الأربعاء، 25 سبتمبر 2019 - 07:39 م

ثم ابتسم معاتبا على ما كتبته فى يومياتى حول تشخيص المقدسين من الأنبياء والصحابة.

 إذا كنت فى حاجة إلى زيارة ترتاح فيها الروح، فاذهب إلى ساحة الشيخ الطيب، فى البر الغربى بالأقصر.. كانت الساحة الأولى تقع على مقربة أمتار من معبد حتشبسوت بالقُرنة، فى مواجهة معبد الأقصر شرقا، كنا أطفالا يصحبنا الوالد - رحمه الله - فى هذه الزيارة المصحوبة بطقوس جميلة منها عبور نهر النيل وكم كان متعة ونحن نسافر بالقطار ثم يقلنا «الرفاص» وهو القارب الكبير من شرق الأقصر إلى غربها، كان الرفاص أشبه بسفينة نوح عليه السلام، أناس مصريون وسياح وقد تجد بقرة وحمارا فى ركن من الرّفاص، وكنا نفرح لصوت ارتطام الماء بموتور الرفاص المدوّى وما يحدثه من خطوط موجية فى نهر النيل، والأعجب لى كطفل تنوع اللهجات التى أسمعها وهى تختلف فى نطق بعض الكلمات إمالة وتفخيما عن لهجة أهل مركز قفط حيث نشأت، يقف الرفاص على شاطئ الجهة الغربية ولا ننزل إلا بعد أن يرمى البحّار (الربان) حباله ليربطها مساعدوه بالأوتاد والكلاليب المثبتة على الضفة الأخرى ونبدأ فى النزول لنأخذ سيارة أخرى تمشى الهوينى ولا نسير إلى الساحة مباشرة بل يتوقف أبى ومن معه لزيارة مقام الشيخ أحمد الطيب فى جبانة القرنة، لم أر الشيخ أحمد لكن صوره تزدان بها المجالس، وورعه وتقواه يحكى بها الناس فى صعيد مصر؛ نصل إلى الساحة فى القرنة كانت هذه الساحة وماتزال أشبه بمدينة متكاملة بها مطعم وفندق ومجلس ومسجد ومناقشات للحل والعقد، أدركت أن السلطة الروحية سلطة لا تضاهيها سلطة، وعرفت معنى قولهم «نحن فى لذة لو ذاقها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف» كان الشيخ محمد الطيب نحيفا يرتدى الثياب البيضاء؛ ذا لحية كثيفة بيضاء مشوبة باصفرار يشع وجهه نورا وكان صوته خافتا، لم أسمعه إلا مفسرا آيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة يدعو إلى التسامح والعفو، نتغذى فى الساحة، كان الشيخ محمد محمد الطيب يساعد أباه فى الإشراف على الأراضى الشاسعة المملوكة لهم والتى يذهب ريع إنتاجها للصرف على الساحة، لم أشعر بهدوء روحى سوى فى الروضة الشريفة وفى مجالس العلم والذكر التى كان يقيمها الشيخ محمد الطيب، فى هذه المجالس حفظت ديوان ابن الفارض وديوان عبد الرحيم البرعى وقصائد الحلاج وابن عربى.
أجمل ما فى هذه المجالس بالنسبة لى صحبة الكبار الذين كنت أرى فيهم الطيبة والتسامح وحب الخير وتقويم الذات أولا؛ عندما كنت فى ألمانيا بلغنى خبر وفاة الشيخ محمد أحمد الطيب، كم حزنت كثيرا، وجلستُ راثيه بقصيدة كتبت دون تفكير وأرسلتها فى خطاب إلى ابنه الأكبر الشيخ محمد الذى أخذ بعض أبياتها لتضاف إلى منظومة الإمام الدردير فى التوسل بأسماء الله الحسنى:
تباركت يا الله ربى لك الثنا
 فحمدا لمولانا وشكرا لربنا
بأسمائك الحسنى وأسرارها التى
 أقمت بها الأكوان من حضرة الفنا
من القرنة الى الطارف
 تقرر الدولة إخلاء قرية القُرنة وتهجير أهلها لاكتشاف الآثار تحتها، تتحول الساحة إلى الطارف ويتحول المريدون والسائحون والزائرون إليها، ذهبت قبل أقل من شهر هناك كان الشيخ محمد الذى خلف أباه يجلس على دكة بينما يجلس على الدكة المجاورة شقيقه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فى جلباب صعيدى، أجلسنى فى حفاوة اعتادها مع الجميع بجواره، وبدأ يتحدث عن دور الأزهر وحال الأمة والتسامح الذى يجب أن يسود العالم ثم ابتسم معاتبا على ما كتبته فى يومياتى حول تشخيص المقدسين من الأنبياء والصحابة وأبان لى أن الأزهر الشريف قد أفتى بمنع تشخيص العشرة المبشرين بالجنة فقط بينما أباح ما دون ذلك ووعدنى بإرسال الفتوى إليّ، وتحدثنا عن حال اللغة العربية الآن وكيفية نشر اللغة والاهتمام بها وأثر حفظ القرآن الكريم على ألسنة الأطفال والشباب فصاحة وبلاغة؛ كان حديثنا تتخلله قضايا يحلها فضيلة الشيخ محمد بين أطراف متنازعين يفصل بينهم بالعدل مستعينا بأهل الخبرة والمشورة، يخرج المتنازعون متصالحين مبتسمين، وطلبات تأتى للإمام الأكبر من فقراء طلبا للمال أو الوظيفة المؤقتة أو إدخال طالب علم المدينة الجامعية أو مساعدته على إكمال تعليمه، وأما النساء فلهن حق الجلوس فى الساحة وإيصال شكواهن إلى الشيخ محمد وإلى الامام الأكبر يصغيان إليهن ويحلان مشكلاتهن.
فى نهاية السهرة الممتدة فاجأنى الإمام بهدية قيمة كتاب الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية للعلامة اللغوى حسين بن أحمد بن حسين المرصفى، وهو كتاب قديم نادر متفرد فى بابه قام على تحقيقه الإمام الأكبر وصدر فى طبعة أنيقة. وهذا ما سأتناوله فى يوميات قادمة إن شاء الله.
 فى ضيافة الحريرى
 قوص مدينة العلماء والأولياء والأدباء، إنها بلدة ابن دقيق العيد والبهاء زهير وأبو الحسن الصباغ ومحمد أمين الشيخ ومحمد سرحان وعبد العزيز القوصى وغيرهم ممن لا أحصى لهم عددا. لكن اللآلئ لا تنبئ عن كل ما فيها لذا فقد أسر لى الأستاذ يحيى التهامى عن ولى مخبوء كنت أسمع عنه دون أن أرى شخصه وهو الشيخ محمود أبو المجد الحريرى ولأنى كنت أسمع قبل سنوات أنه لا يزار ولى إلا بإذنه فقد وجدت أن هذه دعوة، فاصطحبت د.مصطفى بدران نحو مدينة قوص العامرة والتى آمل أن تعود إلى مكانتها وإلى تراحم أهلها فيما بينهم وإلى سماحة أخلاقهم ونبل مقاصدهم وعراقة أصولهم التى جعلت من بلدتهم مقصدا للعلم وجعلت المسجد العمرى الذى يعد من أقدم مساجد مصر واحة العلماء والقراء من أمثال الشيخ عبد الوهاب محمد مصطفى الذى يتقن القرآن الكريم تجويدا وترتيلا ويقرأ القراءات العشر ولا أدرى لم لم يلتحق فضيلته والشيخ محمد أبو عامر مقرئ قفط، التى أنجبت الإمام ورش وقراءته المعروفة فى بلاد المغرب والمجهولة فى بلده مصر ود.محمد عبد العليم ابن أرمنت لماذا لم يلتحقوا بالإذاعة المصرية والتليفزيون المصرى الذى مايزال مصرا على أن يأتى فى قرآن كل جمعة بأسماء قراء متكررة لا يقرأون كل جمعة إلا آيات معينة وكأنهم لا يحفظون غيرها؟ فلماذا لا نفتش فى القاهرة والدلتا وسيناء والصعيد ومطروح عن قراء جدد يعيدون إلى مصر مجدها التاريخى فى مملكة القراء؟ وصلنا إلى مدينة قوص وكان فى استقبالنا د.يوسف ناجى محمد سيفين الحاصل على الدكتوراه فى الأمراض الجلدية، والذى فتح عيادته فى بيت عتيق ومايزال كشفه منذ بدأ لم يتعد الخمسة وستين جنيها فى الوقت الذى قفز أجر كشف تلاميذه من الأطباء إلى مئات الجنيهات إن لم يكن قد تجاوز الألف. يستقبلنا فى ترحاب شديد وأتطلع فى الصور القديمة التى تزين جدران عيادته. هنا صورة جده مع الشيخ صديق المنشاوى، هنا صورة والده مع مولانا الشيخ أحمد رضوان، هنا صورة مولانا الشيخ أحمد الطيب وفضيلة الشيخ محمد الطيب وصور الأولياء وكأنهم ينيرون جدران مكتبه، يحكى الدكتور يوسف عن كراماتهم وعن محبته لهم وعندما نستأذنه فى الذهاب للشيخ محمود الحريرى يركض معنا نحوه، حاكيا عن طيبة قلبه ومحبته للخير، نمشى فى شوارع قوص التى ماأزال أحمل أول بطاقة شخصية استخرجتها منها وفى دروبها نجد ساحة تشع نورا مبنية بالطوب اللبن ومضفرة أرضيتها بالطوب الأحمر والشيخ محمود الحريرى فى جلباب أبيض متكئا على عصاه مرحبا بنا ويبدأ فى تفسير آيات من القرآن الكريم وذكرياته فى القاهرة ومكوثه فى مسجد الإمام الحسين وكيف كان فى زيارة بيت مدير مكتب الوزير عبد القادر حاتم عندما فتح مضيفه التلفاز ليعلن جمال عبد الناصر تنحيه ويجرى المضيف مسرعا إلى الشارع يتبعه ضيفه الشيخ محمود الحريرى إلى الشارع ليجد الشوارع وقد ملئت بالناس تعلن رفضها تنحى جمال، وكيف آنذاك كانت مصر حتى فى لحظات هزيمتها فى 67 قادرة على أن تنهض من كبوتها ويفاجئنا بأن مصر هى البلد الوحيد فى الأرض التى تجلى الله عليها بذاته فى طور سيناء وبأن السيدة زينب رضى الله عنها عندما خيرت بين بلدان الأرض لم تختر سوى مصر لكرم أهلها ومحبتهم آل البيت ولذا لن تضام مصر أبدا. قبل أن أذهب إليه سمعت الأحاديث عنه وعن محبته أهل قوص الذين يبادلونهم حبا كحبه وكيف يخدمهم دون مقابل، نشرب شراب الليمون بالنعناع وأخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وهو يدعو لمصر ويدعو لنا ويتحدث عن دور الأزهر العظيم وعن شيخه الإمام الأكبر كل تقدير واحترام، عند قيامنا كانت الصور على جدران ساحته تنبئ عن شخصية صاحبت الأولياء مثل الشيخ محمد مصطفى الغندقلى والشيخ أحمد الشريف أعلم علماء مصر فى عصره والشيخ حامد خميس وغيرهم من علماء قوص وأوليائها، كانت الصور المعلقة والساحة العتيقة تحكى مجدا تليدا وكان الشيخ محمود الحريرى ممثلا واقعا جميلا يليق بمكانة قوص وحاضرها.
 برقيات إلى:
وزيرة الصحة ما رأيك فى مستشفى قوص الذى يخدم مدينة قوص وما حولها من قرى تقدر بـ 24 قرية، هذه الكثافة السكانية التى تذهب إلى المستشفى الذى كان أحرى أن يكون صرحا طبيا مرموقا فلا تجد فيه من العلاج إلا من القليل أقلا؟
مدير أمن الشرقية:
اشترى المواطن محمد موسى حمادة (8 شارع محمد سويلم والمقيم بقسم الإشارة أمام مدرسة طلعت حرب التجارية للبنات - الزقازيق) قطعة أرض مسجلة بالزقازيق ويود أحد الأشخاص الاعتداء عليها رغم تسجيلها باسمه، هل يأمر السيد اللواء مدير أمن الشرقية بتمكينه من أرضه وعدم اعتداء الغير عليها؟
 مدير أمن قنا:
نجاحك وفريقك بالمديرية فى فك غموض جريمة قتل الطفل أحمد سيف التى حدثت أخيرا بمدينة قنا يثبت جدارة مباحث قنا بأماكنهم وتدريبهم العالى وذكائهم وتهدئة الرأى العام بعد انتشار الشائعات قبل فك الغموض وتحديد الجناة فى أقل من 4 ساعات. شكرا لكم.
 فى النهايات تتجلى البدايات
قال الشاعر:
وما كان يبكينى اللقاء وإنما
وراء الملاقى لاح ظل المودع