د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا


يومــيات الأخـــبار

أيام الزمن الجميل!

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 18 سبتمبر 2019 - 06:13 م

الفن الردىء طول عمره موجود والكلمات المسفة حتلاقوها فى أغانى زمان وجايز أكتر من دلوقتي.

الحقيقة، والكلام المنصف، أن كل جيل يعتبر زمنه هو الأجمل فى الحياة، وبناءً عليه، يجب أن نتوقف عن لعن الأجيال سواء السابقة أوالحالية، أو المستقبلية. وقد تعلمنا من الحديث النبوى الشريف، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله تعالى : يؤذينى ابن آدم، يسبّ الدّهر،وأنا الدّهر، أقلّب الليل والنهار»، يرى المفسرون أن العرب كان من عادات كلامهم ذمّ الدّهر وسبّه عند النوازل، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون : أصابتهم قوارع الدّهر، وأبادهم الدّهر، فإذا أضافوا إلى الدّهر ما نالهم من الشّدائد سبّوا فاعلها، فكان مرجع سبّها إلى الله عز وجل، إذ هو الفاعل فى الحقيقة للأمور التى يصفونها، فنهوا عن سبّ الدّهر.
وإذا كنا نقول الآن إن جيل العمالقة من أمثال عباس العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ، وأحمد شوقى، ومصطفى وعلى أمين وجلال الدين الحمامصى، ومحمد حسنين هيكل وموسى صبرى، وأحمد رجب ومصطفى حسين وصلاح جاهين، وأم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطى وبليغ حمدى وفريد الأطرش وعبد الحليم، وغيرهم من المواهب والمبدعين، هم الأفضل من الجيل الحالى، فلا نلومن إلا أنفسنا.
دقة قديمة !
وأتفق مع ما ذهبت إليه الزميلة العزيزة الأستاذة الدكتورة نجوى كامل أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، وهى مؤرخة ومحللة للأحداث، أن شاعر النيل العظيم حافظ ابراهيم والذى كتب ناقدا لواقع زمنه، يقول:
يقتلنا بلا قيود ولا رهب
ويمشى نحو رايته فنحميه من العطب
فقل للفاخرين : أما لهذا الفخر من سبب ؟
أرونى بينكم رجلا ركينا واضح الحسب
أرونى نصف مخترع أرونى ربع محتسب ؟
أرونى ناديا حفلا بأهل الفضل والأدب ؟
وماذا فى مدارسكم من التعليم والكتب ؟
وماذا فى مساجدكم من التبيان والخطب ؟
وماذا فى صحائفكم سوى التمويه والكذب ؟
وفى نفس الزمن قال أمير الشعراء أحمد شوقى:
ما كان فى ماضى الزمان محرما
للناس فى هذا الزمان مباح
صاغوا نعوت فضائل لعيوبهم
فتعذر التمييز والإصلاح
فالفتك فن والخداع سياسة
وغنى اللصوص براعة ونجاح
والعرى ظرف والفساد تمدن
والكذب لطف والرياء صلاح
الفن الردىء طول عمره موجود والكلمات المسفة حتلاقوها فى أغانى زمان وجايز أكتر من دلوقتي،الفارق الوحيد ان فى زمن «الطشت قاللي» وماقبله كان فيه فن محترم، كلمة ولحن وأداء، أم كلثوم وعبدالوهاب وفايزه ونجاة وشادية وعبدالحليم وفريد،إلخ، كانوا هم الأكثر عددا ولهم الأفضلية، فضلا عن أن المثقفين أو خلينا نقول المتعلمين، كانوا أكثر تأثيرا على الحركة الثقافية والفنية فى المجتمع، قبل ظهور انفتاح السداح مداح وبروز طبقة غير متعلمة تمتلك المال الذى جعلها تهيمن على أشكال معينة من الفن وتؤدى إلى انتشاره، نقطة أخرى أن الفن الردىء لم يكن يصل إلينا، فهو ممنوع من الإذاعة والتليفزيون، واللى عايز يسمعه إما بيروح كباريهات شارع الهرم، أو يشترى شريط كاسيت، الآن كله يصلك وغصب عنك، إن مارحتش، وطبيعى مش حتروح حفلات الناس دى، تلاقى الفيديوهات يتناقلها أصدقاؤك على الفيس بوك، بس برده خلينا نقول إن الشباب اللى بيصفق ويهيص للفن الردىء، هو نفسه اللى بيروح حفلات الموسيقى العربية، واللى انبهرنا بوجوده فى أفلام محترمة زى الممر وغيره. وليست كل الأمثال ما حدث فى حفلات الساحل وخناقة هاسيندا باى وكم القرف اللى فيه!!
من هنا يجب أن ننبه ونوعى الناس، ونقول لهم فوقوا وربوا أولادكم قبل فوات الأوان، ليه أطفال فى سن ١٥ سنه تشرب خمرة!، ليه بنات تصاحب وتروح تقضى اليوم فى بيت صاحبها!! ليه أطفال معاها فلوس بالألوف، لدرجة أنهم فى السن ده خروجتهم يتغدوا فى ساتشى،ليه بنات تعمل عيد ميلادها ١٦ سنه، كأنه فرحها!، ليه نعلم ولادنا أن كل شئ مباح،وإن الفلوس ملهاش قيمة !ليه من سن ١٥ سنه، البنت تلبس Valentino and Gucci،ليه الساعة ال Rolex دلوقتى، طيب إيه اللى هيبسطهم لما يكبروا ؟! ليه نطلع جيل بيقيم أصحابه على حسب عندهم فلوس قد إيه، والله والله أنا مبحبش أقارن بس أصحابنا فى كندا آخرهم جزمة converse،و لو خرجوا راحوا السينما مينفعش ياكلوا بره علشان ميصرفوش كتير. لكن فى نفس الوقت بيصرفوا آلاف على رياضة وتمارين وكورسات، المسألة كلها هى ثقافة أولويات.أنا فعلا مصدومة من حجم المنظرة اللى الجيل ده هيتربى عليها، احنا مكناش كده ))، حقيقى فعلا كان فيه عرى بس فيه رقى،وحقيقى كان فيه خروج بس مكنش فيه إسفاف، وحقيقى مكنش فيه حجاب منتشر بس كان فيه التزام، وحقيقى كان فيه ماركات بس للشياكة مش للمنظرة لمن استطاع إليها سبيلا، كان فيه خروجات بس من غير بذاءات.وكان العيب عيب مش حاجة عادى.
المنزلة الثانوية
أنا من خريجى مدرسة المنزلة الثانوية بالدقهلية، وكانت المركز والمدينة التى تنتمى إليها قريتى، قبل أن تتحول إلى مركز ميت سلسيل، ولى فى هذه المدرسة ذكريات عديدة، حيث عمقت داخلى عشق الصحافة، وكنت ألتهم مقالات الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل الأسبوعية بالأهرام، كما كنت أعشق قراءة مقالات عظماء الصحافة مثل جلال الحمامصى وإبراهيم الوردانى وإبراهيم نوار، وأنيس منصور، وغيرهم من كبار الكتاب.
لكننى أتذكرها اليوم مع الأخ العزيز الكاتب الأستاذ سيد داود الذى كتب عنها، بعضا من ذكريات طفولته وشبابه، فى المنزلة، يقول : كان الذهاب لمدرسة منية النصر نوعا من العذاب وخاصة بعد أن نقلت من وسط البلد إلى ميت طاهر، صحيح أن مبناها وفصولها وحوشها كان أوسع وكانت بلا أسوار ولها ملعب كبير، لكننا كنا نمشى كثيرا ونتعذب فى المواصلات وخاصة فى الشتاء وقد نركب قطار البجلات من ميت الخولى شعبطة إلى ميت طاهر، لكن كنا نعانى الأمرين وخاصة إذا تأخر القطار، وكان من الطبيعى أن نتوجه إلى مدرسة على باشا مبارك بدكرنس الذى كان مركزنا فى ذلك الوقت قبل أن تكون منية النصر مركزا، لكنى فضلت المنزلة الثانوية لوجود المدرسة بالقرب من المحطة أو على شريط القطار الذى ننزل منه على المدرسة مباشرة، وقد يكون لأن ناظر المدرسة الأستاذ الهجرسى كان شديدا حبتين فى تعامله مع الطلبه، فكان يعقد لهم محاكمات يومية لمن يخطئ أو يغيب أو يتأخر عن الدراسة، المحامين والنيابة والقضاة وحتى حاجب المحكمة من الطلبة، قد أكون من أوائل من تعلموا فى المنزلة الثانوية، ولعلى قد شجعت الكثيرين من بلدنا بعد ذلك على التعلم فيها. لقد رأيت فى المنزلة ضالتى فأنا رياضى منذ طفولتى ومؤسس لنادى النصر وكان اشتراكى فى النشاط الرياضى والثقافى والإذاعة المدرسية،! كان مدرس التربية الرياضية الأستاذ مصطفى العاصى صديقا لنا بعكس الأستاذ بهاء مدرس التربية الرياضية بمنية النصر الذى قلما كنا نراه بدون عصا، إنها من أحسن مراحل حياتى وصداقاتى سواء بالأساتذة أو الطلبة من كل قرى ومدن المنطقة والتى امتدت حتى بعد انتهاء الدراسة !
ونحن فى انتظار القطار القادم من المطرية كنت أجلس مع صديقى ابن الكردى محمد السباعى عطا نشرب 2 نسكويك بأربعة قروش وقرش بقشيش، كانت كافتريا شيك جدا على محطة الأوتوبيس والنادل مازالت صورته أمامى الآن وهو يلبس الجاكت الأبيض ولا الدكتور، وكم سافرنا لملاقاة الفرق الرياضية بالمنصورة حيث كان يتم تأجير أوتوبيس يحملنا من داخل المدرسة إلى ملاعب المنصورة مباشرة وكنت أبيت مع أصدقائى محيى وعلى ديبو ومحمد عبد الحليم وعماد خضر الذين كانوا فى زراعة وتجارة ومعلمين المنصورة فلم تكن مدارس من هذا النوع إلا فى عاصمة المحافظة، أحن وأتشوق لأيامى وذكرياتى القديمة وأتمنى لو أعود لأرى فصولى الدراسية وملاعب المدرسة التى كنا نتبارى عليها فى الفسحة الكبيرة، ومازلت أتذكر زملاء الدراسة من كل البلاد وكنت أسعد بلقائهم عندما يحلون ضيوفا علىّ فى مكتبى أو ألتقى بهم صدفة فى القاهرة أو خارجها.. كانت أياما !!
هى ذكريات عشناها فى طفولتنا وصبانا.
ابن الشحات
سيعود من بلد بعيد، فعلا ما أجمل أن تكون المواقف التى يتعرض لها الشاعر والأديب الملهمة له فى إبداعه، هكذا شعرت وأنا أقرأ الديوان الأخير للزميل والصديق الشاعر محمد الشحات، صحيح ليس هناك علاقة بين عمله ناقدا رياضيا بجريدة « أخبار الرياضة» وبين إحساسه المرهف كشاعر له من الدواوين ما يقترب من العشرين ديوانا، إضافة إلى عدد من المؤلفات، والأنشطة الثقافية والأدبية.
لقد أحس الشحات بأن ابنه إسلام الذى اتجه إلى الغرب بحثا عن العلم والنبوغ العلمى، هجره، وشعر بأن نبتته هربت منه، من فرط حبه لابنه، صحيح أن إسلام على تواصل دائم مع الشحات ولكن ذلك لم يشبع أبوته، فألف الديوان وأهداه إلى إسلام، وقال له : سيعود من بلد بعيد.. قلت انتظر..كيما أرتب بعض أشيائى.. وأغلق كوَة القلب العنيد.. ظل الحنين يدق فى جنباتها.. ليمر من أسوار صدرى.. علًه يلقاك أول ما تهل.. كنت احتبست بجوف عينى.. رجفتين من الوداع.. لكى أراك.. إذا اكتويت بجمر أشواقى اليك.
فايز فرح
كل من يعرفه يحبه، لأنه باختصار يحب كل الناس، لم أره مبغضا أو كارها لأحد، رغم ما يعترى النفوس كثيرا من الشرور، لكنه مسالم، يعشق وطنه، فهو شخصية إعلامية مرهفة الحس، كاتب وقصاص وحكاى جميل، تنساب كلماته فى كتبه ومقالاته لتذكرنا بإبداع العمالقة فى الزمن الجميل، ولهذا جاء آخر كتبه سياحة فى بحر الحب والصادر ضمن سلسلة إقرأ لدار المعارف، صحيح عنونه بكلمات «الإنسان هو الحب « لكنه أعاد لنا المعانى الجميلة التى عاشها الإنسان للحب، حتى وصل إلى عنوان الحب وشعره ونغمه فى العصر الحديث، صوت أم كلثوم، والذى مثل عبقرية أغانى الحب والوطنية، والتى يعتبرها الشخصية النادرة فى زماننا.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة