأولى في السابع من أكتوبر من عام 2001، أي بعد أقل من شهرٍ واحدٍ على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وسمتها الولايات المتحدة عملية التحرير الدائمة واشترك في هذه العملية دول أخرى، أبرزها بريطانيا، الشريك الأساسي للولايات المتحدة في عملياته العسكرية ردًا على أحداث 11 سبتمبر.

وكانت العملية تهدف إلى تدمير مواقع ومعسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان، وترصد زعيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، إضافةً إلى إزالة حكم حركة طالبان المدعومة من تنظيم القاعدة، وكان النطاق الجغرافي لهذه العملية هو الجزء الشرقي والجزء الجنوبي من أفغانستان والحدود الأفغانية مع باكستان.

العملية الثانية كانت في ديسمبر من العام ذاته، شنتها قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان "إيساف"، وكانت الولايات المتحدة هي قائدة العمليات رفقة بريطانيا وأربعين دولة أخرى، إضافةً إلى دعمٍ من القوات البرية لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، واستهدفت هذه العملية إلى القضاء نهائيًا على حركة طالبان، التي استعادت قوتها بعدما تم إسقاط حكمها.

ضحايا سنوات الحرب

ما يهم أكثر في ذلك الأمر هو ضحايا تلك الحروب الدامية من الشعب الأفغاني، فقد بلغ عدد الضحايا من المدنيين على مدار عشر سنوات منذ 2001 حتى 2011 نحو مائة وخمسين ألف قتيلٍ حسب عضو مجلس البرلمان الأفغاني رمضان بشار دوست، الذي أكد وقتها أن هذه الحرب لم تصب في مصلحة الشعب الأفغاني.

القوات الأمريكية استمرت متواجدة في أفغانستان حتى عام 2014، حينما انسحبت من هناك، في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بعد مماطلة مستمرة من إدارة جورج دبليو بوش في أمر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مع بقاء قوات متمركزة إلى حد الآن في الأراضي الأفغانية.

وإلى حد اللحظة، يتواجد نحو 14 ألف جنديٍ أمريكيٍ في أفغانستان، وينتظر أن يتم تقليص عددهم للنصف مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامي إلى سحب معظم القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان.

المعاناة لم تنههِ

ومع مرور الأيام وحلول الذكرى الثامنة عشر لأحداث 11 سبتمبر الدامية، ظن الأفغان أنهم في طريقهم لتنفس الصعداء وإنهاء الصراع والحرب، في ظل مباحثات سلام تجريها الولايات المتحدة مع حركة طالبان "المتشددة"، والمدرجة على قوائم الإرهاب، بيد أن محادثات السلام انهارت بصورةٍ مفاجئةٍ جراء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد الماضي إنهاء المحادثات بين الجانبين، وإلغاء مباحثات كانت منتظرة في 23 سبتمبر الجاري بين واشنطن وطالبان.

وفي ظل انهيار المحادثات، توعدت حركة طالبان الرئيس الأمريكي ترامب بإزهاق مزيدٍ من الأرواح في الجنود الأمريكيين، واستمرار العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية.

وبالفعل استعر القتال من جديدٍ في شمال أفغانستان، الأسبوع الماضي، وقال مسؤولون أفغان إن القتال اندلع فيما لا يقل عن عشرة أقاليم، وشهدت أقاليم طخار وبغلان وقندوز وبدخشان في شمال البلاد اشتباكات عنيفة بين  قوات الأمن ومقاتلي طالبان، ليستمر المشهد الدموي في التفشي في أفغانستان في انتظار بارقة أمل تنهي كل هذا الدمار في البلد الأفغاني.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة