أنفاق العبور الثاني
أنفاق العبور الثاني


«أنفاق العبور الثاني» جاهزة للافتتاح.. و5 تحديات واجهت أبطال الإنجاز في بورسعيد

عمرو جلال

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019 - 02:02 ص

خلال أيام قليلة سيعبر المصريون العبور الثانى لقلب سيناء حيث يشهد الرئيس عبد الفتاح السيسى الافتتاح التجريبى لأنفاق قناة السويس وإن كنا فى الماضى قد عبرنا سابقا فوق القناة وحطمنا خط بارليف المنيع ردا للأرض وللكرامة إلا أنها ظلت أرضا جرداء إلا من مواقع قليلة.. ومع الانتهاء من نفقى بورسعيد وقبلهما نفقا الإسماعيلية تصبح تلك الخطوة هى الأهم نحو تكوين شرايين حياة جديدة وعبور آخر لتسهيل حركة النقل والتجارة من وإلى سيناء كما أنها ستعطى دفعات قوية لمنطقة تنمية قناة السويس وما يحيطها من مشروعات لوجيستية وموانئ ومصانع. 

«الأخبار» قامت بجولة داخل أكبر مشروع أنفاق فى تاريخ مصر والشرق الأوسط والذى تم الانتهاء من تنفيذه فى زمن قياسى وتعتبر تلك الأنفاق هى الأضخم فى تاريخ مصر وعلى مستوى الشرق الأوسط من حيث الأطوال والأقطار وحجم الأعمال، والخطة الزمنية القياسية للتنفيذ من خلال دراسات علمية دقيقة وأعمال تمت بسواعد وخبرة مصرية 100%.

هذه الأنفاق طال انتظارها لأنها سترفع المعاناة عن عشرات الآلاف من المواطنين يوميا حيث إنها تختصر زمن العبور بين ضفتى القناة إلى 20 دقيقة، بدلا من التكدس والانتظار على المعديات فترات طويلة تصل إلى أيام حيث لم تكن هناك محاور للربط بين سيناء والوادى إلا نفقا وحيدا هو نفق «الشهيد أحمد حمدى»، إلى جانب «جسر السلام» فى مدينة الإسماعيلية، والمعديات، وهى المحاور التى لم تعد تستوعب تطور حجم الحركة والنقل من وإلى سيناء.

هذه الأنفاق الجديدة ستحقق بلا شك عوائد اقتصادية ضخمة، وتسهم فى سرعة تنمية سيناء، واكتشاف واستغلال ثرواتها، وستتقاطع مع شبكة الطرق الجديدة التى تم تنفيذها وتطويرها على مستوى الجمهورية، وجميعها مجهز ببوابات إلكترونية، لتفتيش السيارات على أحدث مستوى عالمى، وروعى فى عملية الإنشاء أن يحتوى على أحدث منظومة لإطفاء الحرائق على مستوى العالم.

شركات وطنية

كانت البداية عندما أمر الرئيس السيسى بتنفيذ تلك الأنفاق بأموال وأيدى وسواعد المصريين... وتم تكليف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة للإشراف بالتعاون مع (4) شركات وطنية مصرية لتنفيذ كافة الأعمال ووقع الاختيار على شركتى المقاولون العرب وأوراسكوم لتنفيذ أنفاق جنوب بورسعيد كما أمر الرئيس السيسى بتدبير ماكينات حفر الأنفاق لترشيد تكلفة التنفيذ.. مع إنشاء مصنع للحلقات الخرسانية وآخر لتسليح الحلقات الخرسانية ومحطة توليد الطاقة ومحطة فصل وتنقية البنتونيت ومحطة للهواء المضغوط ومحطة لخلط مادة الحقن وتدريب نحو 40 مهندسا، بالإضافة لقيام الشركة بالمعاونة فى الإشراف على أعمال الحفر.

عمل جاد

بدأ العمل الجاد والمتواصل فى التخطيط والتنفيذ فى توقيت متزامن لإنجاز العمل والتغلب على كافة المصاعب.. فقد تم استلام مواقع العمل بنهاية فبراير 2016.. ثم توالى وصول ماكينات حفر الأنفاق اعتبارا من نوفمبر 2016 حتى مارس 2017 وتم تجميعها بمواقع العمل بأيدى المهندسين والفنيين والعمال المصريين بإشراف الشركة الألمانية على عملية تركيب وقيادة الماكينات أثناء أعمال الحفر لمسافة 100 متر حيث بدأ باستخدام الماكينات بسواعد مصرية 100%... وقد تم التعاقد مع شركات عالمية لتقديم الاستشارات الفنية لتحقيق قيمة مضافة للمشروع.. شركة ARCADIS الهولندية كمكتب استشارى لأعمال التصميمات.. شركة CDM Smith الألمانية كمكتب استشارى لأعمال المراجعة على التصميم والإشراف على التنفيذ.. شركتا CMC الإيطالية HERRENKNECHT الألمانية للدعم الفنى فى تنفيذ الأنفاق.

حركة الملاحة

ورغم حفر الأنفاق أسفل قناة السويس ووجود تجمعات سكنية قائمة أو يجرى إنشاؤها وكذلك إنشاء مجموعة من الطرق والمحاور وخط سكه حديد بورسعيد، السويس... وكذلك العديد من المرافق أهمها خط غاز طبيعى رئيسى... إلا أنه تم تنفيذ أعمال الحفر بكفاءة تامة دون التأثير على أى منها أو إيقاف الحركة المرورية بأى منطقة أو التأثير على حركة الملاحة فى قناة السويس.

وضع المهندس المصرى أنبوب الاختبار على العمق المحدد داخل التربة..فجأة اندفعت ألسنة متواصلة من الغازات.. التحليل المبدئى يشير إلى احتمالية أن المنطقة قد تضم حقلا للغاز..الصدمة علت الوجوه..فوجود حقل للغاز فى تلك المنطقة يعنى تعطل أحد أهم مشروعات التنمية فى تاريخ سيناء وهى أنفاق بورسعيد وممرات التنمية التى ستمر أسفل قناة السويس..وهو ما سيتطلب دراسات أخرى ومزيدا من البحث وهو ما يعنى وقتا أطول ولايتحمل الوقت المحدد للمشروع هذا الأمر.

تطلب الشركات المنفذة من وزارة البترول إرسال فريق متخصص لاستطلاع الأمر..الدراسات النهائية تؤكد عدم وجود حقل غاز بالمنطقة المحددة ولكن هناك نسبة من الغازات فى التربة..يرسل التقرير إلى الشركة الألمانية المصنعة للحفار المصرى.

وهنا كان التحدى الأول فالشركة رفضت البدء بالحفر قبل إجراء تعديلات على الحفار ليستطيع العمل داخل تلك التربة المليئة بالغازات والتى لم يعمل حفارها فى ظروف مماثلة من قبل وقد تهدد بتعطل الحفار، والأهم أنها قد تشكل تهديدا على العاملين بداخله وهو ما يهدد سمعة الشركة العالمية إذا ما حدث أى عطل فى الحفار.

زمن التعديلات المطلوبة سيستغرق 6 أشهر على الأقل..رفاهية الوقت لانمتلكها والرئيس السيسى شدد على ضرورة الانتهاء من المشروع فى فترة زمنية محددة لأهميتها الشديدة وارتباطها بمشروعات التنمية بالمنطقة اللوجيستية المخطط لها بمنطقة قناة السويس ولخدمة المنطقة الصناعية التى يجرى إقامتها فى الوقت الحالى وكذلك المزارع السمكية سواء فى منطقة بالوظة أو المزارع الخاصة بهيئة قناة السويس ولتقليل زمن العبور إلى سيناء لدقائق معدودة بعد أن كان فى الماضى يستغرق عدة ساعات وأيام.

على الفور قام المهندسون المصريون بعمل دراساتهم سريعا وحملوا أوراقهم إلى شركة الحفر الأجنبية وعملوا جاهدين على إقناعهم علميا بأن ماكينة الحفر لاتحتاج سوى إلى تعديلات قليلة فقط لمواجهة ظروف التربة.

وينجح المهندسون المصريون فى إقناع الشركة بمنطقهم العلمى والعملى ويبدأون الحفر على الفور.. المهندس هانى عازر مستشار رئيس الجمهورية لشؤون النقل وخبير الأنفاق العالمى تحدث عن الأمر وقال إن حفر أنفاق شرق بورسعيد يعتبر إعجازا عالميا نظرًا لطبيعة التربة الصعبة فى شرق بورسعيد وهى صعوبات لم تحدث فى العالم من قبل خلال عمليات الحفر ولكن بقدرات الشركات المصرية والعمال والخبراء تمت معالجتها كيمائيا وهندسيا.

التحدى الثانى

لم يكن اكتشاف الغاز بموقع الحفر هو التحدى الأول فدراسة التربة والصخور والمياه الجوفيه وتحليل المعلومات بمنطقة بداية حفر أنفاق شرق بورسعيد أكدت أن التربة رخوة طينية.

فى البداية يقول المهندس محمد إبراهيم مسئول هندسة وميكانيكا التربة بمشروع أنفاق بورسعيد إن التربة المحيطة بالأنفاق كانت شبيهة بـ»الجيلي» ومن يقف عليها تغوص أقدامه حتى الركبتين وشبيهة بالرمال المتحركة، وأضاف :كان ذلك تحديا كبيرا هدد بتعطيل المشروع وكان لابد من اجراء تعديل لخواص تلك التربة لنستطيع فقط وضع الآلات والمعدات عليها لتستطيع التحرك والعمل، مشيرا إلى ان انفاق بورسعيد تعد من الأنفاق التى تعد على الأصابع فى العالم والتى تم إنشاؤها فى تربة طينية لأن العادة جرت أن الأنفاق تحفر فى التربة الصخرية أو الرملية. وأضاف: استعنا فى البداية بخبرات أجنبية وبعدها استكملنا بخبرات مصرية 100%.

التحدى الثالث

سألت المهندس ماجد عياد أحد المسؤولين عن مشروع «أنفاق بورسعيد»: كيف تم ادخال ماكينة الحفر العملاقة داخل تلك التربة الطينية الصعبة؟ قال إنه للبدء فى عمليات الحفر كان لابد من عمل حوائط لوحية أسمنتية بعمق أكثر من 40 مترا تحت سطح الأرض. وأضاف عياد أن هذا العمق كان تحديا شديدا جدا للمشروع والمهندسين واجهنا تحدى إنجاز تلك الحوائط خلال شهور معدودة بدلا من عامين وتم تشييد 4 حوائط أسفل.. والمهندسون الأجانب معنا عبروا عن اندهاشهم من حجم معدل العمل والإنجاز السريع.

التحدى الرابع

كان لابد من شق قنوات اتصال بين نفقى بورسعيد حتى تكون بمثابة طوق نجاة لأى حادث قد يقع، وعن ذلك يقول المهندس مينا طارق أحد العاملين بالمشروع: ان أهم التحديات التى واجهت المشروع هى انشاء ممرات عرضية بين النفقين وتلك الممرات سيتم انشاؤها على عمق 50 مترا تحت سطح ماء قناة السويس وهو مايعنى حجم ضغط مهولا وفى نفس الوقت التربة طينية ودرجة الملوحة بداخلها شديدة قد تنهار فى اى لحظة، وقد تهدد بتدمير كامل المشروع.

وكانت تلك هى المهمة الأصعب على الإطلاق، لأن أى خطأ بها كان سيسبب كارثة وكانت الفكرة التى يقوم عليها حفر تلك الأنفاق هى استخدام تقنية تجميد التربة المحيطة إلى درجة حرارة -25 تحت الصفر حتى تتحول تلك التربة إلى ما يشبه الجليد وتصنع فى نفس الوقت طبقة قوية عازلة تمنع انهيارها اثناء الحفر، ونجحنا بالفعل فى انجاز تلك الممرات العرضية بهذا الأسلوب. 

التحدى الخامس

الوقت كان أهم تحد لجميع العاملين بمشروع انفاق شرق بورسعيد فالمعدل الطبيعى لحفر تلك الأنفاق داخل تلك التربة الصعبة يحتاج إلى 5 أعوام على أقل تقدير لكن الوقت المحدد لتسليم المشروع كان 3 أعوام فقط،وهو ما يعنى عملا متواصلا لمدة 24 ساعة ودورات عمل لاتتوقف على مدار العامين..وبالفعل ينتهى العمل المطلوب خلال عامين فى أسرع معدلات حفر فى العالم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة