ستموت في العشرين
ستموت في العشرين


مخرج «ستموت في العشرين»: نظام «البشير» حرم السينما.. ولم أجد جهة تمنحني تصريح تصوير

مصطفى حمدي

الإثنين، 23 سبتمبر 2019 - 06:56 م

 أن تصنع فيلمًا في وطن خاصم السينما منذ زمن فهذه مغامرة ، فما بالك لو كان هذا الفيلم هو مشروعك السينمائي الأول ، وفي ظل نظام سياسي يحرم السينما ويحاربها، ووسط أرض جدباء جفت فيها منابع المواهب في كافة مراحل الصناعة ، وتربة لم تنبت عبر عقود بنية تحتية مثل ستوديوهات ودور عرض ؟!

هذه الصورة المحبطة شكلت مشهد البداية في رحلة المخرج السوداني أمجد أبو العلاء لصناعة فيلمه " ستموت في العشرين" ، ورغم ذلك فاز الفيلم بجائزة "أسد المستقبل" في مهرجان فينيسيا العريق، ليصبح أول فيلم سوداني يفوز بجائزة عالمية وهو بالكاد الفيلم السابع في تاريخ أشقاء الجنوب، وأول فيلم يحمل جنسية شركاء النيل منذ عشرين عامًا، كل هذه التفاصيل جعلت الحوار مع أمجد أبو العلاء الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي  أمرًا يدعوا للحماس في ظل تساؤلات كثيرة تثير الشغف لمعرفة تفاصيل رحلة صعود سينمائي سوداني إلى منصات الجوائز في المهرجانات الدولية.

 

صناعة فيلم في السودان .. رحلة نحو المجهول !

كيف تصنع فيلمًا في السودان ؟ سؤال لن تجد له اجابات واضحة ومحددة ، نحن نتعامل مع دولة تفتقد لنظام واضح لصناعة الأفلام وتصويرها ، هكذا وصف أمجد أبو العلاء المشهد عندما قرر تصوير الفيلم حيث  يقول : الأزمة أكبر مما يتصور البعض ، لا توجد بنية تحتيه للصناعة نفسها ، سواء ستوديوهات أو مواهب وراء الكاميرا وأمامها ، لا يوجد مؤسسة أو منظومة تتعامل مع السينمائين لاصدار تصاريح التصوير ، وبالتالي تعاملت مع الموقف من منطلق أنه طالما لا يوجد تصاريح فالقاعدة هي الموافقة وليس المنع ، هذا على صعيد ما حدث في السودان ، ولكن قبل ذلك قطعت رحلة طويلة للبحث عن تمويل للفيلم ، بدأت من مهرجان دبي عام 2017 ، ومرت بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية عام 2018 والذي تحمس لتمويل الفيلم مع بعض الدعم من جهات مختلفة .

 

أمجد أبو العلاء من ابناء الجالية السودانية في دبي ، درس الإعلام هناك وأخرج خلال دراسته مايقرب من 12 فيلمًا ، بين دبي وتونس والمانيا واسبانيا ، وعمل ضمن فريق برمجة الأفلام بمهرجاني دبي وأبو ظبي ، نحن إذن أمام جيل ثاني من السودانيين المهاجرين للخليج ، وهو الجيل المحظوظ بدخول السينما للخليج العربي عبر المهرجانات السينمائية التي فتحت عينيه على هذا العالم الساحر فقرر أن يكتب تجربته بالقصص التي لم تروى عن وطنه .

 

يقول أمجد : ينظر العالم للسودان باعتباره بلدًا منسيًا ، أو مجتمعًا لم يستكشف بعد ، وهذا حقيقي فنحن لدينا الاف القصص التي لم تروى ، ومئات الأماكن التي لم ترى بعد ، ميزة شخصية لي أنني أقدم سابع فيلم في تاريخ السودان ، فهذا يعني أن أمامي فرصة لأحكي كثير من الحكايات الان ومستقبلًا ، كما أننا وطن بكر في صناعة السينما وبالتالي حصلت على موافقات التصوير لأن الجهات المعنية قرأت الفيلم من زاوية واحدة وهي أن النص لا يتماس مع أي شأن سياسي رغم أنه يتناول أمر أعمق من رؤيتهم ، نحن نحكي قصة تطرح كثيرًا من التساؤلات الفلسفية عن ماهية الحياة والموت كل على حدة.

 

يستكمل أمجد حكايته : وصلنا لنقطة أكثر تعقيدًا وهي البحث عن الفنانين سواء المسئولين عن الجانب الابداعي والتقني مثل مدير التصوير ومساعدي الاخراج ومسئولي الديكور والاضاءة وصولا بالطبع الى الممثلين ، كان مستحيًا ان استعين بعناصر سودانية خلف الكاميرا ، فقررت الاستعانه بخبرات من خارج السودان ومع كل عنصر تدرب أربعة مواهب سودانية في هذا التخصص في محاولة لتقديم جيل جديد ، أنا جزء من مؤسسة "سودان فيلم فاكتوري" وهى مؤسسة سينمائية غير ربحية تسعى منذ سنوات لتثقيف الشباب السوداني سينمائيا ودعم بعض المواهب الواعدة ، ونظمنا مهرجان السودان منذ ست سنوات والذي نعرض من خلاله في الهواء الطلق 100 فيلم في السنة ، أما على مستوى الممثلين فقد اعتمد على طلال عفيفي أحد ابطال الفيلم وشريك في هذه المؤسسة ليوصلني بالمواهب التي شاركت ، وبعدها دربت هذه المواهب لمدة عام ونصف تقريبًا ، وقبل التصوير الحقتهم بمايشبه معسكرا للتدريب على يدي النجمين سلوى محمد علي ومحمود حميدة الذين تطوعا وجاءا الى السودان لمقابلة الممثلين ومناقشتهم وتدريبهم ليتقنوا أدوارهم تماما .

 

اشكالية النص الأدبي في مواجهة القصة السينمائية 

الفيلم مأخوذ عن نص أدبي "قصة قصيرة" هي "النوم عند قدمي الجبل" للكاتب حمور زيادة ، وهذا في حذ ذاته قد يخلق قيودا تتعلق بالزمن والايقاع ورؤية الشخصيات خصوصا ان القصة القصيرة قد تكون محدودة الأحداث عكس الرواية ، ولكن أمجد أبو العلاء يرى في القصة القصيرة رحابة أكثر من الرواية وحرية له ككاتب ومخرج يستطيع أن يمد خطوطا درامية وشخوصًا من روح النص الأصلي ومن إبداعه الخاص ، حيث يقول : في القصة القصيرة البطل "مزمل" طفل يعيش سنواته العشرين مطاردا بلعنة الموت في هذا العمر ، هذه هي التيمة التي بنيت عليها فيلمي ، ولكن السيناريو خلق شخصيات تعبر عما اراه في المجتمع السوداني ، مثلا شخصيط سليمان "عرابه" الذي يدعوه للتحرر من قيد انتظار الموت ، كانت مساحته اقل في القصة ، فمنحتها مزيدا من التفاصيل في الفيلم ، أضفت ايضًا شخصية "نعيمة" التي ابتكرتها تعبيرا عن استقلالية وقوة المرأة في القرية السودانية والتي تدهشني فعلا ، وبالتالي كل هذه التفاصيل أدت لتغيير شكل النهاية .

 

جيل محظوظ في وطن تعيس 

لماذا لم تنتج السودان سوى سبعة افلام طوال تاريخها ؟ سؤال يجيب عنه أمجد بأسف : عام 89 سيطر على البلاد نظام البشير ، وحطم الكثير من المفاهيم ، فقط حرم السينما ، وأغلق دور العرض ، حتى القاعات المملوكة لأفراد ، استولى عليها من الورثة ، ضيق المجال العام وجعل المجتمع مشغولا بالحديث عن الحلال والحرام ، وبالطبع كانت الفنون هدفًا رئيسيًا للعداء وكأن الاسلام دخل السودان لأول مرة ، هذه الحالة شكلت صدمة لجيل كامل من المخرجين والسينمائين المعتمدين بالأساس على دعم الدولة لانتاج أفلامهم فتوقف كل شيء ، ولكن منذ عشر سنوات تحديدا وبعد انفصال الجنوب ، وقع النظام تحت ضغوط داخلية وخارجية كبيرة ، فقدم تنازلات عديدة ، منها مثلا بناء قاعات سينما ، وفيلمي ظهر في المرحلة الأخيرة لترنح النظام قبل الثورة مباشرة ، وبالتالي كانت الأمور تسير في اتجاه فرض واقع جديد بعد سنوات من الضغط والمقاومة ، وبالتالي اعتقد انني ابن جيل محظوظ ساندته التكنولوجيا والمتغيرات العالمية ليقدم مشروعاته السينمائية للنور .

 

ينظر أمجد لجائزة فينيسيا بنظرة ذات وجهين ، فهو يراها نقطة تحول ايجابية في تاريخ السينما السودانية ستفتح الباب أمام مبدعين اخرين ليقدموا افلامهم وينظر لهم العالم باحترام واهتمام ، ولكنها مسئولية مرعبة على المستوى الشخصي كما وصفها حيث يقول : أي عمل سأقدمه سيقارن بالفيلم الحائز على جائزة فينيسيا ، وبالتالي لدي هاجس ألا أقع في نفس الفخ الذي يدفع بعض المخرجين للتوقف عن العمل بعد النجاحات الكبيرة خوفًا من الفشل .. أنا فعلا في ورطة ، ولكنني  سأتجاوزها .

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة