علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى


يومــيات الأخـــبار

«فومو» السرايا الزرقاء؟!

علاء عبدالهادي

الخميس، 19 سبتمبر 2019 - 06:52 م

«وبدلا من أن تستخدم سيادتك مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت أنت مستخدما من قبلها، وأصبحت المواقع والمنصات نفسها أداة طيعة فى أيدى أجهزة الاستخبارات».

نصف الطريق للعلاج أن يعترف المريض أنه أصلا مريض ويحتاج الذهاب إلى طبيب، قادر على تشخيص الداء ووضع العلاج.. وأنا أعترف أننى مريض أحتاج إلى علاج.. بدأت الأعراض تظهر واحدة تلو الأخرى، بدأت على استحياء ثم استفحلت، بدأت معى عندما كنت رئيسا لتحرير بوابة اخبار اليوم، واستلزمت طبيعة العمل أن أكون على اطلاع لحظى وآنى ودائم بمصادر الأخبار: وكالات أنباء، فضائيات، مواقع، ومن الطبيعى أن أتابع مواقع السوشيال ميديا من فيسبوك إلى تويتر إلى انستجرام إلى جوجل بلس، وغيرها من أجل أن أتابع الجديد، وأكلف الصحفيين الشباب بالمتابعة، وشيئا فشيئا، أصبحت لا أتحرك الا وفى يدى «التاب» أو «موبايل» إما متابعا، أو متصفحا، ولا أكاد أنام الا وفى يدى «المحمول» ومع الأيام، وحتى بعد أن تركت موقعى، وأصبحت رئيسا لتحرير « كتاب اليوم « لم أبرأ واستمرت الأعراض التى تتمثل فى رغبتى الدائمة واللامحدودة فى معرفة الجديد فى كل شىء أولا بأول، لا أريد لشىء يحدث حولى، فى مصر، أو العالم أو فى محيطى أو لأحد افراد اسرتى او عملى الا وأعرفه، أدخل الحمام أحيانا وفى يدى المحمول أتصفح الجديد، أقوم من نومى تمتد يدى إلى المحمول، حدثت بينى وبين « الأون لاين « حالة توحد، حالى هو حال 3 مليارات بنى آدم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعى من بين 7 مليارات سكان الكرة الأرضية، 2 مليار من هؤلاء يستخدمون «الفيس بوك» وللدقة هو أيضا يستخدمهم.. خبراء البرمجة والعالم «السيبرانى» الذى أصبح نعيشه فى آخر عقد يقولون إنه «عندما تكون السلعة مجانا فالمستهلك هو السلعة» وفى خلال جلسة «تأثير نشر الأكاذيب على الدولة فى ضوء حروب الجيل الرابع، ضمن فعاليات المؤتمر الوطنى الثامن للشباب، وبحضور الرئيس السيسى عرفت أننى -عافانى وعافاكم الله- أحتاج إلى ما يعيننى على أن أبرأ من داء مرض الـ»فومو» الذى أصبت به لأننى صحفى، يعنى «إصابة عمل»، وهو يعنى الخوف من أن يفوت المتصفح للمواقع شيء.. فى هذه الجلسة تبلورت لدى لأول مرة ما كنت أعتقد أنه مجرد انطباعات عامة غير علمية، نحن أمام بشر مرضى بتسجيل كل أحداثهم اليومية لحظة بلحظة على السوشيال ميديا، بداية من سيلفى «بوز البطة» ومرورا بتناول طبق الفول بالطحينة «اتفضلوا معاى» ولا مانع من لقطات فى السيارة، وأثناء العودة للبيت وفى الإشارة، وفى كل مكان وأى مكان : ناطحة سحاب، أعلى برج، أمام قطار قد يدهمنى، المهم ان تحصد عددا أكبر من «اللايكات» التى تحولت إلى معايير لقوة الشخص، ومدى سيطرته، أو مدى حب الناس وتعلق الناس بأخباره، «البوستات» عادة للأسف ما تكون تافهة، لو تحدث الشخص فى أمر جاد، ربما لن تجد الا عدداً قليلا يهتم، وبقدر غرابة، وشطط، ما يطرح: سواء كلاما او صورا بقدر ما يحصل المرء على «لايكات»، وللأسف بقدر ما تكتب عن شىء سيئ، أو تكتب عن كارثة بقدر اهتمام «الفولورز» بك، أما ان كتبت عن شىء صادق أو جاد، ربما لن يهتم بك احد، وربما ترمى بتهم.
السكرتير الجاسوس
فى هذا الجو الذى يشبه «السريا الزرقاء» كما قال أحد خبراء الجلسة، نمت الجماعات الإرهابية وترعرعت، وبدلا من أن تستخدم مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت أنت مستخدماً من قبلها، وأصبحت المواقع والمنصات نفسها أداة طيعة فى أيدى أجهزة الاستخبارات، وفى يد الشركات العابرة للقارات، التى حولتك إلى سلعة، تباع وتشترى دون أن تدرى، جهاز التليفون الذى فى يدك، تحول إلى سكرتيرك الخاص، يؤرشف لك صورك وبياناتك وأسرارك أولا بأولا، ولكنه سكرتير جاسوس، باعك بالرخيص، لدول، وأجهزة وشركات.. كم مرة فكرت تشترى شيئا فتجد الإعلانات أمامك بمجرد أن تتصفح موبايلك، هل هو «مخاوى جن؟» أم الحقيقة أنه يتجسس عليك، ويعرف عنك ربما ما لا تعرفه عن نفسك.. «نداهة» وسائل التواصل الاجتماعى تنادى الملايين كل يوم، فى هذا الجو تنمو الأخبار السيئة وتترعرع لأن لها رواجا، وللجذب يستخدمون كل وسائل الترغيب: شاهد قبل الحذف، لا يفوتك، لن تصدق ما تراه، كلها صيغ نفذ منها الإرهاب، وجند جنوده، واكتسب أرضية من خلال شباك مفتوح على الدنيا، نحن اذن أمام ذروة حروب الجيل الرابع، بدون اطلاق رصاصة واحدة ينهار البنيان من الداخل بأيدى أبنائه، من خلال ترويج الاشاعات والأكاذيب.
من يروج الإشاعة لن يأتى لك بعُصابة تغطى عينيه أو يرتدى « تى شيرت» مخططا، أو يقول لك كذبا كاملا، مروج الإشاعة أصبح محترفا يمتلك أدواته دارس لعلم النفس والاجتماع، سوف يدس لك السم فى العسل، خبر جزء منه حقيقى، يقتطعه من سياقه، ويشتغل عليه باعتباره مادة خاما أولية، ويحوله إلى كذبة كبيرة تنطلى عليك، ويستخدم أحدث التكنولوجيا التى ربما لا يعرفها الا كبار المحترفين، لمزيد من الحبكة، اسهل شىء على سيادتك أنك « تشير « دون أن تدرى أنك ربما شريك فى هدم أسرة أو كيان، أو هدم بيتك، أو بلدك على رأسك، من يستهدفك لن يرمى لك شائعات «عبيطة» بل انه يستخدم جيوشا إلكترونية توظف احدث التقنيات، وتغير فى كل شىء، حتى فى «الفيديوهات» فتظهر بعد «المونتاج» وكأنها أصلية، «فكر قبل أن تشير» كما قال محمود التميمى الذى أدار الجلسة.
فيه أمل فى العلاج من «الفومو»؟
ربما أكون قد قطعت نصف الشوط بالاعتراف بأننى مريض أحتاج إلى العلاج.
فكرة بسيطة.. نتائج عظيمة
لدى فكرة بسيطة للقضاء على ظاهرة التبول أسفل الكبارى وأمام الاماكن الاثرية فى مظهر غير حضارى لا يليق بمصر وينال من سمعتها السياحية وفى نفس الوقت فشلت كل تجارب انشاء دورات مياه مميكنة برسوم.. الفكرة رأيتها مطبقة فى قرية شما بالمنوفية اثناء قيامى بأداء واجب العزاء.. حيث قام القائمون على عمارة أحد المساجد بالجهود التطوعية بعمل دورة مياه عمومية خارج حرم المسجد ولكنها تسخدم صرفه وهو ما انعكس فى اختفاء ظاهرة التبول او التغوط فى الخلاء.. فكرة ببساطة تقوم على قرار تنفيذى من الحكومة وتموله بعمل دورتى مياه فى كل مسجد، يفتحان على مدار الساعة خارج حرم المسجد، وتتكفل الحكومة بمصاريف الانشاء والصيانة او تتولى المساجد الاهلية الصيانة بدعم من الأوقاف والمجتمع المدنى.. تخيل عدد المساجد فى مصر، ما شاء الله بعشرات الآلاف، بالتأكيد يكفى للقضاء على الظاهرة وبالتأكيد سوف يعطى أعظم صورة عن الديانة الاسلامية.. رأيت فى قرية شما بمركز أشمون بالمنوفية نظافة لم أرها فى احياء فى القاهرة.
كنوز القاهرة التراثية
القاهرة غنية وثرية بكنوز من العيار الثقيل، من كل العصور الإسلامية، ولو أزيح التراب عما تمتلكه وتم ترميمه وأعيد تأهيله، لكفاها لكى « تأكل الشهد « ولكن أغلب هذا التراث شاخ، وسقط من الحسابات، لعقود طويلة، وسادت نغمة جاهلة مفادها أن الإنفاق على هذا التراث اهدار للمال العام، ولولا مشروع انقاذ القاهرة التاريخية الذى قاتل الفنان فاروق حسنى من أجل خروجه للنور ما بقى لدينا شارع المعز وآثاره الـ 32 التى تم ترميمها.
فى العام الأخير، ورغم ما تعانيه مصر من تحولات اقتصادية ليست سهلة الا أن هذا لم يمنع الوعى بضروة انقاذ وتطوير المنطق المضيئة فى تراث القاهرة، والشىء الجميل أن رئيس الوزراء الذى هو أصلا استاذ هندسة، يتابع بنفسه تنفيذ هذه المشروعات المتكاملة التى لا تقف بالأثر عند مرحلة الترميم، ثم يغلق، ويترك ليلقى مصيره مجددا بعد عدة سنوات، حدث هذا مع ترميم وتطوير قصر محمد على باشا الكبير فى شبرا الخيمة، حيث حضرت بنفسى منذ عقد من الزمان افتتاحه فى مشروع قيل عنه إنه عالمى، الآن يعاد الترميم لمعالجة مشكلات فنية وتحديدا فى الفسقية، وفى أنظمة العزل، نفس الأمر تكرر فى مشروع ترميم سور مجرى العيون الذى انفقت الحكومة على ترميمه الملايين، واعلنا من قبل عن مشروع متكامل لترميمه، وتطوير المنطقة المحيطة، ولكن شيئا لم يكتمل، وحاصرت القمامة السور، وهزمت الفوضى الدولة، حتى استظلنا عصر السيسى، الذى لا مكان فيه لعشوائية، وها هو المشروع يحيا من جديد، ونقلت المدابغ وأزيلت التعديات، خد عندك أيضا المشروع الذى وضعت نواته الأولى أيام فاروق حسنى أيضا لتطوير بحيرة «عين الصيرة» باعتبارها المحيط العبقرى الملاصق لمتحف الحضارة الذى سيتم نقل المومياوات الملكية اليه فى احتفالية عالمية، هذه البحيرة الفريدة غرقت فى الفوضى والعشوائية والتعديات، واصبحت بؤرة للنفايات، كنز فى التراب، فشلت كل الحكومات السابقة فى انقاذها، ولم يكن عند أى منها المقدرة على التطوير، مجرد كلام وتصريحات جوفاء، وجاء من لديه الإرادة والإدارة والقدرة على التطوير مع السيسى، ونحن الآن أمام مشروع عالمى بجد لربط 313 أثرا بالأوتوبيسات الكهربائية والتليفريك لأول مرة، يتزامن ذلك مع مشروع عالمى أيضا تطوير ميدان التحرير، وتزيينه بمسلة لرمسيس الثانى، وتصل الذروة مع افتتاح المتحف المصرى الكبير بعد قرابة العام من الآن فى احتفالية عالمية تستمر عدة أيام، كذلك الأمر فى متحف المركبات الملكية الذى أرى أنه لا حاجة إلى التعجل بافتتاحه هذا العام حسب ما أعلن. وأرى التأجيل ليتزامن الافتتاح مع بدء اكتمال تطوير مثلث ماسبيرو.. انشاء عاصمة إدارية جديدة ربما يعنى إزاحة التراب عن الوجه المشرق للقاهرة التاريخية، وإعادة الرونق لكنوزها ودررها التراثية التى ربما لا مثيل لها فى كثير من المدن الأوروبية.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة