إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

لحـم .. الحـى !!

إيهاب الحضري

الأربعاء، 18 سبتمبر 2019 - 06:46 م

 

 ربما أكون قد صادفته خلال مرور عابر بالميدان المُزدحم، لكنه بالتأكيد لم يلفت انتباهى مع غيرى من المارة. يجلس أمام صندوقه المخصص لتلميع الأحذية، ويؤدى عمله برتابة غير أن عينيه أكثر نشاطا، تبحثان بدأب عن فريسة جديدة تزيده ثراء. حرفته كماسح أحذية مجرد غطاء يخفى وراءه مهمته الأساسية كسمسار، أتقن اصطياد بائعى السلع التافهة، وإغواءهم بمبلغ مالى يُسيل لعابهم، فيوفر لهم فى صفقة واحدة، ما لا يستطيعون تجميعه فى أعوام، غير أن المقابل لن يكون هينا، لأنه يعنى الاستغناء عن أحد أعضائهم!
فجأة اختفى من موقعه المُعتاد، واتضح أن الشرطة قبضت عليه ضمن تشكيل عصابى. كان الرجل يصطاد فرائسه من منطقة «الإسعاف»، ويتجه بهم لشقة بمدينة السلام، حيث يتولى شركاؤه إجراء الفحوص الطبية، ويشملون الراغبين فى استثمار أجسادهم بالرعاية، لحين إجراء عملية انتزاع العضو المتفق عليه.
الحديث عن تجارة الأعضاء ليس أمرا جديدا، كما أن الجريمة التى نشرت «الأخبار» تفاصيلها قبل يومين ليست الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. أدرك تماما أن الحاجة يمكن أن تقود البعض إلى ذلك، لكن الفقر ليس مبررا وحيدا، فهناك ملايين الفقراء فى العالم لم يفكروا فى التنازل عن جزء منهم، تماما مثلما لم يلجأوا لاحتراف اللصوصية أو بيع الضمائر. وفى اعتقادى أن من يتخذ هذا القرار لا يفعل ذلك تحت ضغط الفقر فقط، بل بتأثير حالة يأس قد تدفع آخرين إلى الانتحار، هنا يقوده تفكيره بفعل إلحاح السماسرة إلى حل مغاير، يحفظ حياته ويفتح له باب رزق مؤقت، حتى لو كان المقابل شديد الضآلة.
استغلال الأعضاء قديم بعمر البشرية، لكنه ظل لآلاف السنين يعتمد نظام «الإيجار المفروش»، وكان التأجير حكرا على أعضاء بعينها، قابلة للاستغلال مع بقائها فى أجساد أصحابها، هنا ظهرت الدعارة كواحدة من أقدم المهن غير المشروعة فى تاريخ بنى آدم، وتلتها حرفة أخرى لم تكن مُحرّمة هى المرضعة، غير أنها ظلت موضع انتقاد فى أوساط عديدة، فظهر المثل الشائع: «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها». ثم جاء التقدم العلمى لينقل استغلال الأعضاء إلى منطقة أخرى أكثر اتساعا، وأصبح بإمكان الرجل أيضا استثمار أعضائه!
لن أتحدث عن كواليس تجارة الأعضاء، فلم تعد أسرارها خافية على أحد، وجولة سريعة على شبكة الإنترنت تعطى رؤية واضحة عن أسعار الأعضاء فى دول عديدة، تدور كلها فى فلك آلاف الدولارات. هناك تباين بالتأكيد فى التقديرات، نظرا لعدم وجود تسعيرة جبرية مُلزمة للتجار، فضلا عن التفاوت الكبير بين أسعار البيع والشراء، الذى يهبط بالأسعار فى بلدنا إلى حفنة من الجنيهات للبائع، بينما يستفيد السماسرة من الأسعار العالمية ويحصدون الملايين!
عندما يتنازل أحدنا عن كِلية لشخص عزيز لديه، يشعر بالسعادة لإنقاذ إنسان من مصير بائس، لكن ما إحساس من يقوم ببيع أحد أعضائه؟ أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة نفسية جادة، مثل أخرى قرأتها قبل سنوات عن سيكولوجية بائعات الهوى، فقد تساعد أى دراسة عميقة فى مواجهة جادة لهذه التجارة الدموية، التى لن تنجح القوانين المُغلّظة وحدها فى الحد منها. كما أن الأمر يتطلب إنقاذ الآلاف من شبح فقر، يُضطرون لمواجهته ببيع «لحمهم الحى»! الذى أصبح شديد الرخص، ففى الحادث الأخير تراجع السعر المدفوع لبائع الكلية إلى 20 ألف جنيه، بعد أن كان عشرة آلاف دولار، فى جريمة أخرى تم ضبطها منذ عام، وهو مؤشر ذو دلالة، لأنه يعنى أن البائعين يتزايدون، وأن تنامى العرض أدى إلى حرق الأسعار!

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة