د. محمود عطية
د. محمود عطية


من باب العتب

اغتصاب العقل

د.محمود عطية

الخميس، 26 سبتمبر 2019 - 10:46 م

بالتأكيد رفاهية الإنسان وانعتاقه من جبروت الأرض الجدباء ومحدوديتها جاء بما أبدعه العقل من علم، وبالعلم وحده تمكن من تسخير كل ما على الأرض وما فوقها وأصبح قادرا مسيطرا.. فغطى جسده العارى وبنى المساكن ليقى نفسه من غدر الطبيعة وتقلباتها قدر الإمكان.. واختصر الأيام والليالى وقلص السنين إلى ساعات للانتقال من مكان لمكان ومن بلد إلى بلد ومن قارة إلى قارة بالعربات والطائرات ووسائل الاتصال وفى طريقه لعمارة الفضاء.. وخفف بالعلم من أوجاع البشر وآلامهم وعالج أمراضهم واخترع وسائل التسلية والترفيه لإمتاع النفس والجسد.. ومازال ينقب بالعلم والأبحاث والعمل المضنى عما فيه سعادة العالم وخير الإنسان.
ومن المدهش والمحزن أن البعض مازال يمارى فى أهمية العلم ويؤكد أننا تخلفنا لأننا بعدنا عن الله.. وكأن أوربا وأمريكا وحتى إسرائيل أقرب منا إلى الله.. ونحن نسبح بحمد الله ليل نهار ونصلى ونصوم وندعو الله صباحا ومساء.. ولم يقل لنا أحد أن أسباب تخلفنا ازدراء العلم والعلماء جهارا نهارا فى خطبهم وتفسيرهم.. حتى يفتى أحدهم بأنه لو كان العقل كاملا ـ وهو أداة العلم ـ لتمكن من اكتشاف كل شىء مرة واحدة، والعقل يكتشف النظرية ثم يتراجع عنها.. ويفتى بأن الكتب الدينية تحمل كل النظريات العلمية.. ولا أفهم لماذا لم يستخرج أحد من الكتب الدينية نظرية علمية قبل أن يكتشفها البحث العلمى!... ولم يقل لنا لماذا لا يختلف العقل المفسر لمقاصد الآيات ولا يقول رأيا واحدا ومذهبا واحدا.. ومع ذلك يفتى بأن فى اختلافهم رحمة.. ولا يرى فى العلم واختلافه وتطوره سوى نقيصة وليس رحمة أيضا..!
وبعد إطلاق اسم العالم المصرى الأمريكى فاروق الباز على "كويكب" فى حدث غير مسبوق.. يصرح فى حديث صحفى قائلا: "لا توجد مكانة للبحث العلمى فى الدول العربية.. ومصر تنفق أقل من 1% على البحث العلمى والدول المتقدمة تنفق 3% وإسرائيل تنفق أكثر من 4% على البحث العلمى.." أليست هذه فجيعة أن عدونا المشترك ينفق على البحث العلمى أكثر من الدول العربية واستطاع فى سنوات قليلة أن يكون فى صدر الدول المتقدمة علميا؟!
وفى فقرة أخرى يقول د.الباز: "إن العلماء المصريين بالخارج لا يستطيعون أن يقدموا شيئا إلى الدولة دون شعورهم بالحاجة إليهم ورغبة القيادات فى الداخل فى تحقيق هذا الهدف.. وتقدمت دول جنوب شرق آسيا بعد أن جلبت أبناءها من الخارج وطلبت منهم المشاركة فى إصلاح الأوضاع".
ثم يؤكد: "الأهم حاليا إصلاح التعليم فى كل الجامعات المصرية والتأكد من أن تعيين الخريجين لا يتم بالواسطة إنما على أساس الكفاءة.. وأنصح الشباب أن يداوموا على جمع العلم والمعرفة عن طريق القراءة الدائمة".
كل طرق التقدم والرفاهية والتمكن جاءت عن طريق تحرير العقل بالعلم من اغتصابه بالسحر والخرافات وسدنة المعبد.. وخروج أوربا من كبوات العصور الوسطى جاء بتخليص العقل من دنسه واغتصابه وبتمكن العلم من التنفس وتخلصت بالعلم من سيطرة الكنيسة على عقول الناس والضحك على الدقون بصكوك الغفران ومفاسد كنائس العصور الوسطى.
لكل ذلك لا نجاة لنا ولا رفاهية حقيقية سوى بالثورة العلمية التى قضت على سيطرة الخرافات والعلاج بالسحر والشعوذة والمحاولات المستمرة لاغتصاب العقل.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة